المرأة أمام معركة تغيير العقليات لكسب الثقة في إدارتها للشركات

بينما تعمل الحكومات في الشرق الأوسط على تضييق الهوة بين الجنسين في الحياة العامة، بالتشجيع على تعيين المرأة في مناصب قيادية، فإن هذه الجهود تواجه الكثير من التحديات التي تحول دون تغيير واقع المرأة في المنطقة بسبب الثقافة المتجذرة التي لا ترحب بانتقال المرأة من مظهرها التقليدي الذي يتمتع بخصوصية كبيرة ليصبح أكثر تحررا وحداثة.
لندن - لم يكن انضمام المزيد من النساء إلى مجالس إدارة الشركات في الدول العربية أمرا سهلا.
وتشير غالبية الدراسات والإحصاءات في الدول العربية إلى مشاركة هامشية بالنسبة إلى المرأة في إدارة الشركات، بالرغم من إعلان عدد من الدول العربية أنها تشجع على منح المرأة دورا في إدارة الشركات والمؤسسات الكبرى سواء في مجلس الإدارة أو كمشاركة في صناعة القرار.
ولا تخفي النساء اللواتي مهدت لهن القوانين الجديدة في دول مثل السعودية والإمارات والكويت وسلطنة عمان والمغرب، صعوبة المهمة في دخولها حيز التطبيق.
ومنذ إعلان الإمارات في الخامس عشر من مارس الماضي ضرورة وجود سيدة واحدة، على الأقل، بين أعضاء مجلس الإدارة في أي شركة مدرجة بالبورصة الإماراتية، حصلت أربع نساء فقط على عضوية هذه المجالس من بين 23 عضوا جديدا تم تعيينهم في مجالس إدارات شركات مدرجة في البورصتين الرئيسيتين بالإمارات، بحسب بيانات جمعتها وكالة بلومبرج للأنباء.
ويعد هذا التطور طفيفا للغاية في دولة يسيطر فيها الرجال على حوالي 96 في المئة من المناصب القيادية.
التقدم الضعيف للمرأة

عامر بن محمد الحسيني: غالبية الدراسات لا تربط أرباح الشركات بإدارة النساء للشركات
تقول فاطمة حسين وهي المرأة الوحيدة العضو في مجلس إدارة شركة الشحن والخدمات اللوجيستية ”أرامكس بي.جيه.إس.سي”، ومقرها دبي، إن هذا التقدم الضعيف نحو تمكين المرأة على مستوى الشركات في الإمارات يعكس المفاهيم الثقافية المسيطرة التي تحرم المرأة من القيام بمثل هذه الأدوار.
وفي تصريحات لوكالة بلومبرج، قالت حسين التي انضمت إلى مجلس إدارة “أرامكس” بعد الإعلان عن المنصب في إحدى الصحف المحلية “أجريت مقابلات مع عدد كبير من الأشخاص، وأحيانا يكون على الفتاة المرشحة للوظيفة طلب إذن من والديها لكي تقبل بوظيفة معروضة عليها لأنها ستتعامل مع كثير من الرجال”.
ويمثل السياق الاجتماعي معركة شاقة لتحقيق المساواة بين الجنسين في مجال العمل بالإمارات، رغم أن المرأة الإماراتية تمثل حوالي 70 في المئة من خريجي الجامعات في الدولة ككل.
وبحسب بيانات مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين، في حين تمثل النساء حوالي ثلثي عدد العاملين في القطاع العام، فإنهن يمثلن 30 في المئة فقط من شاغلي المناصب القيادية.
ووقّعت وزارة الموارد البشرية السعودية نهاية العام الماضي مذكرة تفاهم مشتركة مع هيئة السوق المالية السعودية، بهدف دعم وتمكين تواجد المرأة في مجالس إدارات الشركات المدرجة.
وأوضحت الوزارة، في بيان، أن أهداف مذكرة التفاهم تشمل تطوير دليل إرشادي للمرأة في مجالس إدارات الشركات، والتوعية بأهمية التنوع في مجالس الإدارات الذي يدعم عملية اتخاذ القرار في تلك المجالس.
لكن نتائج هذه المذكرة لم تطبق على أرض الواقع بشكل واضح ومؤثر.
ويرى الباحث السعودي عامر بن محمد الحسيني أن التساؤلات مازالت قائمة عن دور المرأة في نجاح الشركات عندما تكون عضوية مجالس إداراتها تحوي العنصر النسائي. فالعديد من الدراسات حاولت الربط بين الجنس وفاعلية مجلس الإدارة، وتحقيق الأرباح، لكن الأغلب لم يجد تأثيرا مباشرا في ربحية الشركة.
إلا أن حسين، والتي تعمل أيضا رئيسا لإدارة رأس المال البشري في شركة “تيكوم جروب”، إحدى شركات مجموعة دبي القابضة، ترى أن النساء، وبخاصة من ذوات الخلفية المحافظة، يحجمن عن شغل المناصب التي تفرض عليهن البقاء خارج المنزل حتى وقت متأخر، أو التفاعل والتواصل مع زملائهن الرجال.
وأصدر بنك الاستثمار الأميركي “جيه.بي مورجان تشيس” تقريرا العام الماضي ذكر فيه أنه لا توجد “بيانات واضحة” بشأن عمل المرأة في الإمارات، لكنه أوضح أن مساهمة النساء في قوة العمل بالإمارات ضعيفة حتى لدى مقارنتها مع الدول المجاورة مثل السعودية والكويت وقطر.
وفي نفس الوقت، قررت الإمارات اتخاذ خطوة غير مسبوقة بالنسبة إلى دول الشرق الأوسط ومنطقة الخليج الغنية بالنفط بشكل خاص، عندما قررت فرض عقوبات على الشركات التي لا تلتزم بتنفيذ قرار تعيين سيدة واحدة، على الأقل، في مجلس إدارتها.
وبحسب البنك الدولي، فإن نسبة مشاركة المرأة في قوة العمل بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي الأقل على مستوى العالم.
وتسعى الإمارات إلى إظهار جديتها في تعزيز دور المرأة في المناصب العليا، حيث تهدد الشركات التي لا تلتزم بالقواعد الجديدة.
وقالت هيئة الأوراق المالية والسلع الإماراتية في رد مكتوب على سؤال لوكالة بلومبرج إن عقوبات الشركات غير الملتزمة بالقواعد ستتراوح بين الإنذار والغرامة، أو حتى الإحالة إلى الادعاء العام. وقال المتحدث باسم الهيئة إنه سيتم إلزام الشركات بالكشف عن تشكيل مجالس الإدارة ضمن نتائجها السنوية.
ومنذ الإعلان عن القواعد الجديدة، أعلنت شركة إعمار، أكبر مطور عقاري في دبي، وشركة الإمارات للاتصالات المتكاملة (دو)، وشركة بترول أبوظبي الوطنية للتوزيع (أدنوك للتوزيع)، و “دانا غاز” للطاقة تعيين نساء في مجالس إدارتها.
والحقيقة أن سياسة تخصيص حصص للمرأة في المناصب العليا بالشركات حققت نجاحا في مناطق أخرى من العالم. ففي فرنسا، على سبيل المثال، تشغل النساء 40 في المئة، على الأقل، من مقاعد مجلس االإدارة في الشركات الكبرى، كنتيجة مباشرة لقانون تم تمريره في عام 2011 حيث تم فرض زيادة تدريجية لحصة النساء من مقاعد مجالس الإدارة من 20 في المئة في 2014 إلى 40 في المئة عام 2017.
حققن قفزة كبيرة
وقالت رشا الخواجة مديرة التوزيع والتطوير في شركة “إكويتاتيفا جروب” لإدارة صناديق الاستثمار، مقرها دبي، إن قرار هيئة الأوراق المالية والسلع “ضروري فعلا”، مضيفة أن “النساء حققن قفزة كبيرة في عالم الشركات خلال العقد المالي، لكن حضورهن لم يظهر بالدرجة الكافية لذلك لم يصل الكثيرون منهن إلى مستوى عضوية مجالس الإدارة”.في ألمانيا التي تعاني من سجل سيء في مجال تمثيل المرأة في المناصب العليا، تم تقديم قانون خلال العام الحالي يفرض وجود سيدة واحدة، على الأقل، في مجالس إدارة الشركات المسجلة في البورصة.
وقالت الخواجة إن العقلية التي تحصر المرأة داخل إطار “مقدمي الرعاية الأساسية” فقط، تحتاج إلى تغيير “وإلى أن يحدث هذا لن تتحقق المساواة. تغيير العقليات يحتاج إلى أجيال”.
وسبق أن توقع مسؤول في البنك الدولي أن تساهم المرأة بـ47 في المئة من الاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال السنوات المقبلة.
وأشار ديفيد مالباس رئيس البنك الدولي، خلال الجلسة الافتتاحية لمنتدى المرأة العالمي دبي 2020 إلى أن الإمارات والسعودية احتلتا المرتبة الأولى في التقدم في مؤشرات التوازن بين الجنسين.
ويرى وضاح الطه المحلل المالي العراقي المقيم في دبي أن المرأة العربية عموما مدبرة، وعندما تتاح لها الفرص والإمكانيات، فإنها تبدع وتحول الكثير من الأفكار النظرية إلى أرباح حقيقية.

فاطمة حسين: النساء من الخلفيات المحافظة يحجمن عن شغل المناصب القيادية
وقال الطه في تصريح لـ”العرب”، إن “الأزمة التي خلفتها جائحة كورونا على الرغم من سلبياتها، إلا أنها في الوقت ذاته حفزت معظم النساء على الإبداع، فالكثير منهن اكتشفن أنفسهن.. والكثير منهن استثمرن مهاراتهن في تصميم الأكسسوارات أو الملابس التقليدية مثل العباءات أو الديكورات المنزلية أو في التدريب الرياضي أو عرض أطباق منزلية مبتكرة وكشف ميزات فريدة لديهن في تسويق منتوجاتهن، وهذا هو سر النجاح الحقيقي”.
وأضاف “هذه الطاقات الدفينة حفزت المرأة في الإمارات وفي دول الخليج عموما على تنويع مهاراتها، وهو إنجاز مهم على الصعيد الشخصي ينعكس بشكل إيجابي على جو الأسرة العام، إضافة إلى أنه يحقق دخلا إضافيا، ما يشعر المرأة بالارتياح والسعادة بإنجازاتها أكثر من مجرد الحصول على المال”.
ولفت المحلل المالي العراقي إلى أن الكثير من النساء الموظفات في الدوائر الحكومية الإماراتية قد عملن عن بعد خلال الأزمة الحالية، وهذا يؤكد قدرتهن على التعامل مع المتغيرات التكنولوجية وأساليب العمل المتطورة في الإمارات على وجه التحديد.
وليس من المستبعد أن ينتهي الأمر بأن تكون لدى معظم النساء الحرية في العمل من المنصب الذي يطمحن إليه، لكن ذلك لن يحدث ما لم تتغير النظرة إلى المرأة وطريقة التعاطي مع حقوقها في الشرق الأوسط وفي العالم العربي بشكل عام.