نعيم نور لـ "العرب": الكثير من الفنون العمانية التراثية تشكل فرجة شعبية

المسرح المدرسي طريق المسرحيين للحفاظ على أبوة فنهم لكل الفنون.
الاثنين 2023/03/20
من الضروري ردم الهوة بين المتلقي والمسرحي

يجمع نعيم بن فتح بن مبروك نور بين عالمي الدراما الإذاعية والتلفزيونية من جهة والمسرح من جهة أخرى، رغم التناقض بين هذين العالميْن. وفي هذا الحوار مع “العرب” نتعرف على تطورات تجربته والمراحل التي قطعتها ورؤاه وأفكاره في ما يخص المسرح العماني خاصة والخليجي والعربي عامة.

تحفل تجربة الكاتب المسرحي والتلفزيوني العماني نعيم بن فتح بن مبروك نور بتعدد تجليات فضاءاتها الإبداعية والدرامية التي تستقي قضاياها من واقع المجتمع العماني خاصة والخليجي والعربي عامة.

هذه التجربة التي انطلقت من المسرح المدرسي مرورا بالمسرح الاحترافي للكبار وانتهاء بالأعمال الدرامية الإذاعية والتلفزيونية، حصدت أعمالها الكثير من الجوائز الخليجية والعربية، من بين تلك الأعمال المسرحية “عطر الأيام”، “عائلة البمبي”،”عشق الصحراء”، “موشكا”، “القلوب الضريرة”، “عرائس بشرية” و”مشاعر مبعثرة”، ومن المسلسلات الإذاعية “نهر الذكريات”، “الأيام”، “حكاوي الجدة”، “أحزان جميلة”، “الحب الكبير”، “أغلى من الدموع”، “قلوب من ورق”، “غدا تشرق الشمس”، و”الأسطورة”، ومن المسلسلات التلفزيونية “سدرة” و”حينما تعزف الريح”، هذا فضلا عن فيلم تلفزيوني “قلوب ضريرة” من إخراج يوسف البلوشي.

المسرح المدرسي

نعيم نور: المسرح العربي يعاني من أزمة تلو أخرى ويواصل طريقه
نعيم نور: المسرح العربي يعاني من أزمة تلو أخرى ويواصل طريقه

بداية يقول نور “من خلال عملي في مجال التدريس وكوني معلما للصفوف الدنيا، حيث كنت أقوم بتحويل الدروس التعلمية وأقدمها لطلاب من خلال المسرح مما ساعدني على تبسيط الدروس وتقريبها لطلاب صفي، الأمر الذي أوقعني في مشكلة مع باقي الزملاء، حيث أصبح جميع الطلاب ينتقلون إلى صفي بعدما سمعوا من أقرانهم عن الأسلوب المسرحي الماتع الذي أستخدمه في التعليم، وأصبحت مشكلة كبيرة في المدرسة بيني وبين الزملاء وأولياء الأمور ومن يومها لمست قوة المسرح وتأثيره، وهنا قمت بكتابة مسرحية للاحتفال النهائي في العام الدراسي ومن هنا كانت الشرارة الأولى”.

ويستدرك “لكن علاقتي بالمسرح تعود إلى أيام الدراسة الأولية في المدرسة وأنا في المرحلة الإعدادية حيث طلب منا معلم اللغة العربية كتابة تعبير وترك لنا حرية اختيار الموضوع، وبعدها قمنا وأعطينا المعلم التعبير ليصححه، وفي اليوم الثاني وفي حصة معلم اللغة العربية انتظرنا جميعا الدرجة وعندها لحظت المعلم وكان مصري الجنسية يطيل النظر إلي مما أوقعني في حيرة وارتباك لينتشلني من حيرتي ويناديني لأقترب منه، وعندها أخبرني بأن ما كتبته لم يكن تعبيرا بل كان قصة أو ما يشبه القصة ويثني عليها وأنها جيدة وأنه يجب علي أن أهتم بموهبتي وأحرص على تنميتها، وذلك من خلال المطالعة والقراءة الموجهة. ومن ذلك اليوم اكتشفت وجود الموهبة عندي والتي استفدت منها في مسرحة الدروس المنهجية”.

ويؤكد نور أن المسرح المدرسي يعد واحدا من أهم البرامج التي يحقق النشاط المدرسي من خلالها الكثير من أهدافه، حيث يمارس الطلاب من خلاله العديد من الأنشطة في مختلف مجالات النشاط، ففي المجال العلمي هناك مسرحة المناهج التي تقدم من خلالها مجموعة من الموضوعات العلمية على شكل مسرح، وفي المجال الكشفي هناك الفرقة الكشفية التي تمارس أحد الأنشطة الكشفية في المسرح المدرسي من خلال تولي مهمة تنظيم الجمهور، أو من خلال حفلات السمر الكشفية، والهدف الرئيسي هو تحقيق نشاط تربوي حقيقي عن طريق المسرح.

والنشاط المسرحي المدرسي، في رأيه، يعد جزءا من المناهج الحديثة؛ فهو يساعد على تكوين عادات ومهارات وقيم وأساليب لازمة لمواصلة التعليم وللمشاركة في التنمية الشاملة، إذ يرى أن أهمية المسرح المدرسي وفاعليته تتجليان في رفع مستوى تحصيل تلاميذ مرحلة التعليم الأساسي، كونهما تساعدان في توعية الطلبة بتراثهم وتاريخهم وحضارتهم، والتعرف إلى حياة الآخرين ومشاكلهم، وتنشئة الأطفال على القيم والأخلاق وكيفية التعامل مع الآخرين، وتنمية القدرة على التعبير والإلقاء، إضافة إلى علاج بعض جوانب القصور في النطق أو مواجهة الجمهور. وهذا الأمر دفعه إلى كتابة المزيد من المسرحيات التربوية والتي تقدم في حفلات نهاية العام الدراسي أو من خلال فعاليات مهرجان المسرح المدرسي الذي تتنافس فيه مختلف المناطق التعلمية في السلطنة، وبعدها قام بتأليف كتاب مسرحي يعني بالمسرح المدرسي ليكون مرشدا لجميع المهتمين بالمسرح المدرسي.

ويلفت نور إلى أن المسرح التربوي أو التعليمي أو المدرسي بمختلف تسمياته ومستوياته يعد منطلقا قويا وفاعلا في بناء علاقة المسرح بالناس أو المجتمع، وهو القاعدة التي تبرز دوره في حياة الأمم والشعوب باعتباره حالة إنسانية غاية في الأهمية حينما يتم تشخيص الخلل وعلاجه من خلال نقد الذات وتوجيهها بأسلوب حاذق وبلغة مسرحية ساخرة وفكاهية تهدف إلى تحقيق معادلة المتعة والفائدة من المسرح، وهو “أبو الفنون” على مر العصور، فتبسيط العمل المسرحي لطلاب، وجذب الجمهور إليه، وتقديم الرؤية الفنية الحاذقة سبب من أسباب نجاحه وانطلاقه وتحقيق أهدافه.

القضايا التي تناولها الكاتب تنوعت في أعماله الدرامية سواء الإذاعية أو التلفزيونية المختلفة عن المسرح

ويضيف “المسرح المدرسي في السلطنة بخير، حيث تهتم وزارة التربية والتعليم به، وتجري مسابقاته في كل محافظة تعليمية على حدة وبعدها يتم تتويج المسرحية الفائزة في كل محافظة وذلك لتدخل في منافسة أكبر وعلى مستوى السلطنة حيث تتشارك هذه المسرحيات الفائزة في فعاليات المهرجان المسرحي والذي تتنافس فيه مختلف المحافظات التعليمية ليتوج في نهاية المهرجان بأحسن نص مسرحي وأفضل إخراج مسرحي وأفضل سينوغرافيا وأفضل ممثل وممثلة وأفضل مسرحية متكاملة”.

ويتابع “إلا أن ما يواجهه المسرح المدرسي في السلطنة من تحديات يتمثل في محاولات تغييبه، أو التقليل من شأنه، أو جعله من قبيل الحالة ‘اللاصفية’ خارج المنهج التعليمي وعرضه بطريقة وعظية لا تضيف شيئا إلى المجتمع وذائقته، وعدم وجود الدعم المادي المناسب للعروض المسرحية، والتقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي تعد كذلك من أصعب التحديات التي تواجه المسرح المدرسي، كما أن هناك هوة ما تنشأ بين المتلقي للمسرح المدرسي والعاملين فيه، حينما تكون العبارات الجمالية في هذا السياق لدى منتقدي فكرة المسرح المدرسي محمولة على صيغة إقصائية، لا تؤمن بالمسرح أصلا، أو أنها تريد أن تجتزئه بأسلوب إلقائي وعظي، وربما هذا هو التحدي الأصعب الذي يواجه العمل المسرحي المدرسي”.

وحول ملامح وخصوصيات المسرح في السلطنة يقول نور “تاريخيا، إن النشاط المسرحي في السلطنة يعود إلى ثلاث مدارس كانت توجد في عمان سميت بالمدارس السعيدية أشهرها المدرسة السعيدية في مسقط العاصمة، حيث كان يقام احتفال سنوي في الساحة الداخلية لها يحضره كبار رجال الدولة وأولياء الأمور، ليشاهدوا بعض المشاهد التمثيلية والأناشيد والبرامج المدرسية، أما نوعية تلك المشاهد التمثيلية المدرسية فكانت تنحصر في المواد الدراسية لاسيما المواقف التاريخية والدينية، إضافة إلى بعض المواقف الفكاهية، وكان يشرف على تنفيذها أساتذة المدرسة من بعض الأقطار العربية التي سبقت عمان إلى معرفة الفن المسرحي”.

المسرح العربي يعاني من أزمة تلو أخرى، ويتنقل ليحط على أرض مملوءة بالأوجاع، فبين دعم مالي خجول هزيل، وحسابات سيطرت عليها العملة النقدية

ويتابع “هذه المدارس السعيدية الثلاث والتي تأسست في مسقط عام 1940 وفي مطرح عام 1959 وفي صلالة عام 1951 عملت في ظل إمكانيات بسيطة جدا، حيث كانت تعرف بعض الطلبة العمانيين على صور عفوية وأولية للدراما المسرحية، ومع انبلاج عصر النهضة في العام 1970 كان لا يزال البعض يحمل في داخله حبه للمسرح الذي غرس فيه أثناء دراسته الأولى، وعندما ابتعث هؤلاء الطلبة لمواصلة دراساتهم العليا في أوائل السبعينات إلى بعض العواصم العربية كالقاهرة وبيروت صاروا على تماس مباشر مع العروض المسرحية في تلك العواصم التي كانت مزدهرة آنذاك بانتعاش الحركات المسرحية فيها، وباعتبارها حلقة الوصل مع الحركات المسرحية الأوروبية، فكان ما شاهدوه في المسارح وما مارسوه في الجامعات من تجارب مسرحية باعثا لهم وحافزا لأن يحملوا تلك الخبرة إلى بلدهم الذي ينتظر مساهمتهم في تفعيل الأنشطة الثقافية بفارغ الصبر”.

ويرى أن تجربة فرقة النادي الأهلي هي التجربة الأكثر ثراء وتوثيقا في هذا المجال والتي أبرزت مسرحيين أبدعوا في عطائهم ويعود إليهم فضل الريادة في الحركة المسرحية في عمان، وفي مطلع الثمانينات فعلت من جديد الأنشطة المسرحية في الأندية بواسطة الوزارة المعنية عبر مسابقات في النص والعرض المسرحي كانت ثمرتها عدة عروض مهمة مرحليا، واستمر حماس فرق الأندية عدة سنوات، قدمت خلالها عروضا مسرحية متنوعة ومتباينة المستوى والمشارب بعضها فكاهات كوميدية محلية، وبعضها دراما شعبية فلكلورية، وبعضها انتهج جانب الفكر والفلسفة وغيرها، وتوالت التجربة تلو التجربة حتى صار مسرح الشباب في مسقط موئل الفن الدرامي العماني.

ويضيف “سرعان ما برز المسرحيون العمانيون من خلاله ليمارسوا مختلف المهمات المسرحية من أبسطها إلى أكثرها تعقيدا وإبداعا وصار منهج الفرقة أن تعقد ورشات عمل تدريبية قبيل تقديم كل عرض مسرحي لها، وما هي إلا سنوات قليلة حتى توسعت الفرقة وانتقلت بعروضها بشكل منتظم إلى مختلف مدن وولايات السلطنة، حتى صارت تلك العروض حافزا للمناطق لتشكل فرقا مسرحية خاصة بها، على غرار فرقة مسرح الشباب الأم، وتوالى بعدها ظهور عدد من الفرق الأهلية. ولتوطيد أسس صحيحة للمسرح العماني تم في عام 1990 افتتاح قسم للدراسات المسرحية في جامعة السلطان قابوس، وكذلك أقامت وزارة الشؤون الرياضية مسابقة الأندية للإبداع الثقافي العمرية للشباب”.

أعمال متنوعة

المسرح التربوي أو التعليمي أو المدرسي بمختلف تسمياته ومستوياته يعد منطلقا قويا وفاعلا في بناء علاقة المسرح بالناس أو المجتمع

يلفت نور إلى أن الفنون الشعبية العمانية تحظى باهتمام الجهات الراعية للتراث والموروث الشعبي الشفهي والموسيقي، وانطلاقا من كون سلطنة عمان تزخر بتراث شعبي وتاريخي عريق، هناك الكثير من الأغاني والرقصات الشعبية الفلكلورية التي تشكل ظواهر شعبية يمكن تقديمها كمسرح يعكس ثقافة الشعب العماني وعاداته وتقاليده الأصيلة الموروثة عن الأجداد والتاريخ بما فيه من أحداث وملاحم بطولية. وهناك الكثير من الفنون العمانية التراثية التي تشكل فرجة شعبية معبرة عن الفرح والحزن وغيرها من المناسبات الاجتماعية الأخرى.

ويرى نور أن المسرح العربي يعاني من أزمة تلو أخرى، ويتنقل ليحط على أرض مملوءة بالأوجاع، فبين دعم مالي خجول هزيل، وحسابات سيطرت عليها العملة النقدية، وطغى عليها التفكير المادي، وسعْي فوضوي وراء جوائز قضى بريقها على هموم الناس وآلامهم، ونقد قاصر يراوح مكانه، يقف المسرح العربي منهك القوى، يصارع من أجل البقاء، في زمن سيطر عليه التلفزيون ليسلب منه مبدعيه وأدواته، وابتعد منتجوه عن قضايا الشارع والواقع، مستعرضين عضلاتهم في غير موقعها، ليكون النتاج جمهورا أدار ظهره للمسرح ومضى بعيدا.

وفي ضوء تجربته مع الدراما الإذاعية والتلفزيونية، يؤكد نور أن طبيعة الدراما الإذاعية والتلفزيونية تختلف عن العروض المسرحية، وهذه الطبيعة هي التي تحتم على الكاتب مراعاة قوانين وعناصر الدراما، حتى يستطيع جذب انتباه المشاهد، فعليه أن يكون ملما بتفاصيل العمل كالإضاءة والديكور والملابس، والصوت بطبقاته وأبعاده، وطبيعة العمل في الأستوديو.. الخ، وليس بالضرورة أن يكون خبيرا في جميع هذه العناصر، إنما تكون لديه خلفية عنها تمكنه من إحداث تناغم بين ما يكتبه على الورق، وما سيتم عرضه على الشاشة، هذا وتقع الدراما في منطقة وسطى بين المسرح والسينما.

ويضيف “تنوعت القضايا التي تناولتها في مختلف أعمالي الدرامية سواء الأعمال الإذاعية أو التلفزيونية، فمثلا في مسلسل ‘سدرة’ والذي كان من بطولة الفنان الكويتي سعد الفرج وكبار الفنانين من الخليج وتونس والعراق وعمان تمت مناقشة قضية سوء معاملة الطفل المعاق وذلك من خلال الطفلة المعاقة سدرة، وفي مسلسل ‘حينما تعزف الريح’ والذي كان من بطولة الفنان الكويتي جاسم النبهان وممثلين من دول الخليج وعمان حيث تم التطرق إلى قضايا اجتماعية يعاني منها المجتمع الخليجي والعرب ومناقشتها بطريقة قد تكون تعرض لأول مرة على التلفزيون”.

13