المرزوقي يخسر من يستقوي بهم ومن يستقوي عليهم

المهاتما غاندي ونيلسون مانديلا لم يحرضا قوى أجنبية ضد من خالفوهما الرأي والتوجه داخل حركتي استقلال الهند وجنوب أفريقيا يا “سيادة الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي” كما يدعونك، أصولا، في نادي مدريد لرؤساء الدول والحكومات السابقين، والذي طرقت بابه من أجل الضغط على السلطات التونسية.
هذا أولا، وبعد تصريحك الذي تقول فيه في معرض دعوتك إلى مقاطعة الاستفتاء عن الدستور الذي دعا إليه الرئيس التونسي قيس سعيد “أنا تلميذ غاندي ومانديلا بكل وضوح، وأعرف أن أمام هذه الأنظمة المستبدة والغاشمة والظالمة والتي لا تقيم وزنا للشعب وللديمقراطية، ليس هناك خيار غير المقاومة الوطنية السلمية وأنا أدعو إلى ذلك”.
هل فاتك يا سيد منصف أن مجرد طرح الدستور المقترح على الاستفتاء، سلوك لا يحيد عن المبادئ الديمقراطية المعمول بها في كافة البلدان الضليعة في هذا المجال، بما فيها فرنسا التي تقيم فيها الآن، وتدعوها لعدم مساعدة الدولة التونسية في شتى المجالات اللوجستية وغير اللوجستية، بما في ذلك عدم إقامة القمة الفرنكوفونية في تونس، والتي تتباهى في نجاحك بمنع انعقادها في مارس الماضي.
أما الأمر الثاني فيتعلق بذهاب المرزوقي بعيدا نحو استعداء الدولة التونسية ومحاولة استصدار العقوبات ضدها في المحافل الدولية كما لو أنه قد “نذر حياته” وتفرغ بعد مرحلته الرئاسية المؤقتة، لمحاربة وإفساد كل ما يتخذه سعيد من إجراءات ضد رموز الفساد المالي والإداري من الذين كانوا في عهده، والذين جاءت بهم حكومات حركة النهضة من بعده.
يكاد يكون مفهوم النضال الحقوقي الذي ختم به المرزوقي حياته السياسية، يتمثل في أن يفسد على التونسيين استبشارهم بكل خطوة تتخذها الدولة ضد الفساد، ووقوفه المستبسل إلى جانب حركة النهضة حتى غدا “نهضويا أكثر من النهضويين”.
كل هذا الهوس بوقوفه ضد سعيد، مخطئا أو مصيبا، منحازا أو محايدا، يجعل الرجل في وضع نفسي محير يجدر الوقوف عنده من طرف المتخصصين في الطب النفسي ودراسته، على عكس ما يدعو إليه، هو نفسه، في معرض تشكيكه بقدرات الرئيس الحالي، وكذلك كان يفعل ضد الرئيس بن علي، حين كان يتأبط ملف حقوق الإنسان ويزايد به في المحافل الدولية.
المرزوقي يشكك في أي نجاح تحققه تونس، ويحاول تتفيهه وتقزيمه ظنا منه أنه قد يصب في صالح سعيد، وهو ما لا يرضاه أبدا
يشكك المرزوقي في أي نجاح تحققه تونس، ويحاول تتفيهه وتقزيمه ظنا منه أنه قد يصب في صالح سعيد، وهو ما لا يرضاه أبدا، فعن نجاح سعيّد في مساره رغم قلة خبرته السياسية، اعتبر المرزوقي أن “النظام الديمقراطي في العالم كله يعاني من أزمة حيث أن هناك غليانا وغضبا على كل الأحزاب، وفي هذه الأوقات يبرز الشعبويون”، داعيا إلى إجراء دراسة سوسيولوجية حول شخصية سعيّد للاستفادة من تجربته.
الآن، انكشف كل شيء، وتبين بما لا يقبل التشكيك، أن الرجل مهووس بمعارضة من تميل الجماهير معه، ويتخذ من التأليب الداخلي والخارجي أسلوبا لتحقيق نجومية دونكيشوتية. ويتضح ذلك واضحا من خلال استفتاءات الرأي، وخلو تجمعاته في فرنسا إلا من بعض أنصار حركة النهضة.
الجهات الحقوقية الدولية التي أولته بعض الثقة واستمعت إليه في عهد النظام السابق، سحبت اليوم ثقتها منه تدريجيا، بعد أن رأته يضع يده مع أيادي بعض الشخصيات القريبة من التطرف الديني في العالمين العربي والإسلامي.
أما الأوساط السياسية الأوروبية، فإن الأمور بالنسبة إليها أعقد من أن تستمع إلى شخص يعزف نشازا على وتر حريات التعبير التي طالما انخدعت لها، وذاقت من ورائها الويلات ثم أن النموذج المصري الحالي أثبت لها صواب ما ذهب إليه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي يقول الكثيرون إن سعيد يمشي على خطاه، مع الحفاظ على الخصوصية التونسية.
خلاصة القول أن المرزوقي ينفخ في قربة مثقوبة، لكن ما يحز في النفس هو محاولته استعداء الآخرين ضد بلاده، رغم يقيننا أنه لن ينجح في ذلك، وأسفنا أنه طمس وسفح كل رصيد يحسب له منذ حكم بن علي.
ويستمر وهم هذا الرجل وانخداعه لتك الصورة النضالية الواهمة، فلا الغرب مازال مثل ما كان عليه قبل عقدين من الزمن، ولا الأنظمة العربية، ولا حتى الشعوب حتى يتجاسر بالقول عن الحكم الصادر ضده في تونس بالسجن 4 سنوات بتهمة الخيانة العظمى، إنه لا يعترف بهذا الحكم وأنه سيعود إلى تونس متى يقرر هو ذلك، وأن “القاضية التي حكمت ضده ستُعزل وستُحاسب، مثلها مثل سعيّد”.
لطالما كان الاستقواء بالأجنبي في تاريخ الحروب والمعارك ضربا من الخيانة الموصوفة، وأدانته حتى الجهات التي تمت الاستعانة بها كما حدث مع قادة وملوك وأباطرة في الزمن القديم والحديث، فما بالك داخل ديمقراطية ناشئة، جاءت بعد انتفاضة شعبية أطاحت بنظام حكم تضرر منه جميع الفرقاء والخصوم السياسيين الحاليين.