المخرجة غزلان أسيف لـ"العرب": أؤمن بقوة السينما في إبراز قدرتنا على مواجهة المصاعب

"شتاء بارد" روائي طويل يشكك في قدرات البشر العقلية.
الأربعاء 2024/07/31
كواليس تصوير فيلم "شتاء بارد" 2024

في أول تجربة سينمائية طويلة لها، تروي لنا المخرجة والمؤلفة المغربية غزلان أسيف موضوعا متخيلا يغوص في أعماق التحديات العقلية والنفسية التي يخوضها الإنسان خلال مواجهته الخسارات الكبرى في حياته ومدى قدرته على تقبلها ومواصلة حياته. وهي في لقاء مع “العرب” تكشف لنا سر اشتغالها على هذا الموضوع.

الرباط – في عالم السينما تتجلى القدرة على التعبير عن المشاعر الإنسانية العميقة عبر الصور والحكايات، ومن بين الأعمال السينمائية التي قد تدفع المشاهد للتفكير في أبعاد جديدة للحياة والفقدان، يأتي فيلم “شتاء بارد” للمخرجة المغربية غزلان أسيف، حيث يُعتبر هذا الفيلم أول تجربة روائية طويلة لها، ويأخذنا في رحلة شك حول قدراتنا العقلية.

تدور أحداث الفيلم حول سيدة شابة تُدعى آمال تعيش تجربة مؤلمة بعد انتحار زوجها مراد. ومع مرور الزمن، تظن أن زوجها لا يزال حيا ويتابعها في كل لحظة من حياتها مما يجعلها تتنقل بين عالمين: الواقع والخيال، ويعكس العمل تفاصيل هذا الصراع النفسي.

الفيلم من سيناريو جلال بلوادي، وبطولة كل من أمين الناجي، وجليلة التلمسي، وفضيلة بنموسى، ومونية لمكيمل، وعزالعرب الكغاط، ومالك أخميس، وخديجة سكارين.

من الملهم استكشاف مواضيع مثل الفقدان والانتقام والصمود من خلال عدسة خيالية ترنو إلى الحقائق العاطفية العميقة
من الملهم استكشاف مواضيع مثل الفقدان والانتقام والصمود من خلال عدسة خيالية ترنو إلى الحقائق العاطفية العميقة

ويجري الآن توليف / مونتاج الفيلم السينمائي الطويل. وفي هذا السياق، كان لصحيفة “العرب” لقاءً مع المخرجة غزلان أسيف لتسليط الضوء على كواليس هذا العمل السينمائي المميز. وتوضح أسيف أن ما جذبها للاشتغال على هذا الفيلم هو التفاعل بين الواقع والخيال في قصة آمال ومراد، مما يفتح أبوابًا لاستكشاف أعماق المشاعر والتحديات النفسية.

وتقول أسيف إنها واجهت العديد من التحديات أثناء التصوير وحاولت تحقيق توازن بين إدراك البطلة آمال والواقع المحيط بها، مما يعكس براعتها كمخرجة ومبدعة في خلق توتر سردي فعال، إذ تعالج مواضيع مثل الفقدان والصمود، وتعكس أيضًا جوانب ثقافية مغربية، ما يجعل “شتاء بارد” تجربة سينمائية جديدة غنية يمكن أن تلامس المشاهدين.

ومن خلال “شتاء بارد”، تستعرض غزلان أسيف موهبتها في تقديم أول عمل سينمائي يتناول أعماق النفس البشرية ويطرح تساؤلات حول واقعنا وطرق تعاملنا مع الصعوبات والآلام، ما يجعل الفيلم إضافة قيمة إلى مسيرتها الإبداعية ويعزز مكانتها في عالم السينما المغربية.

وحول عملية اختيار الممثلين الرئيسيين في الفيلم، بما في ذلك شخصية البطلة ومدى واقعية الأحداث، تقول المخرجة “اتبعت نهجًا صارمًا في اختيار شخصية آمال لالتقاط عمق الشخصيات، فالأداء والحضور المرئي للممثلين أمران حاسمان لنقل التعقيد العاطفي والنفسي على الشاشة، حيث بحثنا عن ممثلة متمكنة وقادرة ليس فقط على التعبير عن هشاشة انغماسها ولكن أيضًا على تجسيد الشخصية جسديًا وعاطفيًا، وهي تواجه غموضًا داخليًا، إذ كان على الممثلة المختارة أن تتنقل برشاقة بين الواقع المشوه بوساطة هوايتها والتفاصيل النفسية المعقدة للشخصية، كتحدي تناولته بعناية خاصة في كل تفاصيل الاختيار”.

وتوضح المخرجة المغربية أنه “على الرغم من أن ‘شتاء بارد’ هو عمل خيالي، إلا أن بحث الدكتوراه في السينما سمح لي بتأصيل المشاعر والتحديات الداخلية للبطلة في المعاناة الإنسانية الشاملة، حيث أجد أنه من الملهم استكشاف مواضيع مثل الفقدان والانتقام والصمود من خلال عدسة خيالية ترنو للحقائق العاطفية العميقة، فالقصة نفسها هي إبداع أصيل على الرغم من أن بعض التفاصيل الطفيفة قد تعكس تجارب شخصية أو ملاحظات دقيقة من الحياة اليومية”.

واجهت غزلان أسيف العديد من التحديات أثناء تصوير “شتاء بارد”، وهي تقول إن أهمها كان “الحفاظ على توازن دقيق بين الإدراك الشخصي لبطلة الفيلم والواقع الموضوعي للعالم من حولها، كمخرجة ومؤلفة أدركت أهمية الإيقاع السردي الحاسم والتحرير لخلق توتر سردي فعال، فخلقت جوًا يغمر المشاهد بلا انقطاع في الغموض، حيث يتساءلون عما هو صحيح وما هو غير ذلك، وقمت بذلك بعناية فائقة في الإخراج وبناء السرد، وهو مهمة اتخذتها بحساسية حادة تجاه الدقة النفسية للشخصيات”.

وفي حديثها حول سبب اختيارها التركيز على حدود الواقع والخيال في “شتاء بارد”، توضح المخرجة المغربية “أنا مفتونة بالقصص التي تستكشف المناطق الرمادية للإدراك البشري، ما يثري علم النفس للشخصيات ويعمق رحلتهم العاطفية والروحية، هذا الاستكشاف ليس فقط يضيف إثارة للرواية، بل يعزز أيضًا التعقيد العاطفي للفيلم، ما قد يقدم للجمهور تجربة سينمائية غامرة وثرية”.

"شتاء بارد" يتناول مواضيع مهمة مثل العدالة والصمود والروابط العائلية، وهو متأصل بعمق في الثقافة المغربية

ويتناول “شتاء بارد” مواضيع مهمة مثل العدالة والصمود أمام الصعوبات والروابط العائلية، وهو في الوقت نفسه متأصل بعمق في الثقافة المغربية، لذلك تتوقع مخرجته “أنه فرصة ليس فقط لجذب الجمهور المحلي بسبب تلازمه الثقافي، بل أيضًا لملامسة الجمهور العالمي من خلال جوانبه العاطفية والإنسانية العالمية، إذ أن هذه الثنائية الثقافية لا تثري السرد فحسب، بل تسمح أيضًا للفيلم بأن يجد ارتجاعًا عميقًا على نطاق عالمي”.

وتضيف “تتمحور رسالة الفيلم حول الصمود ومواجهة الواقع، حتى في أصعب اللحظات في الحياة، كمخرجة أؤمن بقوة السينما التحويلية لاستكشاف أعماق الروح البشرية، والاحتفاء بالقوة الداخلية والقدرة على التغلب على التحديات بكرامة وإصرار، من خلال قصة آمال نذكر الجمهور بأهمية الثبات رغم الصعوبات، فهو درس يمكن لكل شخص تطبيقه في حياته الخاصة”.

بدأت غزلان أسيف مسيرتها المهنية قبل عقدين من الزمن، حيث خطت أولى خطواتها في عالم السينما ككاتبة سيناريو ومؤلفة، ثم انتقلت إلى عالم التلفزيون من خلال العمل في القناة الثانية المغربية، حيث قامت بأعمال المونتاج لأكثر من مئة مشروع سمعي بصري متفاوت المدد والنوع؛ من أفلام قصيرة، وأفلام روائية، ومسلسلات، وبرامج، وأخبار، وأفلام وثائقية. وكمخرجة وقعت غزلان أسيف على عدد من الأفلام القصيرة التي نالت جوائز في مهرجانات وطنية ودولية، مثل “باسم الحب”، “همسات”، و”400 صفحة”، كما فازت بجائزة أفضل مونتاج في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة عن فيلم “السيناريو” لعزيز سعدالله.

أخرجت للقناة الثانية المغربية فيلما تلفزيونيا بعنوان “وني بيك” من إنتاج شركة “الساقية برو”، يتطرق إلى مجالات الثقافة الحسانية كما يبرز عادات وتقاليد مدينة العيون، أين تم تصوير العمل، ويعكس التطور الذي عرفته المدينة.

hhh

ويحكي هذا الفيلم الحاصل على جائزة السيناريو بمهرجان مكناس السينمائي، قصة علاقة تجمع شابا من مدينة الدار البيضاء بشابة من مدينة العيون، بعد التحاقه بإحدى ملحقات وزارة الثقافة. وخلال الأحداث، سيحظى هذا الأخير بفرصة التعرف والانفتاح على الكثير من تقاليد وعادات المنطقة، فيقرر بذلك الثنائي خوض الكثير من التحديات الاجتماعية، لتنتهي علاقتهما بالزواج.

أما فيلمها الوثائقي “صدى الصخور” فهو يسلط الضوء على عالم الرسومات والنقوش الصخرية في المغرب. ويتناول الفيلم جهود ثلاثة أشخاص رئيسيين: باحث أكاديمي متخصص في الأركيولوجيا، موظف في بعض المندوبيات بالجنوب المغربي وعاشق لهذا الفن، وفنان تشكيلي يستلهم من هذه الرسومات معالم فنونه. تسعى المخرجة منذ اللقطة الأولى للفيلم إلى إبراز الجهود التي يبذلها هؤلاء الثلاثة لتعريف الجمهور بهذه الممارسة الفنية التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، إذ يعرض الفيلم يومياتهم في قفار الصحراء وهم يبحثون عن الرسومات، يجردونها، يفسرونها، يضبطون معالمها، يصورونها، ويسعون لحمايتها من التخريب.

14