المخابرات التركية تلجأ إلى اعتقالات لتغطية علاقتها بالبغدادي

أنقرة تعوم الشكوك بشأن تحرك زعيم داعش إلى إدلب.
الثلاثاء 2019/10/29
فجأة صارت لدينا كل المعلومات عن البغدادي ومساعديه: الشاحنة التي قتل فيها الناطق الإعلامي لداعش

أنقرة - تحاول تركيا تطويق مقتل زعيم داعش أبي بكر البغدادي وتداعياته من خلال موجة من الاعتقالات ضد عناصر أجنبية في مسعى لإظهار أن أنقرة شريك في الحرب على الإرهاب وتبديد الشكوك والأسئلة التي باتت تتوسع بشأن كيفية وصول البغدادي إلى إدلب، إلى منطقة واقعة تحت المراقبة التركية وفق اتفاق خفض التصعيد مع روسيا وإيران.

وقامت السلطات التركية باعتقال عشرين أجنبيا للاشتباه بأنهم على صلة بتنظيم داعش. وقالت وكالة الأناضول الرسمية إن المشتبه بهم اعتقلوا في مداهمات فجر الاثنين بالعاصمة أنقرة وأن الشرطة ستسلمهم لسلطات الهجرة لترحيلهم بعد انتهاء المسؤولين الأمنيين من الإجراءات القانونية.

وجاءت هذه الاعتقالات في وقت كثف فيه المسؤولون الأتراك من التحركات والتصريحات الخاصة بمقتل البغدادي، في خطوة بدا أن الهدف الظاهري منها هو إبراز الدور التركي في الهجوم الذي قاد إلى تصفية زعيم داعش والمحيطين به.

وأظهرت الخطوات التي لجأت إليها أنقرة، منذ الإعلان عن مقتل البغدادي، وتجاهل الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحديث عن دور تركي في هذه العملية، انزعاجا تركيا جليا تحسبا لتساؤلات بدأت تتسع دائرتها عن سبب وجود زعيم داعش في منطقة يفترض أن تركيا تشرف عليها أمنيا، وهو ما يعني إما عجزا استخباريا أو وجود تواطؤ تركي سهل تسلل البغدادي إلى إدلب، وفي الحالتين تتحمل أنقرة المسؤولية المباشرة عن تحرك قيادات مطلوبة دوليا بسهولة.

وفي وقت تتمسك تركيا فيه بأن لها دورا مهما في العملية، كشفت تصريحات الرئيس الأميركي أن هذا التنسيق لم يكن ذا قيمة استخبارية، وأنه تم تحت الضرورة.

وفي حديثه عن “الدور التركي”، قال ترامب “استخدمنا الأجواء التركية لمدة قصيرة.. لو فتح الأتراك النيران علينا لاضطررنا إلى القضاء عليهم أيضا وحدثت أشياء سيئة.. كانوا جيدين.. لم يحدثوا أي مشاكل”.

ويكشف كلام ترامب أن العلاقة الأميركية التركية في ملف مكافحة الإرهاب ليست جيدة، وأن واشنطن قد تكون أعلمت أنقرة بأمر الهجوم في آخر لحظة، وهو ما يعني وجود شكوك أميركية قوية في أن تركيا ليست متعاونة.

البغدادي قتل في منطقة تحت الحماية التركية
البغدادي قتل في منطقة تحت النفوذ التركي

ومن شأن الشكوك الأميركية أن تبدد ما تحاول أنقرة أن تقنع به العالم من أنها شريك في الحرب على الإرهاب، خاصة في ظل الاتهامات الموجهة لها بأنها توظف ملف الإرهاب في ابتزاز العالم سواء في قضية اللاجئين، أو لتبرير الهجوم على شمال شرق سوريا.

وإذا فشل الأتراك في تقديم رواية مقنعة عن سر وجود أهم شخصية مطلوبة دوليا في مناطق نفوذهم، فإن ذلك قد يقود إلى اهتزاز علاقاتهم ليس فقط مع الولايات المتحدة ودول أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا، ولكن أيضا، وهذا الأهم مع روسيا التي قد تضطر إلى مراجعة التنسيق مع تركيا في جهود خفض التصعيد أو في البحث عن حل سياسي للملف السوري وفق أرضية سوتشي.

ويقول محللون وخبراء إن مقتل البغدادي في إدلب يعني أن أنقرة لم تف بالالتزامات التي تعهدت بها خلال الاتفاق على مناطق خفض التصعيد، وأن حديثها عن محاربة الإرهاب وتفكيك الجماعات المتشددة في منطقة المراقبة الخاصة بها لا يعدو أن يكون مجرد وعود.

ولمقاومة هذه الضغوط، سارت أنقرة في اتجاه مخالف تماما، إذ تسعى للظهور بمظهر البعيد عن ملف الجماعات الإرهابية، من خلال الدعوة إلى الكشف عن خفايا البحث الذي تقوم به الولايات المتحدة قبل العملية وبعدها، وهو بحث قد يشير من قريب إلى دور تركي ليس في المساعدة على مقتل البغدادي، ولكن في ما يتعلق بسهولة الحركة لدى المتشددين في إدلب خاصة بعد الهجوم التركي الأخير الذي قد يكون البغدادي استغله للانتقال من مكان إلى آخر.

ودعا رئيس دائرة الاتصال لدى الرئاسة التركية، فخرالدين ألطون، إلى فتح تحقيق حول التحركات والاتصالات الأخيرة للبغدادي، قبيل مقتله فجر الأحد، إثر عملية لقوة أميركية خاصة بريف إدلب.

جاء ذلك في سلسلة تغريدات نشرها ألطون عبر حسابه على موقع “تويتر”.

وأضاف أن مقتل زعيم داعش، يعدّ نجاحا كبيرا بالنسبة لجميع عمليات مكافحة الإرهاب حول العالم، واصفا الحادثة بأنها خطوة هامة لهزيمة “داعش” بشكل نهائي في المنطقة.

وشدد المسؤول التركي على ضرورة استمرار عمليات مكافحة الإرهاب دون انقطاع، مبينا أن “تركيا التي كانت هدفا للهجمات الكبيرة لداعش منذ ظهوره، كافحت ضد هذا التنظيم بكل إمكاناتها”.

وفضلا عن موقف ألطون الذي حاول تبرئة بلاده من الشكوك الدولية بشأن تقاعسها في تتبع شبكات الإرهاب، أبدت وكالة الأناضول الرسمية “حماسا كبيرا” في تتبع تفاصيل الهجوم الأميركي من خلال نقل شهادات لشهود عيان عن تفاصيل العملية، وخاصة من خلال نشر صور تفصيلية من موقع الهجوم.

ونشرت الوكالة ما قالت إنه مشاهد جوية لموقع العملية الأميركية. وأظهرت المشاهد المصورة بطائرة “درون”، مشاهد لتدمير 3 منازل وخيام محترقة حولها، بالقرب من قرية باريشا في محافظة إدلب.

كما أظهر المقطع حفرا بالقرب من أشجار الزيتون، ناتجة عن استهداف 8 مروحيات أميركية وطائرتين مسيرتين لموقع البغدادي على مدى 90 دقيقة، والتي قوبلت بمقاومة من الأرض عبر أسلحة ثقيلة.

1