المخرج والمؤلف المسرحي بوسلهام الضعيف لـ"العرب": أقتنص جوهر الرواية وأقدمه بشكل فني

مخرج مسرحي يحول الروايات المغربية إلى أعمال مسرحية.
الاثنين 2023/11/27
"كلام" مسرحية تشتغل على النص

العلاقة قديمة وجوهرية بين الفن المسرحي والأدب، فمن الشعر انطلق المسرح ليتطور منفردا بنفسه ولتصبح له في الفترة المعاصرة علاقة كبرى بالرواية أيضا، لكن العلاقة بين الأدب والمسرح لا تخلو من تعارض أحيانا. "العرب" كان لها هذا الحوار مع الكاتب والمخرج المسرحي المغربي بوسلهام الضعيف حول علاقة المسرح بالأدب والفن المسرحي عموما على ضوء عرضه الأخير "كلام".

قدمت فرقة مسرح الشامات عملها المسرحي الجديد “كلام” يومي الجمعة السابع عشر والسبت الثامن عشر من نوفمبر الحالي بالمركز الثقافي محمد المنوني مكناس، ويدخل هذا العمل الفني في إطار توطين مسرح الشامات بالمركز الثقافي محمد المنوني بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل.

والمسرحية من تأليف الروائي المغربي محمد برادة وإخراج بوسلهام الضعيف وتشخيص سناء عاصف، أمين بلمعزة وسفيان نعيم. وتؤكد على مبدأ التكامل خاصة بين الكتابة والإخراج وهو الموضوع الذي يتحدث فيه لـ”العرب” الكاتب والمخرج بوسلهام الضعيف.

المسرح والرواية

لا أبحث في الفن بقدر ما أتفاعل مع الحياة
لا أبحث في الفن بقدر ما أتفاعل مع الحياة

عن سبب اختيار الاشتغال على فكرة وموضوع المسرحية يقول بوسلهام الضعيف “في سنة 2016 كنت قد اشتغلت على رواية محمد برادة ‘بعيدا من الضوضاء قريبا من السكات’ وحولتها إلى عرض مسرحي أسميته ‘كل شيء عن أبي’، هذا العمل خلق صدى جد طيب لدى المتلقين بمختلف حساسياتهم وتوجهاتهم، كما أنه حصل على العديد من الجوائز منها الجائزة الوطنية للمسرح في المهرجان الوطني للمسرح بتطوان، كما أنه اختير لتمثيل المغرب في مهرجان المسرح العربي بالجزائر، حيث كان التفاعل مثيرا مع جمهور المسرح العربي”.

 ويرى أن العلاقة بين الروائي والمسرحي تطرح الكثير من الأسئلة، لاختلاف الجنسين، وتعدد لغات كل جنس، وفي كثير من الحالات لا يكون الكاتب الروائي مرتاحا للعرض المقتبس، ولكن في حالة “كل شيء عن أبي” وجد الروائي محمد برادة بأن المسرحية استطاعت أن تقتنص جوهر الرواية وتقدمه بشكل فني وبلغة مسرحية، وهذا ما جعل برادة يكتب مسرحية “كلام يمحوه النهار” ويرسل إليه النص لكي يخرجه، ويقول الضعيف “في المرة الأولى سافرت نحو الرواية وفي ‘كلام’ برادة سيأتي إلى المسرح”.

ويلفت إلى أن هناك مجموعة من التحديات التي واجهتهم أثناء العمل على هذا العمل الفني، ويقول “كانت هناك مجموعة من التحديات الفنية أولها كيف لي أن أجدد من أدواتي الفنية؟ وأتجاوز نفسي وأتجاوز مفرداتي الإخراجية. حيث طرح السؤال كيف يمكن أن أجد ممثلين قادرين على التشخيص باللغة العربية، دون السقوط في النبرات الصوتية المستهلكة. ثم كيف لي أن أقدم عرضا باللغة العربية، لغة فيها الكثير من الشعر، دون اللجوء إلى مؤثرات خارجية، وأن يكون العرض في حد ذاته حاملا للدراما وحاملا للتشويق بدون مؤثرات خارجية أصبحت اليوم مستهلكة في المسرح. كان الرهان تقديم عرض بمفردات كلاسيكية ولكن بمعان متجددة وبنفس إنساني معاصر”.

وحول التأثير الذي يخلفه كل عمل مسرحي يقول الضعيف “أثناء الاشتغال على عمل مسرحي لا أبحث على التأثيرات الفنية، بقدر ما أبحث عن الحياة في النص، أعني أن أعود بالنص كلغة وتفكير إلى تطبيقه في الحياة اليومية، أحاول أن أضع النص في حياة الناس، أفكر فيه كشيء يسري في عروق شخصيات من لحم ودم. لا أبحث في الفن بقدر ما أتفاعل مع الحياة، أعني ما أراه في الشارع وفي الأسواق والمعطيات اليومية لمعيش الناس، أستثمرها لتكون مادة المسرح”.

فن المستقبل

ما يهم المخرج هو كيف يقدم عرضا مسرحيا باللغة العربية الغنية بالشعر دون اللجوء إلى مؤثرات خارجية
ما يهم المخرج هو كيف يقدم عرضا مسرحيا باللغة العربية الغنية بالشعر دون اللجوء إلى مؤثرات خارجية

يشاركنا المخرج المسرحي رؤيته حول إدارة الممثلين على خشبة المسرح، يقول “كل عمل يستدعي منهجا وطريقة للاشتغال مع الممثلين، في ‘كلام’ كان هناك اشتغال على النص، اللغة، الشعر، الإيقاع، ثم جعل الممثل يعيش اللغة كشيء داخلي وعضوي وليس منطوقا خارجيا، وهذا أخد من فريق العمل وقتا كبيرا، وكان هناك تفاعل كبير من الممثلين وأظن بأن هذا الاشتغال هو عمل مستمر ومتواصل مع العروض و’كلام’ وهو يتجول في المسارح”.

وينوه المخرج بالعناصر التي جعلت مسرحية “كلام” مميزة وفريدة، قائلا “هي التكامل والتناغم بين مختلف عناصر العرض، نص بحمولة شعرية وفكرية، ممثلون استطاعوا أن يعزفوا الكلمات عضويا وداخليا، موسيقى خارجة من أتون المعني، سينوغرافيا مندمجة ومتكاملة مع كل العناصر. عرض مسرحي يقول فكرته و(كلامه) دون ادعاء”.

ويوضح الضعيف عن الهدف من المسرحية، قائلا “أنا أمارس الإبداع والمسرح أداتي للتعبير، والانخراط في المجتمع، هذا العرض هو استمرار لمشروع مسرحي، مسرح يستفز روح وحواس المتلقي، مسرح لا يبحث عن السهل والمستهلك، مسرح يحاول أن يتجاوز ذاته وأدواته، مسرح منخرط في أسئلة المجتمع، مسرح يطرح الأسئلة الحارقة، مسرح باختصار يحترم ذكاء الجمهور”.

ويختم الضعيف حديثه بالتطرق إلى الدور الذي يلعبه المسرح، قائلا “المسرح كفن جماهيري، كفن مباشر ويتفاعل مع الجمهور بشكل حي، له أدوار عديدة، وأول دور للمسرح بالإضافة إلى أدواره المتعددة، هو دوره التنويري، المسرح هو فن المستقبل، يستبق دائما الأسئلة الجديدة، والمسرح هو فضاء للتغيير، ولفتح منبع ضوء للمجتمعات، ومنارة أمل تنير حوار التنوير والحداثة في بنية المجتمعات”.

12