المختار ولد أجاي وزيرا أول برتبة جنرال في معركة موريتانيا ضد الفساد

ارتياح في صفوف المعارضة لتعيين ولد أجاي.
الثلاثاء 2024/08/06
رجل المرحلة

أبدت قوى المعارضة الموريتانية ارتياحا لتعيين المختار ولد أجاي وزيرا أول، معتبرة أنه الأقدر على قيادة المرحلة ومواجهة كبرى التحديات ومنها محاربة أخطبوط الفساد الذي طال جميع القطاعات، وأعاق لعقود تحقيق نهضة موريتانية.

جذب تعيين الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني مدير ديوانه المختار ولد أجاي وزيرا أول خلفا لسلفه محمد ولد بلال مسعود اهتمام الأوساط السياسية الموريتانية نظرا للخلفية التي ينطلق منها القرار وللأهداف التي يطمح إلى تحقيقها، وخاصة تلك المتعلقة بالحرب على الفساد.

وشغل ولد أجاي عدة مناصب خلال العهدين الأخيرين آخرها منصب مدير ديوان الرئاسة، وتم النظر إلى تعيينه وزيرا أول على أنه خطوة مهمة على طريق الحرب على الفساد التي وعد ولد الغزواني بأن تكون من أبرز أولوياته خلال المرحلة القادمة.

والوزير الأول الجديد من مواليد 1973، وهو خريج المعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي بالمغرب (سلك المهندسين)، وقد شغل في العام 1998 منصب مسؤول نظام المعلومات حول سوق التشغيل في مشروع السياسة الوطنية للتشغيل الممول من طرف برنامج الأمم المتحدة للتنمية، ثم تم تكليفه في العام 2003 بمهمة المتابعة والتقييم في مشروع التهذيب والتكوين ومدير مكتب دراسات متخصصة في مجال الدراسات الإحصائية والاقتصادية، وتم تعيينه في العام 2008 في منصب مستشار وزير التعليم المكلف بالإستراتيجيات وبالمتابعة والتقييم، وعمل مديرا عاما للضرائب من 2010 إلى 16 يناير 2015 تاريخ تعيينه وزيرا للمالية التي أصبحت في فبراير 2016 وزارة الاقتصاد والمالية، واستمر في المنصب إلى حين نهاية عهدة الرئيس الأسبق محمد ولد عبدالعزيز في أول أغسطس 2019، ثم عينه الرئيس ولد الشيخ الغزواني إداريا مديرا عاما للشركة الوطنية للصناعة والمناجم “أسنيم” في سبتمبر 2019 حتى مارس 2021.

ويعتبر ولد أجاي من أكثر الوزراء شعبية في تاريخ مقاطعة “مقطع الحجار” التي يتحدر منها والواقعة علي بعد 365 كيلومترا جنوب شرق العاصمة نواكشوط، وكان فاعلا أساسيا خلال فترة حكم الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز، وأحد الذين تصدروا حملة الرئيس الحالي في يونيو 2019، ليحيل إليه مهمة إنقاذ شركة “أسنيم”، وهو ما نجح فيه بالفعل، حتى أن ولد الغزواني قال عن ذلك إن النتائج التي تحققت خلال عام واحد تدعو إلى الفخر والاعتزاز.

بيرام الداه اعبيد: تعيين ولد أجاي وزيرا أول خطوة في الاتجاه الصحيح
بيرام الداه اعبيد: تعيين ولد أجاي وزيرا أول خطوة في الاتجاه الصحيح

وولد أجاي الذي كان مقربا من ولد عبدالعزيز هو ذاته الذي يحظى اليوم بثقة ولد الغزواني ليصل إلى منصب الوزير الأول انطلاقا من جدارة موقعه كأحد أبرز رموز التكنوقراط في البلاد، ومن نجاعته في إدارة كل ملف يتم تكليفه به، بالإضافة إلى حزمه في محاربة الفساد.

ووصف حزب “الإنصاف” الحاكم تعيين المختار ولد أجاي وزيرا أول بأنه “جد متناغم مع ما تمليه متطلبات المرحلة”. وعبّر الحزب في بيان عن شكره للرئيس ولد الغزواني “على اختياره لأحد أعضاء المكتب التنفيذي للحزب في هذا المنصب الهام”.

وينتظر أن يسلم ولد الغزواني ملف الفساد الثقيل إلى وزيره الأول الجديد ليتولى الإشراف على جميع تفاصيله، وصولا إلى تنفيذ المشروع الاصلاحي الذي يعول عليه الموريتانيون، لاسيما أن البلاد مقبلة على طفرة مالية واقتصادية مهمة نتيجة الإيرادات المنتظرة لصادرات النفط والغاز والموارد الطبيعية الأخرى.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يتضاعف النمو الاقتصادي في موريتانيا ثلاث مرات تقريبًا في عام 2025 مدفوعًا بصادرات الغاز المقرر أن تبدأ في النصف الثاني من هذا العام، ليصل إلى أعلى معدل بالمنطقة والمقدر بـ14.3 في المئة.

واعتبر فيلكس فيشر رئيس بعثة خبراء صندوق النقد الدولي إلى موريتانيا، أن نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.1 في المئة المتوقع لعام 2024 من المتوقع أن يصل إلى 14.3 في المئة في عام 2025 بناءً على عائدات التعدين والغاز من مشروع تطوير تورتو أحميم، مشيرا إلى أنه من المرجح أن يبدأ إنتاج الغاز الأول في النصف الأول من عام 2024، مع توقع تصدير الغاز في النصف الثاني منه، مما سيسهم بشكل إيجابي في نمو الناتج المحلي الإجمالي بدءًا من عام 2024.

ويعتبر مشروع تورتو أحميم للغاز المسال الذي تمتلكه بالتساوي كل من موريتانيا والسنغال من أبرز مشروعات الغاز المرتقبة في أفريقيا، حيث يقدر مخزونه بـ15 تريليون قدم مكعبة من موارد الغاز الطبيعي التي ستنتجها شركة النفط البريطانية بي بي، خلال مدة تقديرية تبلغ 30 عاما.

ولا يمكن فصل ملف محاربة الفساد، عن مسؤوليات ولد أجاي السابقة وخاصة على رأس الشركة الوطنية للصناعة والمناجم، حيث أنه يمتلك معطيات مهمة عن ثروات البلاد والطريقة الأمثل للتصرف فيها من حيث الإنتاج والتصدير وتوفير الظروف الملائمة للاستفادة من ذلك في إدارة عجلة الاقتصاد في بلد يعاني ما يقارب 2.3 مليون شخص، أي 56.9 في المئة من سكانه، من الفقر.

واعتبر زعيم المعارضة والنائب والمرشح للانتخابات الرئاسية الأخيرة، بيرام الداه اعبيد، أن تعيين ولد أجاي وزيرا أول “خطوة في الاتجاه الصحيح، وكسرا لهيمنة الجناح الظلامي وأباطرة المال على النظام”، وفق قوله.

لا يمكن فصل ملف محاربة الفساد، عن مسؤوليات ولد أجاي السابقة وخاصة على رأس الشركة الوطنية للصناعة والمناجم

وأضاف أننا “من موقع المعارضة الحقيقية نتمنى أن ينجح في محاربة الفساد والحوار والتقارب مع المعارضة وفتح الحياة السياسية بالتعارف المتبادل وبالترخيص للأحزاب السياسية”.

وبدوره، أبرز الناشط السياسي المعارض نورالدين ولد محمدو أن اختيار المختار ولد أجاي لتنسيق العمل الحكومي، من أحسن خيارات المرحلة المتاحة لرئيس الجمهورية.

ويجمع أغلب المحللين على أن تعيين ولد أجاي في منصب الوزير الأول، من شأنه أن يحقق نجاعة أكبر في معركة الدولة على الفساد، والتي تعتبر أهم أولويات البرنامج الانتخابي للرئيس ولد الغزواني.

وأكد ولد الغزواني في خطاب تنصيبه لولاة ثانية أن “الحرب على الفساد والرشوة وسوء التسيير هي حرب الجميع، فهي حرب المنظومات الإدارية والقضائية، وحرب أجهزة الرقابة والتفتيش، وحرب النخبة من مثقفين وقادة رأي ومجتمع مدني وصحافة ومؤثرين اجتماعيين”.

وتعهد الرئيس الموريتاني بأن تكون حربه على الفساد خلال مأموريته الثانية “حربا مصيرية لا هوادة فيها”، مذكرا بأن “نجاعة السياسات العمومية في خدمة الشباب والمواطن عموما رهينة بقيام حكامة رشيدة”، وشدد على أنه “لا تنمية ولا عدل ولا إنصاف مع الفساد”.

ولد الغزواني يسعى إلى الاستفادة من الكفاءات الوطنية في المعركة التي يقودها ضد الفساد

ويعتقد المحلل السياسي محمد الأمين الفاضل أن ولد أجاي سيحارب الفساد بصرامة من دون إحداث مشاكل وتوترات جانبية للنظام، تماما كما فعل في فترة إدارته للضرائب.

ويرى الفاضل أن على ولد أجاي أن يبتعد عن سياسة الأحلاف المحلية، وألا يحشر نفسه في حزب الإنصاف، حتى وإن كان هو الحزب الأكبر في الأغلبية، بل عليه أن ينفتح على كل داعمي الرئيس، وذلك بعد أن تم اختياره وزيرا أول لتنفيذ التزامات الرئيس التي صوت عليها 56.12 في المئة من الموريتانيين.

وتحتل موريتانيا المرتبة 130 عالميا من أصل 180 على مؤشر الفساد لعام 2022، بحصولها على 30 نقطة من أصل 100، وفقا لتقرير صادر عن منظمة الشفافية الدولية.

وفي شهر فبراير 2023 أعلنت الحكومة المصادقة على الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الرشوة والممتدة على الفترة ما بين عامي 2023 و2030، والمؤسسة على تقييم لوضعية مكافحة الفساد في موريتانيا منذ عام 2010، وعلى الأنشطة التي تم الشروع فيها منذ عام 2019 تاريخ وصول الرئيس الغزواني إلى الحكم.

واعتبر نقيب الهيئة الوطنية للمحامين الموريتانيين بونا ولد الحسن إن اختيار ولد أجاي لمنصب الوزير الأول جاء انطلاقا من إدراك الرئيس ولد الغزواني أن “الديمقراطية تحتاج كفاءات في إدارة الشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وإلا تحولت إلى مصطلح هزيل المضمون يستخدم بريقا لتخدير الشعوب، فارغ من مضمون يخوله إسنادا من إرادة شعبية مؤمنة مستعدة لحمايته متحمسة للذود عنه”.

وقال ولد الحسن إن من حق الناس التساؤل في مطلع مأمورية جديدة عن ملامح المرحلة المقبلة، والبحث عن الخطة التي يمكن لكل مواطن اعتبارها سببا لازدهار البلد وسعادة مواطنيه.

أنصار الرئيس السابق السجين محمد ولد عبدالعزيز رحبوا بتعيين ولد أجاي وزيرا أول للبلاد

وأضاف أنه لم يطل الانتظار، حيث ألقى الرئيس ولد الغزواني “خطابا كان عصارة لحقب ممتدة، وتصورا لمستقبل منظور”، مضيفا أنه “ركز على محاربة الفساد، ولذلك دلالة لا تخطئها الملاحظة”.

ورحب أنصار الرئيس السابق السجين محمد ولد عبدالعزيز بتعيين ولد أجاي وزيرا أول للبلاد، نظرا لتجربته السابقة المتميزة قبل وصول ولد الغزواني إلى منصب الرئيس في العام 2019، ومن ذلك إشرافه على حقيبة الاقتصاد والمالية بعد نجاحه في إدارة ملف الضرائب.

واعتبر المحامي محمدن ولد أشدو عضو لجنة الدفاع عن ولد عبدالعزيز أن تعيين المختار ولد أجاي في منصب الوزير الأول “قد يشكل بارقة أمل وضوءا في آخر النفق السحيق المظلم الذي تردت فيه موريتانيا خلال خمسية الفساد المكعب والخراب الشامل”، وفق تعبيره، واصفا ولد أجاي بأنه من أكفأ وأقدر وأقوى أطر موريتانيا الحديثة، وأنه وحده من بين المحيطين اليوم برئيس الدولة من يستطيع – إن خلصت النية، وتوفرت الإرادة السياسية – إخراج موريتانيا من الدرك السحيق الذي وصلت إليه، معتبرا أن موريتانيا اليوم في خطر شديد، وتحتاج إلى خطة عمل جدية تبدأ بوضع حد للانهيار، وتضع سلما للصعود من الهاوية، وفق تقديره.

وكان القضاء الموريتاني أعلن في يونيو 2022 قراره وقف الإجراءات القضائية بحق ولد أجاي، والنص على تبرئته الكاملة من التهم المنسوبة إليه في ملف تحقيق العشرية بعد عام من الانتظار، وعامين من فتح تحقيق برلماني شامل في فترة تسيير الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز وطاقمه الوزاري للبلاد خلال العشرية الأخيرة.

وسبق لولد أجاي ان أعلن عشية الزج به في الملف ثقته الكاملة في القضاء الموريتاني. قائلا إنه واثق كل الثقة من البراءة، ومستعد لمواجهة كل التهم المنسوبة إليه، ولديه الوثائق اللازمة لتعزيز موقفه والدفاع عن تسييره للقطاع الذى أداره لبضع سنين، معلنا أن ذمته المالية هي ما صرّح بها يوم مغادرته للحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي، ومعربا عن تحديه لأيّ شخص أو كيان يمكنه جلب معلومة تفنّد ما ذهب إليه.

وفي ديسمبر 2023 قضت محكمة في نواكشوط بحبس الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبدالعزيز خمس سنوات، في قضية استغلال منصبه بهدف الإثراء غير المشروع، وذلك بعد أن تم إخضاعه صحبة عشرة أشخاص بينهم رئيسان سابقان للحكومة ووزراء سابقون ورجال أعمال للملاحقة القانونية بتهم “الإثراء غير المشروع”، و”إساءة استخدام المناصب”، و”استغلال النفوذ”، و”غسيل الأموال”.

ويسعى الرئيس ولد الغزواني إلى الاستفادة من الكفاءات الوطنية في المعركة التي يقودها ضد الفساد والتي سيكون لها دورها في تحديد معالم مستقبل البلاد، وكذلك في توفير الدعم الشعبي لأي إصلاحات سياسية ودستورية جديدة قد يتم الإعلان عنها لاحقا.

4