المعارضة المصرية تائهة بين كثرة المرشحين للرئاسة

جدل داخل الحركة المدنية حول تشكيل فريق رئاسي.
الأربعاء 2023/08/16
اجتماع في الساحل الشمالي لقيادات في الحركة المدنية يثير جدلا

لم تحسم الحركة المدنية في مصر موقفها بشأن الانتخابات الرئاسية المقبلة في ظل رغبة العديد من قياداتها التقدم والمشاركة في الاستحقاق، ويرى متابعون أن هذا التشتت لا يخدم المعارضة، حيث أظهر أنها لا تملك رؤية أو إستراتيجية واضحة، أو شخصية قيادية تلتف حولها.

القاهرة - قادت تباينات عديدة في صفوف الحركة المدنية الديمقراطية في مصر إلى تأجيل اجتماع كان سيعقد بداية الأسبوع الجاري لمناقشة ملف انتخابات الرئاسة المقبلة وتقييم استمرار المشاركة في الحوار الوطني.

وترجح أوساط مطلعة أن يجري عقد الاجتماع، الخميس المقبل، من دون التطرق إلى ملف الانتخابات الرئاسية المختلف عليه، بما أدى إلى شد وجذب بين بعض رؤساء الأحزاب.

ولم تتوافق الحركة المدنية، التي تضم في عضويتها ثمانية أحزاب وعدة شخصيات عامة، على رؤية شاملة وموحدة من الانتخابات المتوقع أن تجرى قبل نهاية العام الجاري، وأعلنت سابقا عن ضمانات قبل إعلان موقفها من المشاركة فيها.

وأعلن عدد من قيادات الحركة نيتهم الترشح بصورة فردية، بينهم رئيس حزب الكرامة السابق أحمد الطنطاوي، ورئيس حزب المحافظين أكرم قرطام، فيما تبدي رئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل تواجها للمشاركة، كذلك الشأن بالنسبة إلى رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي فريد زهران.

وبدت علامات الاختلاف في وجهات النظر من خلال دعوة مجموعة من الأشخاص المحسوبين على الحركة إلى عقد اجتماع غير رسمي في أحد منتجعات الساحل الشمالي على البحر المتوسط، الجمعة، باقتراح من أكرم قرطام، وتطرق إلى تكوين فريق رئاسي دون الإفصاح عن تفاصيله والشخصيات المشاركة فيه ومن سيقوده.

محمد سامي: طرح فكرة الفريق الرئاسي بحاجة إلى حوار أوسع
محمد سامي: طرح فكرة الفريق الرئاسي بحاجة إلى حوار أوسع

وأحدثت صورا نشرتها رئيسة حزب الدستور على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك للمشاركين في الاجتماع بملابس صيفية جدلا واسعا داخل الحركة المدنية وخارجها.

وواجهت المعارضة نفس الاتهامات الموجهة للحكومة بالانفصال عن الشارع الذي يعاني أزمات اقتصادية، وسارع المتحدث باسم الحركة خالد داوود بنفي علاقة الحركة بالاجتماع، غير الرسمي.

ويرجع فقدان المعارضة المصرية التوافق على موقف موحد من الانتخابات إلى عدم وجود شخصية سياسية قادرة على توجيه الدفة، كما يعكس التنافس السياسي بين رؤساء الأحزاب وغياب الرؤية، ما تسبب ذلك في تشكيل تحالفات وكيانات معارضة قد تمهد للمزيد من تفتيت صفوفها، مثل “التيار الليبرالي الحر” و”كتلة الحوار”.

وتسعى دوائر محسوبة على المعارضة إلى تجميع الصفوف، بما يحافظ على قدر من المكتسبات التي حققتها بموجب مشاركتها في الحوار الوطني، وتسعى لتنحية ملف الانتخابات الرئاسية جانبا وتصعيد قضايا الحريات العامة ذات الارتباط بالحوار.

ويرى مراقبون أن فرص المعارضة في الانتخابات محدودة أو شبه مستحيلة، ولهذا تركن إلى مناكفة السلطة في ملفات ترتبط بتهيئة المناخ العام وتوسيع الحركة السياسية.

وقال الرئيس الشرفي لحزب تيار الكرامة محمد سامي إن المعارضة لم تتفق بعد على موقف محدد من الانتخابات الرئاسية، ولم تتوافق على المرشحين الذين تدعمهم في الانتخابات، واجتماع الساحل الشمالي لم يتجاوز التشاور بشأن مقترحات التعامل مع الانتخابات الرئاسية، وأن أحزاب الحركة المدنية كانت على علم بما يدور فيه.

وأشار سامي في تصريح لـ”العرب” إلى أن ملف الانتخابات لم يطرح بشكل مباشر للنقاش في الاجتماعات الرسمية للحركة المدنية، لكن هناك شخصيات قدمت نفسها وأعلنت عن رغبتها في الترشح، وهو حق أصيل لها، لكن التصويت على دعم أي من تلك الشخصيات لم يحدث، والحركة تنتظر إجراءات ثقة من جانب الحكومة تتماشى مع الضمانات المطلوبة للمشاركة.

وبرر سامي تراجع الحديث عن الموقف من الانتخابات داخل الحركة المدنية بوجود أولويات تسبقها، على رأسها ملف سجناء الرأي والإعداد للحوار الوطني والمشاركة فيه، مشددا على أن الحركة المدنية رأت أن تعبّر عن موقفها العام بشأن قضايا عامة بينها الانتخابات، من دون الدخول في تفاصيل مشاركتها.

تدرك قيادات في الحركة أن ملف الانتخابات الرئاسية “ملغم”، لأن الصورة لم تتضح بعد بشأن المرشحين، مع وجود تفاعلات عدة من أطراف داخلية وخارجية بشأن الانتخابات والتقدم بمقترحات وإثارة الجدل حولها وجس نبض الشارع.

جمال أسعد: المعارضة المدنية أثبتت أنها تعيش بعيدة عن الواقع
جمال أسعد: المعارضة المدنية أثبتت أنها تعيش بعيدة عن الواقع

وأكد الرئيس الشرفي لحزب تيار الكرامة أن طرح فكرة الفريق الرئاسي بحاجة إلى حوار أوسع داخل الحركة المدنية، والأساس هو الاستقرار على مرشح واحد ثم يأتي الحديث في مرحلة لاحقة عن طبيعة فريقه الرئاسي، وقد تكون هناك مشاورات بشأن تعيين نائب للرئيس أو فريق وزاري، والمعارضة يصعب أن تخترع العجلة في هذا الملف.

وكشفت مصادر لـ”العرب” أن اجتماع الخميس المقبل لن يتطرق إلى انتخابات الرئاسة، والملف الرئيسي سيتعلق بالموقف من الاستمرار في الحوار الوطني من عدمه، في ضوء التطورات الأخيرة على مستوى ما توصل له المشاركون فيه.

وقد يكون خيار الحركة المدنية اتخاذ قرار يفتح الباب أمام الأحزاب للمشاركة بشكل منفرد في الانتخابات، لمنع توسيع الخلافات وعدم إعلانها دعم مرشح معين، ويتسق هذا الخيار مع الوزن السياسي للحركة في الشارع، حيث لا تؤثر مشاركتها من عدمها في اتجاهات الناخبين، ولذلك قد تبحث عن موقف شعبوي يتمثل في المقاطعة.

وذكر المحلل السياسي جمال أسعد أن المعارضة قدمت رسائل بأنها تبحث عن حلول لمشكلاتها الداخلية عبر تقديم مقترحات لا تتماشى مع الدستور والقانون والعمل السياسي المألوف، ويتطلب الحديث عن فريق رئاسي توافقا ليس على مستوى المعارضة فقط، لكن من خلال كافة القوى والتيارات على الساحة السياسية.

ولفت أسعد في تصريح لـ”العرب” إلى أن المعارضة المدنية أثبتت أنها تعيش بعيدة عن الواقع، وليست لديها ارتباطات حقيقية به، ما يجعلها تواجه انتقادات بدلا من إظهار قدرتها على حشد الدعم الشعبي، لاسيما أن شريحة كبيرة من المواطنين فقدت الثقة فيها، على الرغم من عدم وجود بديل للسلطة الحالية، وربما تساهم تصرفاتها في تضييق الخناق على خيارات الجمهور مع حالة الارتباك السائدة في مواقفها.

وتدرك جهات رسمية عديدة أن مشاركة أو عدم مشاركة المعارضة في الانتخابات لن تغير في المعادلة السياسية كثيرا في ظل غياب تأثيرها، ما يجعل الحكومة غير مضطرة إلى تقديم تنازلات أو التجاوب تماما مع ضمانات طالبت بها الحركة المدنية.

2