المخاوف من غلق حقول النفط تجبر المجلس الرئاسي في ليبيا على التراجع عن موقفه بخصوص المصرف المركزي

طرابلس - تتجه الأوضاع في ليبيا إلى المزيد من التعقيد في حال عدم التوصل إلى حل سياسي لأزمة المصرف المركزي، في ظل مخاوف من اتجاه سلطات المنطقة الشرقية إلى غلق الحقول والموانئ النفطية كرد على إصرار المجلس الرئاسي على الإطاحة بالمحافظ الصديق الكبير ومساعده ومجلس الإدارة الحالي في سياق ما بات يسمى بمعركة لي الذراع بين رأسي السلطتين التنفيذية والتشريعية في البلاد.
وفي الأثناء، قال مكتب الإعلام بمصرف ليبيا المركزي إن موظفي المصرف سيستأنفون العمل من المقر بالعاصمة طرابلس اعتبارا من يوم الأحد المقبل، وذلك بعد منح الموظفين إجازة يومي الأربعاء والخميس حفاظا عليهم وعلى ممتلكات المصرف.
وأوضحت مصادر مطلعة أن موظفي المصرف توقفوا عن العمل لمدة يومين بسبب وجود تهديدات باقتحام الفرع المركزي بالعاصمة طرابلس بالقوة من قبل قوات أمنية تابعة لحكومة الوحدة الوطنية بهدف تنصيب المسؤولين المعينين من قبل المجلس الرئاسي، فيما شهد الوضع المالي والتقني استقرارا، واستمرت منظومات المصرف المركزي في العمل بفاعلية، بما في ذلك منظومة المصرف المركزي المتعلقة بالنقد الأجنبي لكل الأغراض التي كانت تعمل دون مشاكل تذكر.
وبحسب مراقبين، فإن العلاقات بين الرئاسي والنواب وصلت إلى مرحلة القطيعة التامة، لاسيما بعد أن قال المجلس الرئاسي في تعميم على كافة البعثات والسفارات الأجنبية في ليبيا إنه يواجه “تحديات أمنية في طرابلس بسبب العرقلة والتأزيم والقرارات الأحادية التي يتخذها البرلمان من بنغازي”، وإن “البرلمان لم يحقق التوافق اللازم لتوحيد المركزي أو تعيين محافظ جديد للمصرف بالتنسيق مع مجلس الدولة”، معتبرا أن الصديق “الكبير عقّد الأزمة ولم يظهر استجابة كافية لحلول وسط للأزمة الراهنة ترتكز على مجلس إدارة مكتمل والانصياع للجنة مالية مشتركة وترتيبات مالية موحدة”.
القائمة بأعمال بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا ستيفاني خوري دعت إلى حل أزمة مصرف ليبيا المركزي عبر الحوار
وأكد الرئاسي أنه يعتزم تشكيل مجلس إدارة للمركزي من كفاءات تكنوقراطية وتمكين المحافظ المنتخب من مجلس النواب والمقبول من قبل مجلس الدولة من ممارسة مهامه بصفة مؤقتة لضمان استقرار طرابلس، وأضاف أن هذا التدبير مؤقت سيظل قائما حتى التوافق على محافظ جديد وفق الاتفاق السياسي حال قرر البرلمان العودة إلى الاتفاق بعد الإجراءات الأحادية غير الدستورية التي اتخذها مؤخرا بخصوص عدم قبوله بالاتفاق ومسار جنيف، مردفا “إجراءاتنا تهدف إلى تعزيز الإصلاحات المالية وتطبيق التدابير الضامنة للاستدامة المالية والشفافية وحزمة من الإصلاحات الاقتصادية وتدابير تضمن استقلالية ونزاهة مؤسسة النفط”، وفق نص التعميم.
واعتبر رئيس الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب أسامة حماد أن هناك من يحاول السيطرة على المصرف المركزي لتحقيق مآرب شخصية غير مشروعة بالمخالفة للتشريعات والقرارات الصادرة بالخصوص والقفز على الجهود التي بذلت لتوحيد المؤسسات المالية والموازنة العامة، لتحقيق مبدأ الوضوح والشفافية في الإنفاق العام، مؤكدا أن هذه المحاولات المشبوهة من شأنها زيادة حالة التشظي والانقسام والتأثير سلبا في الاقتصاد الليبي وتعريض المركز المالي للدولة للخطر في مواجهة الأسواق العالمية.
وخلال الاجتماع العادي للعام 2024، بمراقبي ومدراء مكاتب الخدمات المالية من كافة مدن ومناطق شرق وغرب وجنوب البلاد، والذي شهد بحث آلية تنفيذ الميزانية العامة للعام 2024 ومتابعة أوجه الصرف ومناقشة آلية إعداد الموازنة العامة للعام 2025 والتقيد بالنماذج المعتمدة بالمنظومة ومراعاة أصول التقديرات وفق النافذ من القوانين، بالإضافة إلى بحث آلية تسجيل الأصول بالمراقبات وتحصيل ومتابعة جباية الإيرادات بالمراقبات ومكاتب الخدمات المالية، قال حماد إن هذه التحركات المشبوهة تسببت في أزمات خانقة ومرهقة للمواطنين سواء في ما يتعلق بانعدام الثقة في المعاملات المصرفية أو نقص أو شح السيولة النقدية، أو نقص حاد في المحروقات أدى إلى تدهور أوضاع الشبكة الكهربائية وازدياد ساعات انقطاعها نتيجة لنقص الوقود في محطات التوليد وتسبب في تفاقم حالات الازدحام على محطات توزيع الوقود للمواطنين في كافة ربوع البلاد، مؤكدا أن حكومته لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه المحاولات والممارسات غير القانونية للسيطرة على مركز المال ومقدرات الشعب ومحاولات الاستحواذ على عوائد وإيرادات الدولة وتبذيرها بشكل غير مسبوق، والتي تؤدي إلى انهيار الاقتصاد الوطني، مشيرا إلى استعداد الحكومة لاتخاذ كافة الإجراءات والقرارات والخيارات، دون أي استثناء، والتي تمنع إهدار أموال الشعب، وتمنع وصولها إلى أي جهة خارجة عن الشرعية والمشروعية.
"واشنطن تايمز" ترى أن إزاحة محافظ المصرف المركزي من منصبه من شأنه أن يضع ليبيا في منطقة مجهولة
ورأت صحيفة “واشنطن تايمز”، الأميركية أن إزاحة محافظ المصرف المركزي من منصبه من شأنه أن يضع ليبيا في منطقة مجهولة ومن غير المرجح أن تعترف المؤسسات المالية الدولية بمحافظ جديد تم تعيينه بالقوة وتمر كل عائدات النفط الليبي عبر المصرف المركزي الذي يدفع أيضا رواتب موظفي الحكومة التي يعتمد عليها العديد من الليبيين في ظل الحكومتين المتنافستين، وأضافت أن عمليات نشر جماعات مسلحة خارج المصرف المركزي دفعت المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى ليبيا ريتشارد نورلاند إلى إصدار بيان وصف فيه التهديدات الموجهة لموظفي المصرف وعملياته بأنها “غير مقبولة”.
وحذر من أن محاولة الإطاحة بقيادة المصرف قد تؤدي إلى قطع وصول ليبيا إلى الأسواق المالية الدولية.
وفي تأكيد على تمسكه بموقفه، أصدر مجلس النواب القرار رقم 7 لسنة 2024، القاضي بإلغاء قرار تعيين محمد الشكري، محافظا لمصرف ليبيا المركزي، الصادر سنة 2018، وباستمرار الصديق الكبير، محافظا لمصرف ليبيا المركزي، ومرعي البرعصي نائبا له، وتكليف باقي أعضاء مجلس إدارة المصرف، خلال 10 أيام من تاريخ هذا القرار.
وبحسب محللين، فإن أي محاولة من الرئاسي للتدخل بقوة لتنصيب محافظ جديد بدلا من الكبير ستقابل برد فعل ميداني غير منتظر من عدد من الميليشيات الكبرى في المنطقة الغربية، وبردود فعل سياسية داخلية وخارجية تعيد صياغة المشهد الحالي بما لا يخدم مصلحة السلطات الحالية القائمة في طرابلس.
متابعون يرجحون أن يختار المجلس الرئاسي التراجع عن موقفه، والقبول ببقاء الوضع على ما هو عليه، وذلك خشية الدفع بالبلاد إلى المجهول
وأكد رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب الليبي طلال الميهوب أن تصرفات الأطراف المتصارعة في غرب البلاد التي وصفها بالعبثية لن تخلق إلا الفوضى وستزيد من تعقيد الأزمة، داعيا محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير إلى نقل مقر المصرف إلى بنغازي لضمان سير العمل المالي وللحافظ على “قوت الليبيين”.
وقال الميهوب، في تصريحات صحفية، إن “التصرفات العبثية التي تقوم بها الأطراف المتصارعة في غربي البلاد لن تسفر إلا عن فوضى عارمة ستكون نتائجها كارثية، مما يعمق الأزمة ويعقد الحلول”، مشيرا إلى أن “ما يقوم به المجلس الرئاسي في طرابلس يُعد عبثا سياسيا لا مبرر له ولا قيمة قانونية له”، داعيا إلى نقل مقر المصرف إلى بنغازي لضمان استمرارية العمل المالي في البلاد بسلاسة وفعالية وللحفاظ على قوت الليبيين، لافتا إلى أن المقر، دستوريا، هو في بنغازي.
وفي الأثناء، دعت القائمة بأعمال بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا ستيفاني خوري إلى حل أزمة مصرف ليبيا المركزي عبر الحوار خلال لقائها رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، وأشارت البعثة الأممية إلى أن الطرفين ناقشا الحاجة الملحة إلى حوكمة مسؤولة وشفافة للمصرف المركزي، كما أكدت خوري أهمية التوزيع العادل للموارد بين جميع الليبيين.
ورأى جاب الله الشيباني، عضو مجلس النواب، أن البعثة الأممية بدعم من الدول المتنفذة في المشهد الليبي تبارك تحول المجلس الرئاسي من دور الوسيط المقبول والمستمع إليه من جميع الأطراف إلى طرف رئيسي في الصراع والمناكفات والفعل السلبي ورد الفعل، وقال “هكذا يتوقف قطار المصالحة الوطنية ويستمر تدوير الأزمة الذي يرغبه الغرب ومن لف لفهم من الليبيين” وفق تعبيره.
ويرجح متابعون للشأن الليبي أن يختار المجلس الرئاسي التراجع عن موقفه، والقبول ببقاء الوضع على ما هو عليه، وذلك خشية الدفع بالبلاد إلى المجهول، وهو ما حذرت منه أطراف دولية وقوى داخلية كانت لها اتصالات متلاحقة خلال اليومين الماضيين بمختلف الفرقاء الليبيين.
اقرأ أيضاً: