المرأة باتت جوهر الرواية لكنها ضحية الرقابة

الكاتبة السعودية نبيلة محجوب: المرأة تكتب وأعين كثيرة حولها تراقبها في البيت والشارع وكل مكان.
الخميس 2018/10/25
المشهد الثقافي السعودي مفعم بالمواهب الشابة

باتت الروائية السعودية مع التغيرات الأخيرة عنصرا جديدا في المجتمع الثقافي، بعدما أضحت أعمال الكثير من السيدات السعوديات ارتكازا يحظى بالتقدير الدولي ويساهم في تسليط الضوء على المرأة في مجتمعها وما تواجهه من أزمات. وتعتبر الأديبة السعودية نبيلة محجوب في حوار أجرته معها “العرب” بمنزلها في القاهرة، الأدب النسوي جوهر الرواية السعودية في السنوات الأخيرة، على مستوى المحتوى وظهور العديد من الروائيات الجديدات.

القاهرة - تواجه المرأة السعودية تحديات كبيرة في ظل تغير الكثير من عالمها المحيط واتساع سقف حريتها بشكل غير مسبوق. وبات للمرأة شكل جديد في كافة المجالات يعزز مكانتها ويطرح طفرة إنتاجها ويلمس الكثير من قضاياها من أجل المزيد من التحرر. وشكل الأدب الروائي أحد تلك المجالات الذي قدم بوابة جديدة للمرأة السعودية للتعبير عن نفسها وعن مشكلاتها وأطروحتها ومفاهيمها في المجتمع.

مثلت نبيلة حسني محجوب الكاتبة والأديبة السعودية، والتي صدرت لها أعمال عديدة، أبرزها رواية “هروب الزعيم”، و”بين مطارين”، و”محور الشر”، نموذجا للمرأة السعودية التي كافحت لتنال مكانتها بين المبدعين وتمهد الطريق لقريناتها من الأديبات، أمثال سمر المقرن وصبا الخرز في استكمال مسيرة التعبير النسوي عن الذات.

أدب المرأة 

ترى محجوب في حوارها مع “العرب” أن المشهد الثقافي السعودي حاليا متدفق ومفعم بالمواهب الشابة، خاصة السيدات اللاتي أضحت أعمالهن تملأ معارض الكتاب في جدة والرياض، وأتاحت للجميع متعة التسوق واقتناء الكتب، ورغم حداثة التجربة، إلا أنها أثبتت أن الشعب السعودي يقرأ بنهم منقطع النظير.

وتوضح محجوب أن المرأة باتت جوهر الرواية السعودية مؤخرا، سواء كان ذلك من خلال دخول الكثير من الأديبات المشهد الأدبي أو عن طريق تناول الكثير من الروايات قضايا المرأة المسكوت عنها. مشيرة إلى أن العامين الماضيين شهدا صدور أكبر عدد من الروايات السعودية، وظهرت أسماء جديدة لروائيات من كل الفئات العمرية عكست كتاباتهن وضع المرأة.

ولم يشكل دخول المرأة السعودية عالم الأدب حراكا ثقافيا داخل المملكة وحدها، لكنه أضفى إبداعا من نوع خاص ملأ المجتمعات الثقافية العربية وانعكس في المحافل الثقافية الأدبية.

دخول المرأة السعودية عالم الأدب لم يشكل حراكا ثقافيا داخل السعودية وحدها، لكنه ملأ المجتمعات الثقافية العربية

وحظيت الرواية السعودية باهتمام كبير السنوات الأخيرة؛ وبدا ذلك من خلال ترجمة أعمال نبيلة محجوب وغيرها من السعوديات إلى لغات أخرى، مثل رجاء الصانع في روايتها “بنات الرياض” وسمر المقرن في روايتها “نساء المنكر” وصبا الخرز في روايتها “الآخرون” وغيرها.

وطرح تنامي دور المرأة الأدبي في السعودية تساؤلات حول منظور فرض رقابة على تلك الأعمال، وطالب البعض بتقويض العمل الأدبي للمرأة والتأكد من أنه يحافظ على عادات وتقاليد المجتمع السعودي.

وتقول محجوب لـ”العرب” إن “فرض رقابة على أعمال المرأة يعد من أنماط التفكير الرجعي، ويخالف الرؤية السياسية في السعودية التي تشجع السيدات على الإبداع”، مؤكدة أن “الرقيب الداخلي أشد قسوة من الرقيب الخارجي، لم يقل لي أحد ماذا أكتب وكيف، لكني أراعي المحافظة من جميع جوانبها وأحاول ألا أجتازها”.

وتضيف “أكتب وأعين كثيرة حولي ترقب خطواتي، إخواني وابني وبناتي، والعائلة الكبيرة.. أعمل حسابا لكل هؤلاء، فأكتب وأمحو، حتى يطمئن قلبي بأن ما أكتبه لن يجرح أخي بكلمة أو ابني بنظرة.. أتصور هذه أزمة المرأة العربية فهناك فكرة سائدة حتى بين النقاد والأدباء والمثقفين بأن المرأة عندما تكتب فهي تحكي عن الأحداث التي مرت بها، فمثلا إن كتبت عن امرأة تخون زوجها فهي التي تخون، وإن أظهرت معاناة بطلتها بأنها اغتصبت في طفولتها فهي إذن التي حدث معها ذلك. بينما عندما يكتب الرجل ينظر إليه على أنه إبداع، والمرأة السعودية حتى لو كتبت الرواية تظل ابنة مجتمع له تقاليده وأعرافه ونظرته للمرأة بأنها جزء الفضيلة ذاتها ويجب تقويضها بشدة”.

وتختار نبيلة محجوب أن تصب أغلب كتاباتها نحو المرأة وعوالمها، وهو ما تراه ضرورة لا سيما أن المرأة السعودية حينما تكتب فإنها تكتب بخجل، وتستحي من التعبير عن نفسها وعن مشاعرها، لذلك تحتاج السيدات أن يكون لهن صوت دائم يعبر عنهن بكل قوة وصدق.

ويقول الكاتب الأميركي الشهير روبرت أنسون هيينلين إن “الرواية هي أفضل وصف للمرأة”، بسبب امتلاك الرواية القدرات التعبيرية والتكوينات اللغوية القادرة على مس السيدات بشكل يعبر عنهن ويعكس تجاربهن بصورة لا تمتلكها بقية فنون الأدب.

وتتفق الروائية السعودية مع كلمات هيينلين، لأن الرواية تعالج قضايا المرأة بشكل بديع، فأتاحت الروايات العربية عن المرأة توصيف حق النساء في التعليم والتربية الاجتماعية السليمة واتخاذ القرار بما يخدم تكوينها كزوجة، فالرواية تمرد على الواقع المعيش، وهي تقدم المرأة العربية بقيمها وتفانيها في خدمة أسرتها وكبت مشاعرها والاستمرار في حياة ترهقها من أجل أسرتها.

الرواية السعودية حظيت باهتمام كبير السنوات الأخيرة
الرواية السعودية حظيت باهتمام كبير السنوات الأخيرة

وبالتطرق إلي ما تعانيه الكاتبة العربية والسعودية خصوصا من قيود وخطوط حمراء تمنعها من ممارسة حريتها في الكتابة والبوح بجرأة، تؤكد محجوب لـ”العرب” أن القيود الحقيقية على المرأة لا تضعها الجهات الرقابية، لكن المرأة هي التي تضع قيودها، لأن الأمومة قيد، والبنوة قيد، “أنا أحمل اسم والدي وأشترك مع إخوتي وأخواتي فيه لماذا أتسبب لهم في الأذى، ربما أنا امرأة تقليدية لكنها وجهة نظر، ربما تشترك معي فيها كثيرات، لكن في الواقع أنا امرأة سعودية من بيئة محافظة، ولكن لم يمنعني أحد من الكتابة“.

الكتابة تمرد

تدافع محجوب عن الأدب في بلادها قائلة “لو كان الأدب السعودي منغلقا على نفسه لما حصد الجوائز في كل محفل، ولم ينتشر بهذا الشكل ويصبح مطلوبا ومقروءا، ثلاثة روائيين سعوديين حصلوا على جائزة بوكر العربية، عبده خال ورجاء عالم (مناصفة) ومحمد علوان”.

وتلفت هنا إلى أن أهم التحولات التي طالت الرواية السعودية كان على مستوى جماليات اللغة السردية، والتكثيف اللغوي واللغة الحسية، وجاء ذلك بفضل نبوغ تجارب روائية سعودية مهمة، أبرزها من الروائيين، تركي الحمد وعبدالرحمن منيف ورجاء عالم وعبده خال ومحمد علوان وبدرية البشر وأميمه الخميس وأمل شطا.

وتعد الكتابة عند محجوب محاولة للتمرد، لكنها لن تكون كذلك، إلا إذا ساهمت المناخات الحرة في هذا الفعل الممتع. فالكتابة لا تفقد رونقها، إلا عندما تضيق مساحة الحرية.

وتقول لـ”العرب” إن “المشهد الثقافي السعودي يواجه أزمة في النقد الأدبي، والذي يركز فقط في إعادة نقد النصوص القديمة دون الاهتمام بالعشرات من الأعمال الجديدة لمبدعين ومبدعات من كل الفئات العمرية، وتساءلت أين الندوات التي ناقشت إنتاجهم وساهمت في تقديمهم إلى القارئ؟”.

وتؤكد محجوب، باعتبارها عضوا مؤسسا لصالون المها الأدبي، أن واقع الأندية الأدبية في السعودية لا يلبي احتياجات الأدباء ولا يستجيب لتطلعاتهم، لأنها تحولت إلى هياكل صامته لا تبث فيها الحياة إلا خلال إقامة الفعاليات المنبرية التي يقيمها النادي لإثبات الوجود وغالبا هذه الفعاليات لا يحضرها أحد.

وتعتقد أن السعودية لديها إشكالية تتمثل في سطوة بعض رؤساء مجلس الإدارة وتحويل النادي الأدبي إلى مكان ينتفع به ماليا وأدبيا ويحتكر السلطة والدعوات للفعاليات المختلفة التي تتحمل تكلفتها الوزارة.

15