المرأة المغاربية تنتظر الحماية من العنف الذكوري

تسجل جمعيات حقوقية ومنظمات مهتمة بشؤون المرأة في دول المغرب العربي تفاقما لظاهرة العنف ضد المرأة في السنوات الأخيرة، ولم يعد الأمر يقتصر على الضرب أو العنف اللفظي والمعنوي، بل تعداه إلى القتل، أين تم تسجيل عشرات الحالات في كل من المغرب والجزائر وتونس، لكن رغم ذلك لا زالت الحكومات تعالج المسألة في سياق القانون العام، وتكتفي بترديد شعارات رنانة حول وضعية المرأة في إطار تسويق صورة إيجابية أمام المجتمع الدولي.
لا تخلو صفحات الحوادث والشؤون الاجتماعية في الإعلام المغاربي يوميا من أحداث عنف ضد المرأة في مختلف دول المنطقة، يصل بعضها إلى حد ارتكاب عمليات قتل مروعة تروح ضحيتها نسوة وجدن أنفسهن في لحظات غضب من الزوج أو الشقيق أو الأب تحت رحمة سكين أو آلة حادة، ليتركن خلفهن سرديات وحشية تنطوي على مفهوم تمت قولبته على مر العصور وشحنه بأفكار وأعراف لا زالت تعتبر المرأة كائنا آخر قابلا للتضحية به من أجل إشفاء غليل الرجل الوصي على قيم المجتمع.
ورغم الخطاب السياسي الذي يجري تسويقه أمام المجتمع الدولي، لإظهار الحكومات المحلية والنصوص الناظمة في ثوب المؤسسات المحترمة للقيم الإنسانية لاسيما نبذ العنف بمختلف تجلياته، وسن القوانين الحامية للفئات الهشة على غرار الطفولة والمرأة، إلا أن الوقائع التي تتناقلها وسائل الإعلام بشكل شبه يومي حول أعمال العنف وحتى القتل ضد المرأة، تثبت أن الأخيرة لا زالت بعيدة عن الاطمئنان على نفسها من جبروت الذكور.
◄ بدل المسارعة لتطويق العنف المستشري ضد المرأة، تعمد الحكومات وأذرعها في المجتمع المدني إلى حملات التوعية والتحسيس في المناسبات والتي لا يتعدى مفعولها جدران الفضاءات التي تنظم فيها
قواسم مشتركة كثيرة تجتمع فيها الأبعاد الاجتماعية لشعوب المنطقة ولذلك تأتي أوضاع المرأة سواء كانت في المغرب أو الجزائر أو تونس متشابهة رغم الفوارق الخاصة لحكومات المنطقة، فالمكاسب المتراكمة للمرأة التونسية ليست هي في الجزائر أو المغرب، أين تبقى المنظومة الذكورية هي التي تدير شؤون المجتمع، بما في ذلك قولبة القيم والمفاهيم.
وفي هذه المجتمعات تحديدا تسأل المرأة إذا مارست علاقة حميمة خارج الزواج، بينما لا يسأل الرجل عن ذلك، رغم زعم تلك المجتمعات بتبني الدين الإسلامي الذي يساوي بين العنصرين في تلك الحالات، ويمكن أن تموت المرأة غسلا للعار وحماية للشرف، بينما يعيش الرجل إذا قام بذلك معززا مكرما، لأن الأعراف المتوارثة جعلته كائنا سياديا بينما المرأة كائن من الصنف الثاني.
وتكفي قراءة سريعة لتفاصيل حوادث القتل في أيّ من بلدان المنطقة، لتحيل صاحبها إلى أن للدين والأخلاق والحياة الزوجية والأسرية مفهوما خاصا لدى شعوب المنطقة، حيث يتم تأويلها وبلورتها وفق ما تمليه الخلفية الذكورية للمجتمع، أين يعتبر الرجل هو الوصي على الشرف وعلى الأخلاق وعلى المكانة القيادية داخل الأسرة الصغيرة أو الكبيرة.
لكن تفاقم أحداث العنف والقتل تحديدا في الآونة الأخيرة، أثار اهتمام منظمات حقوقية وإنسانية محلية ودولية حول ما تتعرض له المرأة في المجتمعات المغاربية، وهو ما يمثل جرس إنذار للحكومات المحلية من أجل إيلاء حماية تشريعية واجتماعية للمرأة من جنون الذكورة المتصلبة.
وجاءت تقارير مجموعة “فيمينيسيد”، التي تحدثت عام 2019، عن مقتل امرأة كل أسبوع بالجزائر، و”أوقفوا قتل النساء في المغرب”، وتحدثت عن تسجيل مقتل 50 امرأة عام 2023، و”أصوات نساء” و”منارة” التونسيتين اللتين تحدثا عن تسجيل 25 جريمة قتل ضد النساء خلال السنوات الخمس الأخيرة، لتؤكد تشابه وضع المرأة في دول المنطقة، وتفاقم العنف ضدها إلى درجة التصفية الجسدية.
لكن رغم ذلك لا زالت قضايا العنف الشديد أو القتل ضد المرأة تعالج قضائيا في إطار القانون العام، ويجري إخضاعها للنصوص التي تفصل في مثل هذه الحوادث، ففي التشريع الجزائري على سبيل المثال لا زالت المسألة تعالج في إطار القتل العادي، بينما تتراوح عقوبة العنف ضد المرأة بين العام والثلاثة أعوام سجنا نافذا وغرامات مالية، الأمر الذي يكرّس عدم سن تشريع خاص لهذه الظاهرة المتفاقمة.
◄ صفحات الحوادث والشؤون الاجتماعية في الإعلام المغاربي لا تخلو يوميا من أحداث عنف ضد المرأة في مختلف دول المنطقة، يصل بعضها إلى حد ارتكاب عمليات قتل مروعة تروح ضحيتها نسوة
وفي ما يبدي ناشطون في المجتمع المدني ومدونون على شبكات التواصل الاجتماعي تعاطفهم مع الضحايا، إلا أن الوصاية الذكورية تتجلى أحيانا في نوعية ردود الفعل والتعاليق التي تجرّم المرأة بشكل آلي وتنحاز لصالح تصرفات الذكور، بدعوى حماية الشرف والأخلاق والقيم الدينية والاجتماعية، وكثيرا ما يتم تحميل المسؤولية للضحية نفسها.
وخلال الحادثة التي راحت ضحيتها شابة في مقتبل العمر بمحافظة قسنطينة في الشرق الجزائري، على يد زوجها بعدما ضبطها بتصوير نفسها في المطبخ لنشرها في حسابها الخاص على إحدى شبكات التواصل الاجتماعي، تباينت ردود الفعل والمواقف بين مندد بالجريمة وبين منحاز للزوج، خاصة الفئة المتشددة تجاه ما تصفه بالانحلال الأخلاقي على شبكات التواصل الاجتماعي.
وفي العموم لا زال وضع المرأة في المنطقة، رهن الخطاب السياسي الرسمي، الذي يعمل على إظهارها في مؤسسات الدولة ومفاصلها كالقضاء والبرلمانات والحكومات والأمن والجيش، لإقناع المجتمع الدولي بالمكاسب التي تحققت في هذا المجال، غير أن التحدي الأكبر يبقى جامدا في مكانه، لأن تفكير المجتمع خاصة في البوادي والمناطق الداخلية لا زال يصنفها في خانة الكائنات الناقصة.
وبدل المسارعة لتطويق العنف المستشري ضدها، تعمد الحكومات وأذرعها في المجتمع المدني إلى حد الآن، إلى حملات التوعية والتحسيس في المناسبات والتي لا يتعدى مفعولها في الغالب جدران الفضاءات التي تنظم فيها، في ما تبقى الفواعل الأخرى، كالمختصين والإعلام والمسجد، غائبة عن الساحة، الأمر الذي وسع دائرة الفراغ الذي شغله التشدد الاجتماعي والديني والعرفي، وجعل الحكومات تخشى أحيانا منه، وتفضل عدم مواجهته حتى ولو كان الضحية هو المرأة البنت والزوجة والأم والجدة.