المخرج المغربي يزيد القادري: ميزانية الإنتاج لها دور أساسي في تحقيق الرؤية الإخراجية

في حوار مع “العرب” يوضح المخرج المغربي يزيد القادري الصعوبات والتحديات التي تواجه مخرجي المسلسلات التاريخية، وفي مقدمتها التحديات المالية، حيث تظل الميزانيات الضعيفة العقبة الأولى أمام تنفيذ الرؤية الإخراجية على أحسن وجه.
الرباط - يُعرف في الوسط الفني وخاصة قطاع السينما والتلفزيون أن الكثير من المخرجين يواجهون تحديات كبيرة في إخراج أعمالهم، لاسيما عندما يتعلق الأمر بالميزانية المحدودة، إذ يمكن أن تكون هذه التحديات أكثر بالنسبة إلى المخرجين الذين يعملون على مسلسلات درامية تاريخية، حيث يتطلب الأمر إعدادات معقدة وتفاصيل دقيقة تتطلب موارد مالية كبيرة.
وتعتبر مهارة المخرج في التكيف مع الموارد المتاحة جزءا لا يتجزأ من العمل الإبداعي، فعلى الرغم من الميزانية الضئيلة يتميز المخرجون الذين يتحدون الصعوبات بقدرتهم على إيجاد الحلول الإبداعية لتحقيق رؤيتهم الفنية، مثل استخدام الأماكن المتاحة بشكل فعال، واستخدام الإضاءة والزخارف بشكل يبرز الأجواء المطلوبة دون الحاجة إلى تجهيزات باهظة الثمن.
وفي هذا السياق كان لصحيفة “العرب” حوار مع المخرج المغربي يزيد القادري حول مسلسله التاريخي “حرير الصابرة” الذي حدت من إبداعه ميزانية الإنتاج الضعيفة، ورغم ذلك استطاع بإمكانيات بسيطة أن ينجز عملا دراميا مقبولا.
ويعتبر مسلسل “حرير الصابرة” سلسلة تاريخية من أربع حلقات مدتها 42 دقيقة، تدور أحداثها بمدينة فاس في أوج ازدهارها الاقتصادي والعمراني والعلمي، الذي شهدته خلال القرن الرابع عشر، أيام حكم السلطان فارس أبوعنان المريني عام 1357.
العمل الدرامي من سيناريو منصف القادري وبطولة كل من سعد موفق وهند بن جبارة وعز العرب الكغاط وعبداللطيف شوقي ونجاة الوافي وأنيسة العناية وعدد من الممثلين المغربيين.
عن فكرة مسلسله التاريخي “حرير الصابرة” وسبب اختياره هذا الموضوع في مدينة فاس يقول المخرج المغربي “تحكي لنا السلسلة قصة أسرة المعلم بن براهيم التي تمتهن صناعة الحرير، والتي هاجرت من الأندلس لتستقر بـجْنَان رحب آوت، فيه فتيات يتيمات يتعلمن حرفة تربية دود القز وغزل الحرير وصنع السفايف والقفطانات. تواجه الأسرة منافسة شديدة من طرف أحد صناع الحرير من أجل الظفر بتزويد بلاط السلطان، حيث تترتب عليها أحداث مأساوية”.
ويوضح أنه “إضافة إلى إتقانه حياكة الحرير يتابع يوسف بطل السلسلة، وهو ابن المعلم ‘بن براهيم’، دراسته في علوم الميقات والآلات حتى يتم اختياره ضمن فريق العلماء المكلفين من طرف السلطان أبوعنان بصناعة الساعة المائية الشهيرة”.
ويرى القادري أن مسلسل “حرير الصابرة” يعتبر “توليفا دراميا لإحدى الحكايات التاريخية التي نشرت للكاتب والسيناريست منصف القادري أواخر التسعينات تحت عنوان ‘الناسك المجهول’، والتي تتضمن مجموعة من الحكايات التاريخية التي تبرز العديد من المظاهر الحضارية والعمرانية، وتسلط الضوء على ثلة من المؤسسات الاجتماعية والفكرية والعلمية لمدينة فاس ما بين القرنين الـ13 والـ16، فكان جديرا أن يتم تحويل هذه الحكايات إلى إنتاج درامي يغني المشهد السمعي – البصري في المغرب”.
ويتم التحضير لتصوير مشاهد التراث وصناعة الحرير بطريقة تظهر جمالها وتفاصيلها العريقة، إذ يكشف المخرج كواليسها قائلا “التحضيرات بصفة عامة لمشهد ما تتخذ التزامات فنية وتقنية من فريق العمل، لكن في هذا العمل التاريخي يجب أن يكون الالتزام مضاعفا عند أعضاء فريق الإنتاج والديكور والملابس والماكياج وغيرهم، من أجل التدقيق في الاختيارات الفنية تحت إشراف الإدارة الفنية المتمثلة في سيناريست العمل الأستاذ منصف القادري ومخرج العمل”.
وفي حديثنا عن التحديات التي واجهته أثناء تصوير المشاهد التاريخية وكيف تم التغلب عليها، يوضح المخرج المغربي “التحديات تتمثل أساسا في ميزانية العمل التي قد لا تساعد على إنتاج مثل هذه الأعمال التاريخية، والتي تتطلب ميزانية ضخمة من أجل العمل في ظروف مريحة أكثر، حيث لم نتمكن من التصوير في مدة تفوق ثلاثة أسابيع، كما تم الاقتصار على ديكورات متقاربة من أجل توفير جهد إنتاجي لصالح الإكسسوارات والملابس وتأثيث الفضاءات، كذلك يجب ذكر أن المجلس البلدي للمدينة لم يدعم العمل للأسف”.
ويكشف أن “التغلب على التحديات جاء بفضل المنتج فيصل القادري الذي يشارك الفريق الفني جميع مراحل تطوير المشروع إلى آخر مرحلة من سلسلة الإنتاج، ومن أجل الحرص على الجودة المطلوبة والعمل على توفير ظروف اشتغال مواتية واحترافية، فهذه هي الصفة التي يجب أن يتخذها أي منتج، فـ’حرير الصابرة’ بفضل هذا الالتزام نال استحسان المشاهد المغربي”.
تم اختيار فريق عمل مسلسل “حرير الصابرة” وفق مواصفات خاصة، حيث يقول المخرج يزيد القادري “منذ 2018 وأعمدة فريق العمل لا يشملها تغيير، فالثقة المتبادلة واقتسام نفس الرؤية الفنية هما أساس نجاح الفريق. أما بالنسبة إلى الممثلين فقد اشتغلنا مع أغلبهم في أعمال سابقة والبعض منهم اشتغلنا معهم لأول مرة، وكان من بين أهدافي منح مساحة أكبر لفناني مدينة فاس وتقدير موهبتهم التي تستحق فرصا أكثر، وتطويق العمل بأسماء وازنة، كالممثل القدير عز العرب الكغاط ونجاة الوافي وهند بن جبارة وسعد موفق وأنيسة لعناية وعبداللطيف شوقي وهاجر كريكع، وآخرين”.
ويأمل المخرج المغربي يزيد القادري استيعاب الجمهور رسالة المسلسل بعد انتهائه ويعبر عنها قائلا “إلى جانب خلق الفرجة والمتعة البصرية من خلال الديكور والإكسسوارات والملابس، يهدف العمل إلى النبش في التاريخ عموما، وإبراز المعالم الحضارية المشرقة التي شهدها المغرب، حتى يتعرف المشاهد المغربي والعربي والدولي على سلسلة متوهجة من تاريخنا، ولاسيما أن هناك شبه قطيعة بين تاريخنا والمعلومات التي يتوفر عليها المشاهدون عامة والشباب على وجه الخصوص، إذ كثيرا ما نسمع أو نقرأ عن تاريخنا الحافل بالتميز في الكتب والمقررات الدراسية، ولكن نادرا ما تتاح لنا الفرصة كي نعاين ذلك على مستوى الإنتاج السمعي – البصري”.
ويبرز المسلسل العديد من تقنيات الإخراج التي طغت على تكوين الصورة العامة للمسلسل إذ يصرح المخرج عن سببها قائلا “عملية إخراج عمل تاريخي تتخللها عدة مراحل من أجل تكوين رؤية واضحة، فالتنسيق المتواصل مع الفريق الفني كان واجبا بالنسبة إلى كل الأعمال، لكن في السلسلة يتأثر الإخراج أكثر بتداعيات الحقبة الزمنية وما تستوجبه من شروط يلتزم بها المخرج لاختيار الكادرات والإنارة مثل منابع الضوء الطبيعية نهارا واستعمال القنديل ليلا، وهنا أشيد بوليد المحرزي مدير تصوير السلسلة، إذ تم اتخاذ الفضاءات كشخصية رئيسية للسلسلة لمدى فخامتها، فاستعمالها لم يكن فقط كوسيلة للتعريف بالزمكان بل كعامل مؤثر في تسلسل الأحداث”.
ويختم المخرج المغربي حديثه بالتطرق إلى آخر أعماله بين السينما والتلفزيون قائلا “التفرقة بين السينما والتلفزيون تتجلى أساسا في مدى عطاء المخرج، لكن الصواب هو: يجب احترام العمل كيف ما كانت نوعيته، إذ أن ظروف الاشتغال تختلف وأدوات العمل كذلك، لذا أجد نفسي أكثر في العمل على الأفلام السينمائية، فمنذ إخراجي لعملي القصير الأول ‘أغنية البجعة’ والثاني ‘مداد أخير’ اللذين توجا في عدة مهرجانات وطنية ودولية، وأنا أبحث عن ذاتي للعمل على فيلم سينمائي طويل أعتبره مرحلة فارقة في مساري الفني”.