المستقبل بدأ قبل 84 عاما، هل نحن مستعدون له؟

المجتمع يجب أن يكون على استعداد “لجميع الاحتمالات عند التفكير في المستقبل، رغم عدم وجود طريقة للتيقن مما سيحدث في المستقبل فعليًا”.
العالم يستعد لجميع الاحتمالات. هناك تسابق محموم لامتلاك السبق وتحقيق الريادة. البعض خطا ميله الأول، وآخرون يخطون خطوتهم الأولى، ومنهم من ينتظر مكتفيا بمتابعة ما يحدث.
الباحث الذي طلب منا أن نكون على استعداد لجميع الاحتمالات، هو خبير إستراتيجيات المستقبل جون ساني، وهو واحد بين 400 من كبار الباحثين في شؤون المستقبل حول العالم اجتمعوا في مدينة دبي، حيث عقد يومي 11 و12 أكتوبر منتدى دبي للمستقبل في دورته الأولى بمتحف المستقبل في الإمارات.
يقول ساني وهو مؤلف عدة كتب حققت مبيعات قياسية “إن ما يجب أن ندركه هو أنه لكي يولد أي شيء جديد علينا أن نرى انهيار القديم (..) العالم بحاجة إلى الانهيار من أجل الوصول إلى نقطة جديدة، وعليك أن تكون قويا وأكثر مرونة من أجل التعامل مع هذا الانهيار”.
يشير الخبراء إلى العام 2005 على أنه بداية للعصر الرقمي، وهو العام الذي تمكن فيه الإنسان من تخزين معلومات رقمية تجاوز حجمها حجم المعلومات المخزنة بالصيغة التقليدية التماثلية.
ولكن الثورة الرقمية بدأت بالتشكل قبل هذا التاريخ، في وقت ما بين أوائل الخمسينات وأواخر السبعينات من القرن العشرين بتبني وتزايد أجهزة الكمبيوتر الرقمي وأجهزة التسجيل الرقمي، ومع هذه الثورة بدأ المستقبل الذي نعيشه الآن.
قد نختلف على تحديد البداية بدقة، ولكننا سنتفق على أن ابتكار التكنولوجيا الكامنة وراء الثورة الرقمية جاء في النصف الأول من القرن التاسع عشر.
ويعود الفضل في وضع أسس التحول الرقمي إلى كلود شانون عالم الرياضيات الأميركي وذلك في كتابه “نظرية رياضية للاتصالات” عام 1948.
وإذا كان العالم اليوم يطرح على نفسه أسئلة مثل ما هي الآثار التي ستتركها هذه الابتكارات التكنولوجية التي يجري الحديث عنها على مستقبل العمل والحياة، فإننا في العالم العربي لم نستوعب بعد أن هناك تغيرا يحدث من حولنا. ولم نساهم في هذه التكنولوجيا إلا بالاستهلاك، متمسكين بطرح أسئلة فلسفية وفكرية تحيلنا دائما إلى الماضي.
استخدام التكنولوجيا وحده ليس دليلا على انتمائنا إلى المستقبل، يجب أن نمتلك التكنولوجيا ونشارك في صنعها. والأهم من ذلك كما يقول ساني نحن بحاجة إلى انهيار القديم ليبنى محله ما هو جديد.
الحياة تحولت بفعل التكنولوجيا في بلادنا إلى مشهد سريالي تراكمت فيه المظاهر القديمة مع التكنولوجيا الحديثة، تحت مسمى الأصالة والمعاصرة.
مواليد العقود الثلاثة الأخيرة في معظم دول العالم لا يحملون أي ذكريات عن الطوابير الطويلة في البنوك لإجراء معاملة بسيطة، ونحن ما زلنا نقف في الطوابير لإجراء أي معاملات إدارية.
المتاجر الإلكترونية مثل أمازون توصل لك ما تريده إلى باب منزلك، وكل ما عليك عمله هو القيام بنقرة زر واحدة. بينما نتجمع نحن ضمن حشود كبيرة في الأسواق الشعبية.
في معظم دول العالم تمكنك الخدمات المصرفية عبر الإنترنت من إرسال الأموال أو تلقيها كما تشاء. بينما يحتاج من يريد إرسال مبلغ نقدي خارج حدود معظم الدول العربية إلى إجراءات روتينية معقدة وتخضع لقوانين صارمة.
المعضلة ليست في التكنولوجيا؛ على مدى عشرات السنين استخدمنا وسائل النقل الحديثة واستخدمنا الهاتف والتلفزيون وعشرات الأجهزة الإلكترونية، ولكن فشلنا في أن نكون جزءا من الحضارة التي أنتجت هذه التكنولوجيا.
حتى في حروبنا التي استخدمنا فيها أحدث أنواع السلاح، خضناها لخلافات بيننا تعود إلى مئات السنين.
ما زلنا إلى اليوم نخلط العلم بالسحر، والطب بالشعوذة، والعمل بالدعاء. نبحث عن حلول علمية لمشكلة الجفاف والتصحر ونرفع أيدينا إلى السماء لكي تمطر لنا مدرارا.
المستقبل لا يبدأ غدا أو بعد غد، لا حاجة لنا لانتظاره، لأن المستقبل رافقنا منذ أن كانت هناك حياة على الأرض.
مشكلتنا ليست في المستقبل، بل في إصرارنا على التطلع إلى الماضي، وفي رفضنا أن نبني في كل لحظة الجديد فوق ما ينهار.
مشكلتنا لم تبدأ مع الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي، إنها مشكلة رافقتنا منذ الأزل. وستبقى تلازمنا طالما ربطنا المعاصرة بالأصالة.
من يبدأ اليوم في التطلع إلى المستقبل، يكون قد بدأ متأخرا. المستقبل طالما كان أمامنا، وطالما تركناه خلفنا!
