المصري محمد الطراوي يواصل احتفاءه بالمرأة ورمزيتها في "كوني أنت"

الفنان يراهن في تجربته التشكيلية على بلوغ منتهى الاستيلاد في تحوّل الثبات في المكان والزمان وعند ملامح البشر على فلسفات ورؤى حسية تخلّد البشر.
السبت 2021/11/06
سردية بصرية تنزاح عن البكائيات

القاهرة – يتواصل حتى الثالث عشر من نوفمبر الجاري بقاعة الباب سليم بمتحف الفن المصري الحديث بدار الأوبرا بالعاصمة المصرية القاهرة، معرض فردي بعنوان “كوني أنت” للفنان المصري محمد الطراوي.

وهو معرض قال عنه خالد سرور رئيس قطاع الفنون التشكيلية بمصر “يستمرّ الفنان محمد الطراوي في تجربته المرتكزة على الأصالة وشغفه بالموروث الثقافي الشعبي والبيئي بسماته شديدة الثراء في مصر.. وقد غلب على هذه التجربة انحيازها للمرأة في دورها وعالمها وواقعها ورمزيتها، لتطالعنا سطوح لوحاته تتحدّث بلسان أبطالها في ديناميكية تتناغم بين الحركة تارة والثبات تارة أخرى يحكمها المضمون والمغزى الوجداني”.

خالد سرور: لوحات الطراوي تتحدّث بلسان أبطالها في تناغم حركي وثابت

وأضاف “يوظف الفنان دلالات كل حالة لخدمة المعنى الفني والجمالي بتفاصيله الحريصة على الاقتران بالرمزية البصرية لدى المُتلقي”.

ويميل الطراوي إلى تقديم المرأة في ثياب من وحي البيئات المصرية بتنوّعها ليُعبّر عن تقديره لها في كل بقعة واعترافا بدورها ومعاناتها، وهو يرسمها أحيانا في حالة قلق وانتظار وحزن، لكن المتلقّي لن يشعر بها أبدا في حالة خوف.

ويتقن الفنان في مشاهده هذه الخيط الدقيق بين الواقع والخيال لتبدو أعماله بصورة ما بوصلة لحفظ التراث اللامادي والذاكرة الجمعية بين طبقات الشعب المصري تُرشد المتلقي وفقا لسياقه الإبداعي.

وحول انحيازه الدائم للمرأة يقول الطراوي “المرأة هي محل لأفكار وتصوّرات تُطرح على المستويين المرئي والمكتوب، فلم تعدّ صورتها كما كانت وعاء يلغي بُعدها الإنساني، وفي حضرة المرأة تتجلى مقامات كوني أنت.. اصنعي حياتك التي ترغبين بأن تعيشيها، اصنعي ذاتك، أرسمي دروب أحلامك، أعيدي للحياة رونقها وتوازنها وللورود عطرها، أثبتي للعالم من تكوني أنت”.

وفي عالم الطراوي، تكمن الأسئلة وتنفتح الإجابات اللانهائية عن مكانة المرأة في قلب وعقل وروح الفن والفنان قبل أن تسأل المشاهد في عجائبية وغرابة وفتون عن كيفية وضع أطر لمرايا التحديق في النفسي والبيئي والمعيش اليومي، ومن هو القادر على صنع الفرادة؟

ليس من أجل البوح في لغة صامتة جامدة، بل في صراع فرشات وألوان حامية، تدفع بالجنون قبل الحدّة والجدّة وشغف أن تكون ابنا وفيّا للعالم ومخلوقاته، حتى وإن كنت في حالة خصام مع حالات ومعارض ولوحات تردّد دائما أن هناك ما يسمى “الفن للفن”، بل إن الفن التقليدي في الغالب لا يعمّر ولا يصل لثيمة الخلود إلاّ بتبنيه حيرة وآلام ودهشة بني البشر بالأمكنة، وطغيان تلك الأرواح الشبحية والرومنطيقية على المسطح الأبيض بشكل مطوّر لآليات الفهم والتلقي والنقاش وإثارة الجدل مع وفرة طرح مصطلح الحنين، وإن بعيدا عن الشكل المؤبّد.

وتحضر غالبا في لوحات الفنان المصري مفردات وماهيات الاغتراب والتماس والاشتباك بملامح ورؤى جديدة، لا تؤبّد المكان بقدر ما تفتحه على وعي المتلقي، وتشتبك مع ثقافته، أو مع الرائي والمُتماس بحذر وثقل وخفة في آن لتلك الألوان التي تخبئ المكنون الروحي والجمالي في بقع ما يُطلق عليها مجازا “منسية” في التاريخ وذاكرة الفرد بل والجماعة أيضا.

Thumbnail

ويتنقّل الطراوي في ألوانه ما بين الأبيض والأسود المقطّر النادر أو الجارح الذي يدلّل على اختزال ما لبهجة الرسام الذي لا يقصد ولا يبغي إلاّ وقوف مُشاهد ومفسّر للوحاته وعالمه على الحافة: ما بين العقل والجنون والمكان واللامكان، واليقين المخاتل والجرح البيئي كونه يتنقّل بين الأمكنة والبشر وخرائط المسكوت عنه، خلف الوجوه وبعيدا عن الثبات، وهو في كل ذلك ينزاح عن البكائيات التي تساهم في الكآبة لدى محبّي ومتذوّقي عوالم الصورة والإيقاع والحس البصري.

ويراهن الفنان في تجربته التشكيلية على بلوغ منتهى الاستيلاد في تحوّل الثبات في المكان والزمان وعند ملامح البشر على فلسفات ورؤى حسية تخلّد البشر، بل وتفرّق أيضا وتوسّع من خارطة التلقي عند كل ناقد ومتابع وهاوٍ محب لفنه على حدة، فيما يخصّ أهمية أن يكون للوجه الواحد والأنثى تحديد كبير للملابسات والرموز والطلاسم المكنونة خلف الملامح المتوارية.

وفي جوانب من لوحاته يستعيد الطراوي حميمية وفتنة تأثره بالراحل المصري محمود سعيد، في عالمه الأثير عن البحر وبناته بالإسكندرية. وطغيان اللغة الحسية في مساحات شاسعة وضيقة من الدفء والتوق للتلاقي في جماليات تراكمية عبر فن خالص يضيف للواقعي والمرئي والملموس والمحسوس أبعادا أخرى.

ومحمد الطراوى الحاصل على بكالوريوس الفنون الجميلة عام 1980 من جامعة حلوان، هو عضو في نقابة الفنانين التشكيليين ونقابة الصحافيين بمصر، حيث عمل لسنوات رساما بمجلة “صباح الخير” بمؤسسة روز اليوسف، كما حصل على درجة الدكتوراه الفخرية من الأكاديمية الفنية بطشقند أوزبكستان 2006، وميدالية البخاري الذهبية بأوزبكستان 2006، وشهادة تقدير المهرجان العام للفنانين والمبدعين العرب 2009، وأقام العديد من المعارض الشخصية والجماعية بالجوائز بالولايات المتحدة وفرنسا ولندن وتشيلي واليمن.

وله العشرات من المقتنيات في متحف الفن بباريس وطاجيكستان وأوزباكستان وغالبية المتاحف العربية في الكويت والسعودية والبحرين وعُمان إضافة إلى مقتنيات لا حصر لها من قبل هيئات دولية وأفراد.

14