المخرج دندن إبراهيم لـ"العرب": التشكيل مثل السينما يعتمد على العناصر البصرية للتعبير

يكشف المخرج الجزائري دندن إبراهيم عن تفاصيل فيلمه القصير ورموزه متحدثا في حوار مع “العرب” عن رحلته في تصوير كائن غير موجود بلغة روحية تأخذنا في رحلة فلسفية لنتأمل في جدلية الموت والحياة.
تهتم بعض التجارب السينمائية بالجوانب الروحية والفلسفية للحياة والوجود، وهي نوع من الأفلام يطرح مواضيع عميقة تتعلق بالحياة الروحية، مثل الموت والحياة والوجود والأبعاد الروحية للإنسان. وتعتمد الأفلام الروحية غالبا على الرموز ولغة الصور البصرية لنقل رسائلها.
ويستخدم صناع الأفلام في هذا النوع من السينما غالبا التقنيات البصرية والصوتية بشكل مبتكر لإيصال تأملاتهم حول الحياة والوجود. ويمكن أن تكون هذه الأفلام تحفيزا للتأمل الفردي وتشجيعا على البحث في معان أعمق للوجود البشري، وفي هذا الإطار كان لصحيفة “العرب” لقاء مع المخرج الجزائري الشاب دندن إبراهيم حيث يكشف لنا في هذا الحوار الرموز الفلسفية والدينية في فيلم “زهرة”.
“زهرة” هو فيلم قصير يحاول أن يطرح جدلية الموت والحياة من صميم خيال الطفولة، من خلال قصة طفلة يؤرخ تاريخ ميلادها بنفس القلم الذي سيوثق ساعة وفاة والدتها لتصبح للحرمان لغة روحية تستنطق في كل لحظة منابع الحدس الوجداني، الذي لا يشعر به أحد، ولا يسمعه أحد، ولا يراه أحد، إذ إنها قضية كائن غير موجود ظل مرتحلا في أغوار آيات الوجود، يسأل عن البداية فتجيبه أحداث النهاية، ثم يبحث عن النهاية فتكتب البداية حكاية نشأة جديدة، تشبه الزهرة.
يتحدث المخرج الجزائري حول فكرة فيلمه وسبب اختياره لموضوع يتناول جدلية الموت والحياة فيقول “تفاجأت بفكرة الفيلم حينما جاءت إلي عبر قصة فتاة صغيرة فقدت والدتها، وتدرك هذه الطفلة مع مرور الوقت معنى آية قرآنية في سورة الحج تشير إلى أن الإنسان خلق من تراب، حيث انطلقت الطفلة في رحلة تطوير فكر فلسفي، وقررت إعادة إحياء صورة والدتها من التراب، مستندة إلى مضمون إحدى آيات السورة التي تتحدث عن خلق الإنسان على يد الله”.
وبخصوص الرسالة المراد نقلها من خلال حكاية الطفلة زهرة يقول “تتجسد الرسالة بروعة في مزْجها الفريد بين جماليات الطبيعة والأبعاد الروحية والإنسانية، وتستعرض بمهارة موضوعا ملتهبا ومرهفا، يتناول قضايا تكمن أهميتها في نفوس الأطفال، إذ تمتد تأثيراتها عبر الأفق الثقافي والاجتماعي في المجتمع الجزائري، كما تركز على التفاصيل الجميلة والتعبير الفني، لتشكل لوحة تعبيرية عميقة”.
ويوضح دندن أسلوبه في الإخراج فيقول “تمكنت من تجسيد لغة روحية للحرمان من خلال بناء شخصية زهرة، التي كانت تتمتع ببعد روحي وفلسفي وخيال واسع، بهدف إعادة صورة أمها بالتراب. كما أن قلم تسجيل تاريخ الميلاد والوفاة يلعب دورا مهما في تطوير الحبكة السينمائية، إذ يظهر الموت والحياة في نفس اللحظة والمكان والساعة، مما يجعلهما عنصرا روائيا لمربط الأحداث ويضيفان إلى الحبكة تعقيدا مثيرا”.
ويشرح المخرج الشاب كيفية استخدام اللغة السينمائية لاستنطاق منابع الحدس الوجداني وإيصالها إلى المشاهدين بطريقة فنية، مشيرا إلى “أن اللغة السينمائية تشمل الحرف (الإطار الفيلمي)، والكلمة (المشهد)، والجملة (تسلسل المشاهد)، والفقرة (المشهد وتتابعه)، والنص (الفيلم بأكمله)، أما الفنون التشكيلية فتعتمد على العناصر البصرية للتعبير عن الأفكار والمشاعر. وفي سياق آخر، إذا كنت قد ركزت على الفنون التشكيلية أثناء مشاهدتك للفيلم، يمكن فهم ذلك كتجربة شخصية أثرت عليك بطريقة فنية، أما عبارة الرسومات فتشير إلى اللوحات الفنية، وعندما نصف زهرة على شكل صور يمكن فهمها كمشهد فني يجسد الزهرة ككائن خال من الحياة”.
ويضيف المخرج في مجمل حديثه عن الظل غير الموجود والكائن الذي يعيش في آيات الوجود “لأن الإنسان مخلوق من تراب، تبدأ القصة في سورة الحج بظهور زهرة، ويبدأ الصراع في مقدمة الحبكة وينتهي في حل العقدة في نهايتها”.
وفي حديثه عن تشكيل التواصل بين بداية الفيلم ونهايته، حيث تكون النهاية هي البداية لحكاية جديدة، يوضح “لأن شخصية زهرة وجدت أمها في النهاية، في كل مرة تنام فيها، تتبادر إلى تفكيرها الفلسفي فكرة عودة أمها إلى الحياة رغم الموت، وهذا ما جعلها تتحرر وتعرف كيف تلتقي بأمها عندما تنام، ويظل التحدي الكبير هو كيفية البحث عن والدها”.
ويضيف “هناك عدم السرد الوصفي وحضور الرمزي، فرؤيتي الإخراجية هنا لا تركز على السرد، بل على الرموز، ورمزية الفيلم تسلط الضوء على دهاليز الطفولة”.
أما في حديثنا عن التحديات التي واجهته أثناء التعبير عن قضية كائن غير موجود، فينوه المخرج “لم تعترضني أي تحديات عندما عبرت عن كائن غير موجود وحاضر في نفس الوقت. لذلك يمكنني التحدث بشكل مباشر عن الأطفال الذين يواجهون نقصا في حياتهم، وكيف يؤثر غياب حنان الأم على تصرفاتهم اليومية بشكل تلقائي”.
أما عن ردود فعل الجمهور فيقول “كان هناك نقاش مثير جدا مع الجمهور، حيث حرك الماء الراكد في السينما الجزائرية. ظهرت تساؤلات وتحليلات كثيرة مع النقاد حول قضية زهرة، وتم استخدام الرموز والدلالات بشكل كبير، حيث كانت الصورة تلعب دورا أكبر من الحوار، وكانت هناك فلسفة عميقة تتناول بصمة البراءة، وكانت كل صورة تمثل علامة استفهام، مما أسهم في إثراء القصة من حدث إلى حدث، وذلك لاكتمال الرمزية”.
ويعود المخرج إلى الحديث عن كواليس كتابة وإخراج فيلمه فيقول “إنها تجربة سينمائية استثنائية تجمع بين جماليات الطبيعة والأبعاد الروحية والإنسانية، حيث تناولت موضوعا ملتهبا وحساسا يتعامل مع قضايا مهمة للطفل ويمتد عبر العمق الثقافي والاجتماعي في المجتمع الجزائري بشكل عام، كما أن الفيلم يحمل شيئا من الفلسفة ويشتمل على علاقات مبنية على الدين الإسلامي والتراب والنبات والموت والحياة والتساؤلات التي يوجهها الأطفال أحيانا لآبائهم. وقد كتبت السيناريو وصقلت حبكة الفيلم وتطوير الإطار العام للأحداث، ورتبت تسلسل الأحداث مبرزا الانتقال من حدث إلى آخر، وهو ما يتطلب الكثير من الاحترافية والممارسة للوصول إلى درجة من الإتقان”.
ويختم بالقول “بالنسبة إلي، الفن نمط عيش، وكذلك السينما هي متنفس أستطيع من خلاله التعبير عن كل ما يجول في خاطري ومشاركته مع كل من حولي. فهي إدمان ليس له علاج، وسأبقى أتنفس هذا الفن طوال عمري”.