المرحلة الرمادية

السبت 2016/09/03

ترى المرأة في نومها كوابيس أكثر عدداً مقارنة بالرجل، هذا ما خرجت به دراسة حديثة أشارت نتائجها إلى أن أغلب كوابيس الرجل تتعلق بمحاولة خيانته من قبل حبيبته أو شريكته، بينما تتعرض المرأة إلى مشاهد مزعجة مثل رؤية العناكب أو ظلّ ما من دون ملامح يطاردها في المنام. أما أحلام الرجل العادية فتتمحور حول تجربة الطيران أو اللقاء بامرأة غريبة وجميلة أو العثور على مال في أحسن تقدير.

الدراسة التي شارك فيها 2000 متطوع ومتطوعة، وجدت أن الكابوس المشترك بين الرجال والنساء هو شعور مزعج بالسقوط من مكان مرتفع والركض دون توقف خوفاً من شيء أو شخص يطاردهم، مع فارق واضح بين الطرفين في هذه النوعية من الكوابيس التي تتفوق فيها المرأة. ومثلما هو في الواقع، يميل الرجال إلى الأحلام التي تعكس اهتمامهم بالمغامرات والأحداث المثيرة والمبهجة.

قضى علماء النفس عقوداً طويلة من الزمن في محاولات باء معظمها بالفشل، للتعرف إلى أسباب وجذور هذه الاختلافات الواضحة بين كوابيس المرأة والرجل، لكنهم اتفقوا على أن الكوابيس في العموم تأتي بسبب تسلط عامل القلق على الحياة النفسية للبشر عموماً، ولذلك فسروا تفوق المرأة في تعرضها للكوابيس مقارنة مع الرجل بتعرضها للقلق المفرط في ساعات اليقظة، بسبب طبيعة تكوينها العاطفي والضغوط النفسية التي تتعرض لها في محيطها الاجتماعي والمسؤوليات الملقاة على عاتقها، وأكثر من ذلك، قرر البعض من علماء النفس أن الرجل ربما يحصل على الكمية ذاتها من الأحلام والكوابيس، إلا أن المرأة أكثر عرضة لتذكرها لحظة الاستيقاظ بسبب تسلط مخاوفها على واقع حياتها في الصحو والنوم على حد سواء، بشكل يجعلها تبدو وكأنها خط سير واحد لا ينقطع أو يتوقف في المرحلة الرمادية التي تفصل بين النوم واليقظة، هذه المرحلة التي يُعتقد أنها المرتع الملائم لحدوث أكثر الكوابيس قسوة.

لكن الأمر المؤكد والذي شهدته النساء المشاركات في الدراسة، هو أن الكوابيس التي يتعرضن لها كانت أكثر كثافة وشحنة عاطفية، ومليئة بالصور والأحداث وأكثر إزعاجاً أيضاً.

عموما، تدور الأحلام والكوابيس في إطار متعلق بالأحداث التي مرت علينا في اليوم أو النهار السابق على الحلم. ومن المرجح أن السبب في ذلك يعود إلى أن رغبات المرأة أو الرجل هي التي تلح عليهما في الأحلام، ليحققا في الحلم ما لم يستطيعا تحقيقه في الواقع. كما تطرق الأحلام في البعض من الأحيان زوايا غير منظورة لمشاكلنا ومعاناتنا في الحياة الواقعية، لهذا فإن البعض من الأحلام تحمل في طياتها نوعا من التنبيه أو التحذير غير المباشر وكأنها تريد أن تخبرنا بشيء قد يقع في المستقبل القريب أو البعيد وتحذرنا من تبعاته، وهي تعاكس بذلك أحلام “الرغبات” التي تنطوي على تحقيق الحلم لرغبة يتمناها المرء في الواقع، حتى تلك التي تدور في إطار لاوعيه.

لكن، في نهاية الأمر، يبدو أن للأحلام والكوابيس منطقها الخاص بها، فهي ليست مجرد اختزال أو انعكاس لتجربة اليقظة؛ إذ ينتج محتوى أغلب الأحلام من خلال نوع فريد من الإدراك اللاحسي، وإذا لم نكن جادين في معرفة ماهية هذه الأحلام سنبتعد كثيراً عن فك رموزها ومن ثم الابتعاد عن استنباط لمحات المستقبل القريب والبعيد من بين ثناياها.

كاتبة عراقية مقيمة في لندن

21