المحرر الثقافي.. مستبدا

الأربعاء 2013/09/11

لا أعتقد أن أحدا ممن يشتغل في الشأن الثقافي يفتقد الإخلاص لبناء ثقافة إنسانية شاملة ميزتها الإبداع المتطور والمتقدم من شتى الأفكار المنتجة لبهاء إنساني يزيّن الوجود. والأفكار المنتجة هذه تضم كل ميادين الكتابة من رواية وقصة وشعر ومقالة مع المحافظة على كل شرط من شروط هذه الفنون، على قاعدة التجديد وضد التحجر. وكل جديد لابد أن يقابل بعاصفة من الأسئلة قد لا تهدأ طيلة ردح من الزمان.

هذه الرؤية للمشهد الثقافي تبدو تقليدية وساذجة، لكن لا بأس من تكرارها وتأكيدها أمام التسلل الخفي في صناعة نشر الإبداع.

ولكن من يحدد قيمة المُبْدَع من الأفكار شكلا ومضمونا؟

إن الجواب السريع والبديهي عن هذا السؤال: إن الناقد هو من يتحمّل عبء هذه المسؤولية الفضفاضة، لما يفترض أنه يتمتع بثقافة عالية وبما يحمل من شهادات اختصاص… ولكن برأيي أن الناقد يعاني كما يعاني بقية المبدعين من وجود الفرص في عرض أفكارهم. ولتأكيد هذا الرأي فإن نظرة فاحصة على الصفحات الثقافية في الصحافة العربية تجعل المتفحّص يكتشف ندرة النقاد بين مجموع المحررين الثقافيين لهذه الصفحات، وأن النقاد قد تخلوا أو على الأرجح قد أجبروا على التخلي عن القيام بدورهم لصالح المحرر الثقافي الذي استمد سلطة مما يتوفر للصحافة كسلطة رابعة.

فمادة الناقد المعروضة للنشر مثلها مثل أي مادة أخرى خاضعة لتقييم وقرار المحرر الثقافي في أن تأخذ أو لا تأخذ طريقها إلى النشر. والتقييم هنا ليس بالضرورة أن يجري حسب جودة المادة الأدبية بمقدار تقارب أو تماهي الكاتب مع المحرر الثقافي، الذي هو بالأساس كاتب أو شاعر عادي منحته الوظيفة أن يتعالى على أقرانه من المبدعين.

إذن نحن أمام استبداد مطلق، وليد منطق غير ثقافي أساساً يقوم على المصلحية والشللية المؤدية إلى المنافع المشتركة وذلك على حساب العملية الإبداعية وتطورها. فما بالك لو أن محررا ثقافيا امتطى ظهر صحيفة لأكثر من عشر سنوات وربما لعشرين سنة، ومع كل سنة ينمو ويترعرع النرجس في دواخله.

ألا يصبح داخله غابة نرجس متشابكة؟

إلى حد أن العصافير الصغيرة لا تستطيع الطيران في أجوائها!

حيث ستمنعها نرجسيته العالية، وستحوّله إلى طاغية. وحينها ألا يستطيع فرض نوع من الخوّة على من يريد الطيران في فضائها؟

وبعد ذلك كيف لنا أن نرى إبداعاً سليماً ومعافى من التشوّهات؟

وأول هذه التشوهات هو تكريس الأسماء على أساس حزبي وعشائري، وللأسف هو أساس لا تمضي الحياة العربية دونه، وإلى الآن لم تستطع الحياة العصرية الانفلات منه لصالح ثقافة إنسانية تخترق الحدود.

هذا النمط من أصحاب المنطق القهري من المحررين الثقافيين موجود حقا في صحافتنا العربية، وفي خاطري أسماء عديدة لا مجال لذكرها الآن وهي قد تربعت على كرسي مهنتها عبر أجيال ثقافية. ويكاد يكون هذا النمط هو السائد شرقا وغربا وفي المهجر… محررون متحررون من التواضع بأيديهم ما هو أقطع وأمضى من مقص الرقيب السلطوي.

14