المصري أحمد نبيل يسرد في "خيال المآتة" سيرة حياة الأولين وصمودهم

القاهرة - يتواصل بقاعة “الباب سليم” ساحة متحف الفن المصري الحديث بالأوبرا المصرية حتى نهاية شهر أكتوبر الجاري المعرض الفردي الجديد للفنان أحمد نبيل المعنون بـ”خيال المآتة”، يستعرض من خلاله الفنان المصري المخضرم باقة من أحدث إبداعاته الفنية.
وعن المعرض قال خالد سرور رئيس قطاع الفنون التشكيلية المصرية “يستمر الفنان أحمد نبيل في الغوص بين صفحات الموروث الثقافي الشعبي، هذا الأثير الذي شُغف به وأبحر بين ثناياه الملهمة منتقيا في كل عمل وفي كل عرض جديد ملمحا مختلفا، وقد استثار مخيلته الإبداعية موظفا المعنى الراسخ بوجدان المتلقي ليحمل أفكارا ومعاني متعدّدة خارج السياق التقليدي، ولكن في تناغم جمالي وفني يحفظ هذا المعنى ويحفظ معه حقه كمبدع في الخيال والإبداع (…) ‘خيال المآتة’ مثير جديد ينتمي بلا شك إلى هذه القرية التي طالما استحوذت بتفاصيلها وعاداتها وثقافتها عليه”.
و”خيال المآتة” أو الفزّاعة هي دمية أو مانيكان تأتي على شكل إنسان مصنوعة من القش المخبأ في ثياب. وهي تستخدم عادة لترهيب الطيور والحيوانات الأخرى في المزارع كي لا تأكل البذور والبراعم والفاكهة، كما تستعمل أيضا كأهداف للتدريب على الرمي أو ضربات السيف أو كدمى للحرق أو للفت انتباه الثيران.
وتفنّن الفلاحون العرب في صناعة “خيال المآتة”، وهو بصورة عامة مصنوع من تقاطع خشبتين على شكل صليب ويلبسونه الدشداشة في العراق والبشت في الخليج والجلبية في مصر والسروال في بلاد الشام، ويحشونه بالقشّ ويضعون الطربوش أو العقال أو الجراوية أو العمامة كغطاء للرأس وكل حسب زيه المحلي المستخدم في بلاده.
لكن “خيال مآتة” نبيل يتجلى في معرضه الجديد في صورة امرأة تلعب دورا في الدفاع عمّا تملك من بيت ومساحة صُغرى من الأرض، تُمثل لها العالم أجمع، حيث تقف باسقة بصلابة للدفاع عن حياتها وأرضها.
قوة المعرض تتجلى في صورة امرأة تلعب دورا في الدفاع عمّا تملك من بيت وأرض صغيرة يمثلان لها العالم أجمع
وتقول رشا ابنة الفنان “تَضُجّ كل لوحة من هذه المجموعة بالتفاصيل العامرة، التي لا تَترُك مجالا للعين أن تستكين أو تستريح، بل تُجبرها على أن تجوب العمل بلا كلل أو رتابة. في النهاية ها هنّ النساء، يُشهرهنّ الفنان بطلات في وجه الحياة، يَزرعهنّ في الأرض شامخات ثابتات، فهنّ واهبات الحياة، صانعات الخيال، ساكنات عالم السحر والجمال”.
ولا يزال التشكيلي المصري يتمسّك عبر أكثر من ستة عقود من الإبداع بطرح كائنات تشبهه، منفتحا على الطبيعة البكر، الحافلة بالبشر مكتملي الإنسانية والطيور والنباتات والأحجار التي يمكن منحها صفة الحياة.
وهو في ذلك يقول “حريتي كفنان هي التي تكفل لي فرض شخصيتي، والتمرّد على قيود المدارس والمذاهب بالاندماج الأرحب في نسيج الوجود، والعودة إلى الطبيعة الأم، حيث أتفاعل تفاعلا مباشرا وملموسا مع الكائنات التي أصوّرها والمفردات المهملة”.
ويحكي الفنان بعد إقامة طويلة في دول غربية “أستشعر لاحقا بالغربة كإنسان، وكفنان، ومن ثم عاودني الحنين إلى التصوير الزيتي في بيئة ريفية، ومجتمع صحراوي، ودفعني هذا الاستغراق إلى تكوين بيت صغير يعجّ بالنباتات والطيور والحيوانات، وينفتح فضاؤه على الطبيعة البكر، ويحيطه البشر مكتملو الإنسانية”.
ويؤمن نبيل بأن أبرز منجزات الحداثة في تجربة الفن الجديد بالعالم الغربي تتمثل في الاحتفاء البالغ بقيمة اللون، بوصفه أوضح وأعمق مفردات اللغة.
وتنفتح تجربة التشكيلي المخضرم على الحياة القريبة والمفردات الشعبية البسيطة، وهذا ما يراه هو معبّرا للوصول إلى المتلقي العادي، ووسيلة لكسر نخبوية الفنون البصرية، فالتشكيل في الأساس هو فن الهواء الطلق، والمتاحف المفتوحة لعموم الناس أينما كانوا.
ويرسم نبيل كي يطالع الجمهور أعماله على نطاق واسع، ومن هذا المنطلق اتجه في وقت سابق إلى التصوير الجداري، وأسهم في تصميم وتنفيذ مجموعة من الجداريات لمحطات مترو الأنفاق، ومطار القاهرة الدولي، وواجهة المسرح المكشوف بمدينة الإنتاج الإعلامي، وغيرها من الأمكنة العامة.
وعن ذلك يقول “أحبّ أن أكون واحدا من هذا العالم”، موضّحا أن الفنان قادر على خلع صفة الحياة على العناصر التي يصوّرها، حتى وإن كانت حجارة صماء، وذلك من خلال تمرير مفردات العمل الفني جميعها على مختبر الذات أولا، لتنطق بلسان الفنان ونبضه.
ويسعى نبيل في مجمل أعماله لخلق خلايا العملية التصويرية من عصارات النباتات وظلال النساء وحركة الخيول ورفرفة الطيور وغموض الفزّاعات وانكسار الأضواء وانعكاسها على تكثُّف الزمن في خبرات العمر الذي جاوز الثمانين عاما.
والمرأة والطائر والنبات أبرز أقانيم الفنان في تجربته الممتدة بصفة عامة، وفي “خيال المآتة” بشكل خاص يعالجها عادة بأقل قدر من التحريف الفني ومن التجسيم الأسطواني، مستخدما درجات اللون الأزرق وهي تسري كالحلم في هشيم الحياة.
وأحمد نبيل تشكيلي مصري من مواليد محافظة القليوبية في العام 1937، حاصل على بكالوريوس من كلية الفنون الجميلة قسم التصوير من جامعة حلوان عام 1960، ودبلوم أكاديمية الفنون الجميلة من أكاديمية مايكل أنغلو بفلورانسا الإيطالية في التصوير الجداري سنة 1974.
وشغل الفنان وظائف أستاذ ورئيس قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة جامعة حلوان، ووكيل كلية الفنون الجميلة لشؤون التعليم، وشارك في الحركة الفنية المصرية بمعارض شخصية وجماعية عربية وغربية، حاز خلالها العديد من الجوائز والتكريمات، وأعماله مقتناة في عدد من المؤسسات الرسمية والخاصة بمصر وخارجها.