"المرأة ذات الوزن المرح" قصائد محملة بالرغبة والسؤال

القاهرة – أقام جاليري المشربية بالقاهرة مؤخرا ندوة لمناقشة ديوان “المرأة ذات الوزن المرح- قصائد إيروتيكية” للشاعرة والمترجمة المصرية رانية خلاف، حيث ناقش الكتاب الناقد محمد الشحات أستاذ الأدب العربي الحديث، والشاعر مؤمن سمير، وذلك بحضور الشاعرة.
وكان قد صدر للشاعرة ديوان ”خرائط اللذة”، ورواية ”حكايات الحمار المخطط”، كما صدر لها أيضا بالتزامن مع الديوان ترجمتها لكتاب ” الأدب والشر” لجورج باتاي.
وفي كلمته عن الديوان، الصادر عن دار أزمنة بعمّان، كشف الشحات عدة أمور، توقف عندها متسائلا في البداية ”لماذا الكتابة الإيروتيكية؟ حيث تقدم الشاعرة تصورا للعالم من زاوية شديدة الوضوح، والوضوح هنا لا يعني الابتذال، ولكنه يعني القصيدة. الجسد هنا ليس محملا بحمولته الشهوانية فقط وإنما بالرغبة في المعرفة، وذلك بوضع الجسد في مركز البؤرة”.
وأثار الشحات تساؤلا “هل هذه كتابة نسوية؟” متابعا “في الحقيقة أرى أن هناك حس سخرية قوي من الذات والجسد. حينما نتأمل لوحة المرأة ذات الوزن المرح، نجدها امرأة جسدها فوضوي غير متسق، جسد متعرج. ولكن هناك ثمة جمال في القبح أيضا”.
ووضح الناقد العلاقة بين الإيروتيكية والنوع الأدبي، معتبرا أن قصيدة النثر، وهي صنف أدبي متمرد على التصنيف، وترفض أن تكون امتدادا لتطور حركة الشعر، هي أكثر الأشكال قدرة على تحمل مثل تلك الكتابة الإيروتيكية، لأن قصيدة النثر هي بنت الكتابة الحديثة التي تنتمي للفن التشكيلي وعصر الصورة.
ولفت الشحات إلى أن الإيروتيكية لدى رانية خلاف هي سقف فلسفي لمحاولة تمرير أفكار عن العالم، عن الذات والوجود والدين والجنس والواقع الفوضوي، ففي القصائد هناك أيضا اهتمام بالعين التي ترى جماليات الجسد بشكل مختلف. كما هناك تقاطعات بين قصائد وأخرى، كما الحال في قصيدتي “أنوثة” و“مذكر”. والقصائد تتفاوت في الطول، وهذا شكل من أشكال التنوع. كذلك يلاحظ القارئ أن الصفات في الديوان تحتفل بالموجودات، حيث يتداخل فيها الحيواني والإنساني والنبات أيضا.
وأشار الناقد إلى أن هناك قصائد مفصلية في الكتاب مثل “البرتقالي” و”المرأة ذات الوزن المرح” التي تفاعلت فيهما الشاعرة مع لوحتي الفنان التشكيلي حسام صقر، وقصيدة “بين جناحي النعامة” التي جاءت أيضا تفاعلا مع عمل من السيراميك للخزاف خالد سراج. هناك أيضا قصائد أخرى مفصلية مثل قصيدتي “مشروع” التي كتبت في الغردقة و”غريزة الفوضى” التي كتبت ما بين النوبة والقاهرة، هناك في هاتين القصيدتين وعي بالجسد واشتباك مع كائنات الطبيعة، كما نجد قصائد معنونة بدلالات زمنية: تاريخ، الوقت، ليلة رأس العام، الخريف، وغيرها، صانعة بذلك نوعا من الترابط العضوي بين قصائد الديوان التي كتبت على مدى خمس سنوات.
وفي كلمته عن الديوان تحدث الشاعر مؤمن سمير قائلا “يبدأ الديوان بعتبة الغلاف الذي يقدم معادلاً بصرياً دالاً للعنوان، حيث نتلمس روح أنثى تنبت لها أجنحة فيخف ثقل جسدها الفعلي، وترتدي وزناً آخر رمزياً هو خفة الفن وحريته في التحليق عبر التخييل وعبر الأفكار، أو في محاولته لاختراق كثافة الجسد وثقله وكسر مركزيته الرمزية وإعادة صياغته جمالياً من جديد”.
وأضاف “بعد العنوان الكبير نلتقي بعنوان أصغر يصرح بأن هذا الديوان عبارة عن قصائد إيروتيكية بالتحديد، وبهذا تتكامل الدلالة بين اللافتتين وينكشف الهم والمقصود والمعنى المراد إيصاله وهو أن الفن هو الذي ستتحقق الذات عبره، ومن ثَمَّ تظهر خفتها وسعادتها، هو الشعر ولا شيء آخر، الشعر الحسي القريب الذي يزيح من طريقه كل غلالات الخوف وتعاليم المجتمع والواقع المحافظ بنيةً وبنياناً، وذلك كما يشير الشاعر المكسيكي أوكتافيو باث في ‘اللهب المزدوج‘ إلى أن ‘الشعري يضفي الإيروتيكية على اللغة والعالم معًا لأنه هو نفسه ضرب من الإيروسية في طريقة اشتغاله‘”.
ثم تنقل الشاعر للحديث عن عتبة الإهداء، الذي يحدد أن الكتابة في هذا الديوان ما هي إلا محاولة استعادية للحظات السعادة التي هي لحظات الحب بمعنى الاتحاد والاندماج ولمس الداخل والتعاطي معه.
وتابع سمير “بعد ذلك تحمل القصيدة الأولى ما يمكن اعتباره إعلان الشعرية الأوضح أو ما يعد تمثيلا رمزيا لقيامها بأخذ يد القارئ نحو سكة الكتابة وتهيئة لوعيه، تمكنه من التعاطي مع ألعابها التي ستظهر على هيئة قصائد، إنها تقدم أنثى تعيد اكتشاف ذاتها عن طريق الفن وتدرك وتلمس بالقصيدة العالم من منظور أنثى تتوق للحب”.
وبدورها تحدثت الشاعرة رانية خلاف عن تجربتها في كتابة الديوان وعن تفاعلها مع لوحة المرأة ذات الوزن المرح، للفنان حسام صقر قائلة “صديقي الفنان التشكيلي حسام صقر الذي أحببت وتواصلت مع وجوهه في معرضه ‘وجه لكل مواطن‘، الذي أقيم في جاليري مصر سنة 2017، أرسل إلي من بلاد بعيدة تدعى مايوت حالة ما بين اسكتش واللوحة”.
وتابعت “لم يستغرق الأمر سوى دقائق حتى وقعت في شرك المرأة البدينة وشاركتها تناقضاتها وتساءلت معها ما الصندوق وأين هي من الإطار ولم قطع الفنان ذراعيها وأخفى قدميها وتركها هكذا برأس مبتسر؟ وماذا عن الوزن الثقيل المتناقض مع خفة الكتلة ورهافة الخط! ما استفزني هنا هو التناقض، الغموض، الدهشة وسلاسة الرسم والتخفي والحسية المستفزة. أردت أن أفك غموض المشهد، وأن أبدى بعض التعاطف مع المرأة وأن أمنح لوزنها الثقيل بعض الروح والمرح”.