المشاريع القومية أولوية سياسية في مصر

تحاول الحكومة المصرية الموازنة بين استكمال مشاريعها التنموية ومواجهة تداعيات أزمات الطاقة والغذاء وارتفاع الأسعار التي تفاقمت بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. وتواجه الحكومة المصرية انتقادات لجهة تعديل خطط عملها لمعالجة الأزمات الحياتية، إلا ان ذلك لا يثنيها عن مواصلة مشاريعها الكبرى.
القاهرة - حسمت الحكومة المصرية موقفها من الاستمرار في استكمال المشروعات القومية العملاقة وفتح المجال لإمكانية تدشين أخرى بعد أن واجهت ضغوطاً طالبتها بإعادة تحديد الأولويات والتوجه نحو التعامل مع أزمات الغذاء والطاقة وارتفاع أسعار السلع التي تركت تأثيرات سلبية على حياة المصريين.
ووجه الرئيس عبدالفتاح السيسي حكومته بمواصلة العمل في مختلف مشروعات وزارة الإسكان على مستوى الدولة والانتهاء منها وفق الجداول الزمنية المحددة، مع تطوير برامج التسويق وحزم التمويل الخاصة بالوحدات السكنية بهدف إتاحة المزيد منها لكافة الشرائح من المواطنين.
وتوقع مراقبون أن تدخل تعديلات كبيرة على أجندة المشروعات العمرانية بما يتماشى مع التطورات الجديدة التي فرضت على الحكومة طقوسها الاقتصادية.
وتلقى السيسي خلال لقائه مع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير الإسكان عاصم الجزار، الثلاثاء، تقريراً بشأن الموقف التنفيذي لعدد من المشروعات القومية في العاصمة الإدارية الجديدة في شرق القاهرة، ومدينة العلمين الجديدة غربا ومشروع “التجلي الأعظم” السياحي في جنوب سيناء، وتطوير منطقة القاهرة التاريخية، وكلها مشروعات تحتاج إلى موازنات مالية كبيرة.

حسن سلامة: استقرار الأوضاع السياسية يمكّن مصر من تجاوز الأزمات
وبعث هذا اللقاء وما تضمنه من مناقشات رسالة مفادها أن الأزمة الاقتصادية لن تعوق النظام المصري عن الاستمرار في المشروعات التي بدأها ولا يوجد ما يستدعي خوف بعض المستثمرين الذين قام عدد منهم بسحب أموالهم من السوق بعد التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا وما جلبه من تداعيات على دول المنطقة.
وأكد أن هناك قدرة مصرية على مواجهة الصعوبات التي يعيشها المواطنون من دون أن تتأثر الخطط الطموحة، وأن أي تململ في الداخل لن يشكل خطراً على النظام.
وينسجم هذا التوجه مع إعلان الحكومة عن نيتها الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي وتوسّعها في جلب ودائع كبيرة من دول الخليج، والانفتاح على الأسواق الاستثمارية العالمية ما يحقق حالة من الثقة في السوق المصري ويعزز تماسكه.
ويرى المراقبون أن السيسي بعث برسائل مهمة للداخل تؤكد أن الحكومة تقف على أرضية صلبة وتحاول أن تحدث توازنا بين إجراءات الحماية الاجتماعية التي اتخذتها وبين إنجاز المشروعات القومية التي تصب في صالح المواطنين على المدى البعيد.
ولدى الحكومة المصرية أدوات تمكّنها من تفعيل ضبط الأسواق وتوفير السلع والخدمات، فضلا عن قدرة جيدة على تنفيذ المشروعات في توقيتاتها لأن هناك التزاما تجاه التعامل مع الملفّات الحيوية التي يعوّل عليها النظام.
وقال أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية حسن سلامة إن اجتماع السيسي ومدبولي كان الغرض منه طمأنة المواطنين بأن الأمور تحت السيطرة بعد حالة من عدم اليقين سادت الشارع خلال الفترة الماضية.
وأشار لـ”العرب” إلى أن السيسي يريد القول إن الاقتصاد المصري قادر على تجاوز الأزمات المركبة والأوضاع السياسية مستقرة، وهي رسالة إيجابية للبسطاء الذين ساورهم قلق حول مستقبلهم تزامنا مع حالة تشويش حدثت بشأن أولويات الدولة.
واتخذت الحكومة إجراءات جديدة هدفت منها إلى طمأنة بعض الجهات الخارجية من خلال خفض قيمة الجنيه والاتجاه نحو الحصول على قرض ثالث من صندوق النقد، وهو ما يؤكد عدم وجود توترات في الداخل من أيّ نوع.
ولا تحظى قرارات الحكومة برضاء كامل وملموس أو رفض واضح في الوقت ذاته، وتتأرجح وجهات النظر بين إدخال تعديلات سريعة على الأولويات وبين الانشغال بمدى قدرة الحكومة على تحصين نفسها من الزيادة في أسعار السلع.
وتتمثل الأزمة الكبيرة التي تواجه النظام الحالي في ضعف القدرة على تسويق أولوياته في ظل غياب لافت للمعلومات المرتبطة بالمشروعات القومية وعوائدها.
واختار النظام المصري الانتظار إلى حين إحداث حالة من الاستقرار وامتصاص صدمة انخفاض قيمة الجنيه وتوفير بعض السلع بأسعار مُخفّضة قبل أن يعلن تفصيليا عن توجهه نحو إنجاز المشروعات القومية في المهل الزمنية التي حددت لها، ما جعل الاجتماع الذي تصدر اهتمامات وسائل الإعلام المحلية الثلاثاء يمر من دون أن يلقى انتقادات لاذعة.
ودخلت بعض أحزاب المعارضة على خط الأزمة الاقتصادية بدعوتها إلى مراجعة أولويات الحكومة ووجدت أن البيئة السياسية مواتية للتعبير عن موقفها بشأن مستقبل عمل الحكومة وأن الخدمات العامة كالصحة والتعليم أكثر أهمية من بعض المشروعات الكبرى.

مها عبدالناصر: من الضروري إعادة النظر في أولويات الحكومة وفقًا للتغيرات
واعتبر الحزب الديمقراطي الاجتماعي (معارض) الإجراءات التي اتخذتها الحكومة من قبيل المسكّنات العاجلة لأزمة ربما تعيد إنتاج نفسها وتنفجر مرة أخرى، ويحتاج العلاج إلى إعادة النظر في استراتيجية التنمية الاقتصادية المعمول بها، ورسم سياسات الإنفاق بصورة دقيقة ووضع رؤية شاملة للتنمية تبدأ من تحديد أهداف.
وشدد الحزب على ضرورة التعاون بين القطاعات الاقتصادية الثلاث: الحكومي والخاص والتعاوني، مرورًا بتوفير مستوى مناسب من الاستقرار السياسي والاجتماعي يسمح بجذب الاستثمارات الأجنبية، على أن يبدأ التفكير في وضع خطة جديدة من الإقرار بوجود خلل في الهيكل الاقتصادي وأزمة بنيوية متكررة.
وقالت عضو مجلس النواب المصري عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي مها عبدالناصر إن الواقع يشير إلى ضرورة إعادة النظر في أولويات الحكومة وفقًا للتغيرات التي طرأت، وأن توجيهات الرئيس السيسي باستكمال المشروعات القومية التي بدأ العمل فيها أمر جيد ولا يمكن تركها لأن خسائرها ستكون فادحة، لكن من المهم أن لا يطال الأمر تدشين مشروعات جديدة لم تبدأ.
وأكدت في تصريح لـ”العرب” أن المشروعات القومية قد تكون أداة لتحسين مستوى معيشة الفرد على المدى البعيد، إلا أن المواطنين يواجهون أزمات طاحنة ما يجعلهم في حاجة إلى إجراءات فاعلة لتخفيفها والتعامل معها سريعا، خاصة على مستوى شح بعض السلع الغذائية وتفاقم مشكلات استيراد القمح، ولا يمكن المضي قدما بنفس الخطط في حين أن مصر دولة تستورد غالبية احتياجاتها الغذائية من الخارج.