المسرح الخليجي يتشابه في مزجه بين الأصالة والمعاصرة

يتقدم المسرح الخليجي ويتطور وسط زخم كبير من الممارسات الإبداعية المتميزة، ليخلق نهضته الخاصة بأدوات تنفتح على مختلف التجارب العربية والعالمية دون أن يفتقد لخصوصياته، لكن تظل هناك وشائج قوية تربط هذا المسرح بعضه ببعض، انطلاقا من تراث ثريّ مشترك وتقارب اجتماعي وإنساني قوي.
دعمت المهرجانات المسرحية التي تنظمها دول الخليج سواء في الإمارات أو الكويت أو سلطنة عمان أو البحرين أو السعودية التقارب بين مختلف مسارح الخليج العربي، كما عملت على تفرد رؤاه وأفكاره، كما دعمت توسيع علاقاته بالتجارب العربية في مصر وسوريا والعراق والمغرب والجزائر وتونس والسودان، حيث تشارك فرق دول الخليج في مهرجانات تلك الدول وغيرها. وهكذا تهيأت لهذا المسرح كل فرص تبادل الخبرات والأفكار والرؤى ومن ثم التطور وخلق نهضة مسرحية. وفي هذا التحقيق سعينا إلى الوصول إلى ملامح وخصوصيات هذا المسرح الذي يجتمع هذه الأيام مبدعوه تحت مظلة مهرجان المسرح الخليجي في دورته الثالثة والذي تنظمه إدارة المسرح بدائرة الثقافة في الشارقة.
التجديد والأصالة
بداية تقول الناقدة المغربية نوال بنبراهيم أستاذة التعليم العالي للفن المسرحي، إن المسرح الخليجي له ميزة متفردة تتمثل في ارتباطه بالحكايات الشعبية، وخاصة البحرية التي تخص مجتمع الصيادين والنواخذة، وتضيف “من خلال مشاهداتي للعديد من الأعمال وقراءاتي للنصوص المسرحية لاحظت أن هناك استلهاما للتراث الشعبي عامة من حكايات وأمثال وأقوال وأغان وأهازيج شعبية وأشعار نبطية، وهذا الارتباط كان في المسرح الخليجي منذ تأسيسه في مرحلة ما قبل النفط، وفي مرحلة ما بعد النفط تطور المسرح، فيما لا تزال المرجعية التراثية موجودة”.
وتتابع الناقدة “هذا التغيير يهفو إلى تغيير المجتمع العربي إلى الأفضل، ويهفو أيضا من حيث مستوى الشكل إلى الارتباط بالتقنيات في وسائل التكنولوجيا، أيضا أصبح هذا المسرح أكثر معرفة وفهما بتقنيات الخشبة وجمالياتها وبأدوات الإنجاز، مما جعله يحقق طفرة أو منعطفا سواء على مستوى التجارب المسرحية المعروفة أو على مستوى الاتجاهات مثلا، فهناك المسرح المرتبط بالتراث، والمسرح المنفتح على التيارات الغربية، ونجد مسرحا رمزيا وملحميا ووجوديا وتعبيريا إلى غير ذلك”.
ميزة المسرح الخليجي تتمثل في ارتباطه بالحكايات الشعبية، وخاصة البحرية التي تخص مجتمع الصيادين والنواخذة
وتؤكد الناقدة والمخرجة الجزائرية ليلى بن عائشة أن هناك تطورا كبيرا في المسرح الخليجي على مستوى الاشتغال على العرض الفني بمعنى أن الأمر لا يتوقف عند السمات، ولكنه يرتبط دائما بما هو أصيل في منطقة الخليجي العربي أو له قدسية معينة تذكر في سياق العمل المسرحي أو تكون محور ومدار الحديث عنه.
وتلفت بن عائشة إلى أن هناك اشتغالا كبيرا جدا على مستوى السينوغرافيا والرؤية، وقد شهدنا عروضا متميزة في السنوات الأخيرة، ففي المسرح الإماراتي هناك مثلا ما يقدمه محمد العامري، والمسرح الكويتي من خلال ما يقدمه فيصل العميري، وفي المسرح العماني والمسرح البحريني شهدنا أعمالا متميزة، وفي المجمل العام هناك خروج عن السمات التقليدية لكن دائما يبقى في المنجز المسرحي ارتباط بروح منطقة الخليج والقضايا الأساسية التي ينبغي أن تطرح في المسرح.
يرى الناقد المغربي محمد لعزيز رئيس تحرير مجلة فنون مغربية أن تميز المسرح الخليجي بشكل عام يأتي نتيجة لارتباطه بالمؤسسة المدرسية وانطلاقه منها، ويقول “في كل دول الخليج العربي كانت المدرسة هي المنبع لظهور المسرحيين الخليجيين الأوائل بعد أن وضعت اللبنات الأولى من قبل رواد في كل دولة على حدة، باستثناء تأخر الأمر في السعودية بحكم ظروف خاصة، ما عدا ذلك كل دول الخليج العربي حين وضعت اللبنات الأولى انبرى العديد من المسرحيين إلى تطوير الممارسة المسرحية وسرعان ما وجدوا صيغا حداثية بفعل التلاقح مع الدول العربية التي كانت لها ممارسة سابقة، وأقصد على الخصوص مصر”.
ويتحدث المخرج المسرحي محمد الجراح عن المسرح السعودي حيث يقول “توجد جهود كبيرة للنهوض بالمسرح في بعض المدن السعودية وخصوصا مدينة الطائف التي تضم فرقة مسرحية تأسست منذ 27 عاما ولديها حراك مسرحي نشيط ومستمر، يشمل ورشات عمل وتدريب تستهدف إنجاز أعمال مسرحية متميزة، لكن المسرح السعودي نشيط وفاعل في العديد من الفرق الأهلية المتمركز في أربع مدن في المنطقة الشرقية بشكل خاص هي جيزان والأحساء والدمام والطائف.
ويتنبأ الجراح للمسرح في السعودية نضوجا ونهوضا قويا في المرحلة القادمة، وفي ظل الانفتاح الفني والثقافي الذي تشهده المملكة والذي تشارك فيه المرأة بقوة نتيجة دخول الفنون الأدائية والمسرحية خاصة واتساع فضاء العمل للكتاب والمخرجين والمواهب التمثيلية وتوفر الفرص ودعم الدولة.
التشابه والاختلاف
يرى الناقد المسرحي المغربي عبداللطيف فردوس أن هناك رغبة قوية وملحة بين المسرحيين الخليجيين في تطوير أدوات الاشتغال المسرحي خاصة الكويتيين والإماراتيين، ويقول “الكويتيون يميلون إلى المدرسة الأميركية في اشتغالاتهم على أعمالهم المسرحية، والمشترك بين الإمارات والكويت هو الاشتغال على نصوص ذات مستوى وقيمة فنية عالية، وهذا يسهل عملية تطوير المسرح الذي يسعى إليه مسرحيو دول مجلس التعاون الخليجي”.
وتلفت الناقدة والمسرحية العمانية عزة القصابي إلى أن اشتراك دول الخليج في البيئة الجغرافية ككتلة واحدة، وتشابه عاداتها وتقاليدها وميراثها التاريخي الثقافي والفني الشفاهي والمكتوب، ينعكسان على الرؤى الثقافية لصناع المسرح الخليجي؛ مؤلفين ومخرجين. وتقول “إن المسرح الخليجي يتراوح بين الأصالة والمعاصرة، ومن ثم هناك سمات جامعة مهمة جدا تشكل التقارب الجمالي والفني بين مسارحه، من بينها تأثره بالتراث البحري والتراث الحكائي والقصصي الذي ينبع من الييئة البدوية ويتعاصر مع التقدم الهائل الذي تشهده المنطقة والعالم، فمثلا عرض “مدق الحناء” للكاتب السعودي عباس الحايك والمخرج العماني يوسف البلوشي تتجلى فيه العناصر التراثية من موسيقى وأغان وملابس وديكور.
مسرح يخرج عن السمات التقليدية، لكن دائما يبقى فيه ارتباط بروح منطقة الخليج والقضايا الأساسية التي تطرح فيه
ويقول المسرحي والناقد راشد نجم النجم مؤسس مسرح الهواة البحريني إن ملامح المسرح الخليجي لا تزال ضبابية لم تتبلور بعد، لكن يمكن القول إن هناك تجارب متعددة ومختلفة للكثير من المخرجين والمؤلفين. ويرى أنه مع التطور الحادث في الدول الخليجية أصبحت هناك فروق في التجارب المسرحية، فكل بلد في الخليج انطلقت تجربته في وقت مختلف عن الآخر.
ويرى النجم أن المسرح الخليجي يواجه الكثير من التحديات من بينها كيف يستمر هذا المسرح ويترجم هموم وأصوات الناس حتى يتسنى للجمهور الإقبال عليه، إننا نعاني في الخليج من عزوف الجماهير عن متابعة المسرح، لا بد للمسرح أن يشعر المتفرج بأنه حاضر بهمومه وقضاياه وأحاسيسه على خشبة المسرح في رؤية فنية يتمكن من فهمها، لأن التغريب والتجريب يبعد المتفرج عن المسرح، لذا على المسرح الخليجي أن يعود ويلتحم مع هويته وأن يحدد ماذا يريد.
وأكد الكاتب والمخرج المسرحي مجدي صابر أن المهرجانات المسرحية الخليجية مثل مهرجان المسرح الخليجي وأيام الشارقة المسرحية ومسرح كلباء للمسرحيات القصيرة وغيرها في الإمارات وأيضا في الدول الخليجية الأخرى ساهمت في إحداث اندماج وتوافق رؤى بين مسرحيي الخليج، كما أن مشاركة هؤلاء المسرحيين في مهرجانات عربية ودولية لعبت دورا مؤثرا في تطور تجاربهم خاصة في ظل توافر الدعم من قبل المؤسسات المعنية بالمسرح في دول الخليج عامة والإمارات بشكل خاص. وقد وضعها هذا في بؤرة الضوء والاحتكاك المباشر مع تجارب مسرحيي البلدان العربية، سواء دول شمال أفريقيا مصر والمغرب وتونس والجزائر والسودان أو دول العراق ولبنان وسوريا وفلسطين، وأتاح هذا الحضور والتواجد العربيين للمتلقي العربي هنا أو هناك التعرف على الموروث الخليجي الذي تستخدمه العروض المسرحية الخليجية، والتأكيد على أن المواطن الخليجي ليس بعيدا عن هموم وقضايا المواطن العربي عامة.