المخرجة المغربية ياسمين بنكيران لـ"العرب": أقدّم نوعا جديدا من النموذج الأنثوي المغربي

"ملكات" رحلة عاطفية تحمل طعما قويا من الحرية والعصيان.
الثلاثاء 2023/11/07
فيلمي احتفال بقوة الخيال

تحفل السينما المغربية بالعديد من الأعمال التي تفكك القضايا الاجتماعية بجرأة كبيرة ووعي دون إسراف في الانفعال أو الخطابات الأيديولوجية أو الاصطفافات الفكرية التقليدية، وهذا ما حاوله فيلم “ملكات” وهو ينقد الأبوية من دون أفكار مسبقة ما جعله يحظى بعدد من التّتويجات في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة. “العرب” كان لها هذا الحوار مع مخرجة الفيلم المغربية ياسمين بنكيران.

بعرضه ضمن المسابقة الرسمية للفيلم الروائي الطويل بمهرجان طنجة أنهى فيلم “ملكات” لمخرجته ياسمين بنكيران جولته عبر العالم، إذ قالت مخرجته “يسعدنا أننا ننهيه هنا في وطننا المغرب وفي المهرجان الوطني للفيلم بطنجة في دورته 23”.

عرض الفيلم لأول مرة قبل عام في مهرجان لا موسترا دي فينيسيا، وكان العرض الأول في المغرب في مهرجان مراكش السينمائي، ثم سافر الفيلم حول العالم، وأيضًا في أوروبا والولايات المتحدة وآسيا، وقد تلقت مخرجته العديد من الرسائل حول العالم من مشاهدين مختلفين وخاصة جمهور آسيا، وفاز مؤخرا بجائزة أول عمل بالمهرجان الوطني للفيلم بطنجة في دورته الجديدة، كما فاز بجائزة ثاني أحسن دور نسائي.

مغامرة الفيلم

حول تفاصيل القصة الرئيسية لفيلم “ملكات” تقول بنكيران لـ”العرب”: “هي قصة مغامرة تحتفل بالتحرر وقوة الخيال في جيلي، في المغرب، في الحاجة إلى تحرير أنفسنا من التقاليد الأبوية والقوانين وهو شيء في غاية الأهمية، ولكن بدلا من تصوير هذه الضرورة بطريقة حرفية وواقعية، أردت التعبير عنها من خلال فيلم يستعير على السواء من سينما الأنواع ومن الأساطير المحلية، ويأخذ الفيلم شكل حلم مسلّ، إذ تمتزج الأساطير بالواقع وبطريقته الخاصة وإنشاء سرد جديد”.

وتضيف “الجانب الأكثر إثارة في فيلم ‘ملكات’ بالنسبة إلي هو أن هناك مغامرة وفكاهة وحركة وخيالا ودراما، ويمكنني القول إنها قصة مغامرة بالدرجة الأولى، ولكنه متعدد الجوانب ولا ينبغي أن يُغلق في إطار معين، ما هو مؤكد هو أن هذا النوع يثير اهتمامي بشكل خاص لأنه، مثل القصة أو الأسطورة، ويتيح من خلال الابتعاد عن الواقع التعامل مع الرموز واقتراح دوافع جديدة وتمثيلات جديدة”.

وتعتقد المخرجة المغربية أن السينما بالإضافة إلى جميع أشكال السرد الصورية، تشارك في بناء الخيال الجماعي الذي نقوم بتكوينه كأفراد وكمجموعة، لنقتبس الفيلسوفة تيريزا دي لوريتس “تمثيل النوع هو بناؤه”، وأنا مقتنع بأنه يجب علينا اليوم أن نقترح سردا جديدا لنشكل خيالا أكثر اندماجا.

وتشارك معنا بنكيران بعض التفاصيل حول عملية اختيار الممثلات الرئيسيات، قائلة “بالنسبة إلى شخصية إيناس، كان لدي في الاعتبار عيون آنا تورنت الكبيرة والحزينة في فيلمي ‘Cria Cuervos’ و’The Spirit of the Ruche’، وأظهرت صورة للمدير التنفيذي للتمثيل، وكان الفيديو الثاني الذي أرسل لي عبارة عن فيديو لفتاة تُدعى ريحان، عمرها عشر سنوات والتي كانت قد ردت على إعلان على فيسبوك. كان لدى ريحان عمق في عينيها وهو ما كنت أبحث عنه، أسرني على الفور، وكنت أعلم أن إيناس هي هي، ولم أكن مخطئة، ولكن مر عامان بين اللحظة التي قابلت فيها ريحان واللحظة التي قمنا فيها بالتصوير، لذا قمت بإعادة كتابة شخصية إيناس قليلا حتى تنمو مع ممثلتها”.

وتتابع “بالنسبة إلى شخصية أسماء، استغرق الأمر وقتا أطول، وكنت أبحث عن جسم ذي مظهر ثنائي الجنسية وأنيق، وأعجبني التناقض بين شخصية صغيرة تجلس على عجلة مركبة ضخمة وشخصية أسماء صامتة، لذا كنت أبحث عن وجود قوي وعندما رأيت نسرين للمرة الأولى كان واضحا. يمكن أن تكون قوية ومتينة بالإضافة إلى أنها قادرة على أن تكون شديدة الهشاشة وكانت تحمل الصورة بكثافة وكان هذا بالضبط ما أردت”.

◙ الجانب الأكثر إثارة في فيلم "ملكات" بالنسبة إلى مخرجته هو أن هناك مغامرة وفكاهة وحركة وخيالا ودراما

وبالنسبة إلى شخصية زينب، تلفت إلى أن البحث قد استغرق وقتًا أطول، ولقاء نسرين حدث عن طريق سوء الفهم، إذ جاءت نسرين الراضي أولا من أجل دور أسماء، وكان من الواضح أن الدور ليس مناسبًا لها. ولكن لديها جرأة في عينيها أعجبت المخرجة كثيرا، وشعرت أن لديها إمكانية كبيرة واقترحت عليها تجربة دور زينب، وتحدثت معها مطولا وعملتا معا، كما أعطتها مشاهدة فيلم “أطير فوق عش العصافير” لشخصية مورفي التي أداها جاك نيكلسون وكانت غير متوقعة.

وتضيف بنكيران “كانت دائما على حافة الانفجار وجاهزة في أي لحظة، وفهمت نسرين شخصية زينب بسرعة كبيرة، أعتقد أنها في العمق تشبهها قليلا، وكان التفسير الذي قدمته يفوق توقعاتي وكان تحديا حقيقيا، وزينب هي الشخصية التي تضفي طاقة على الفيلم والتي تمنح المشاهد إيقاعها وعلى عكس ريحان ونسرين، نسرين لديها خبرة كبيرة على مجموعة التصوير، لديها مشاعر حقيقية للإيقاع ومميزات في التمثيل، إنها سخية جدا على مجموعة التصوير، أنا محظوظة جدا لأنني تمكنت من العمل معها”.

اشتغال فني

تذكر المخرجة أنها استخدمت تقنيات أو أساليب سينمائية معينة لإيصال تجربة الشخصيات في الرحلة من الدار البيضاء إلى الجنوب الكبير والمحيط الأطلسي.

تقول “لنأخد الصورة، مثلا: المخرج السينمائي هو بيير آيم، فبيير لديه سجل متنوع جداً في الأفلام، قد وقع على صورة أفلام متنوعة مثل ‘La Haine’ و’Polisse’، وأعجبتني حقاً أعماله. في فيلم ‘حادث فندق النيل هيلتون’ للمخرج طارق صالح استخدم كاميرا محمولة ولكن مستقرة وبشرات دافئة ورطبة وليال صفراء تذكرني بطفولتي. تم اختيار تنسيق الصورة الأنامور على الفور، وقد جعل الفيلم يتجذر في الغرب وفي الخيال، كما سمح للشخصيات الثلاث بالتواجد في الإطار على مجموعة ضيقة مثل كابينة شاحنة”.

وتضيف “الفيلم يأخذ ألوانا مختلفة، ولم نتردد في تشبيع الألوان وزيادة التباين في مرحلة تصحيح الألوان، وكانت هذه رغبة واضحة من جانبي، وفي الأماكن الداخلية عملنا كثيرا على اللونين الأصفر والأخضر، دون الاهتمام بالواقعية، ويبدأ الفيلم في سجن أخضر، ولكن معظم مشاهد الفيلم تم تصويرها في الهواء الطلق، بالضوء الطبيعي واضطررنا للتكيف. على سبيل المثال كان من المخطط لمشهد الرقص في غسق دافئ وفي النهاية كان هناك ضباب وكان الضوء باردا جدا، اليوم أنا سعيدة جدا بالجانب غير الواقعي الذي يمنحه اللون الأزرق لهذا المشهد. الفيلم فرض ضوئه الخاص”.

وفي اعتقاد المخرجة أن الفيلم يمكن أن يلهم ويؤثر في المشاهدين بشكل عام لأننا جميعنا بحاجة إلى أبطال ونماذج للتمسك بهم، وتقول “أعتقد أن ‘ملكات’ يقدم نوعا جديدا من النموذج الأنثوي المغربي”.

كما شاركتنا بنكيران مصدر إلهام خاص أثناء تطوير وإخراج فيلمها “ملكات” الذي يعبث بقواعد الأنواع التي تم تعيينها في أفلام مثل “الغربي”، “الهروب” و”المغامرة”، ويتسلى بدرجة ثانية مفتوحة بالأفلام التي يقتبسها (ثيلما ولويز بالطبع، و”The Sorcerer”، و”A Perfect World”).

وتشير بنكيران إلى أنه بالإضافة إلى هذه الاقتباسات المتنوعة كان الفيلم الذي رافقها أكثر خلال عملية الكتابة هو فيلم “لابيرنث الجنيات”. وقد اكتشفت هذا الفيلم في إحدى دور السينما في بوينس آيرس عندما كانت في الثانية والعشرين من عمرها، وشاهدته بالإسبانية بدون ترجمة، وليست متأكدًة مما إذا فهمت كل شيء في ذلك الوقت، ولكن الفيلم كان له تأثير كبير عليها حتى أنها حصلت على وشم يمثل جنيا خلف أذنها، قائلة “يظل هذا الفيلم بالنسبة إلي مدحًا لقوة الخيال. كان بوصلتي أثناء كتابة ‘ملكات'”.

وتتابع “كنت أيضًا في كثير من الأحيان أفكر في أمير كوستوريتسا الذي ينجح ببراعة في تجميع الأوهام والفكاهة والمغامرة، وعندما أشعر بالخوف من المضي قدمًا بعيدًا جدًا، أفكر في كوستوريتسا وأقول لنفسي ما يزال لدي بعض المجال”.

يسلط فيلم “ملكات” الضوء على مسائل معينة تتعلق بالمجتمع المغربي أو المجتمع العربي بشكل عام، وتنوه مخرجته قائلة “‘ملكات’ هو مفهوم عالمي يمكن أن يتحدث مع أي شخص حول العالم يعيش تحت نظام الأبوية، وتتحكم كل شخصية في مصيرها وتصبح موضوعًا مرة أخرى، يطرح الفيلم أسئلة حول شخصيات نسائية مختلفة في عصر لم ينقض بعد: هل يجب البقاء مطيعات بحكمة في صورة عذراء نقية أم الانفصال عنها من خلال تجربة نوع معين من العار؟ هذا هو الاختيار الذي ستضطر أسماء لاتخاذه، وهو اختيار يتم في العجلة ويجعلها تقفز إلى الجانب الآخر، وهذا الانفصال يأتي بثمن، إنه يجعلها مخالفة للقانون تبدو شجاعة وباسلة”.

وتأمل المخرجة أن يترك فيلمها لدى الجمهور بعد مشاهدته الشعور برحلة عاطفية تحمل طعما قويا من الحرية والعصيان واحتفالا بقوة الخيال.

وتقول حول جديدها السينمائي “أنا حالياً أعمل على فيلم سينمائي جديد والأمور الوحيدة التي يمكنني قولها هي أنه يجري في المغرب بالقرب من البحر”.

13