المجلس الرئاسي في ليبيا يتهرب من مبادرة أممية لنزع فتيل أزمة المصرف المركزي

مجلس النواب يربط استئناف إنتاج النفط باستعادة محافظ المصرف لمهامه القانونية.
الأربعاء 2024/08/28
حصار مفروض على المصرف

تثير الأزمة المتصاعدة في ليبيا حول إدارة المصرف المركزي مخاوف دولية وأممية من خروجها عن السيطرة، في ظل عمليات شد حبال بين المجلس الرئاسي ومن خلفه حكومة الوحدة الوطنية، وبين باقي الفرقاء الرافضين لقرار حل الإدارة الحالية للمصرف.

طرابلس - اتسعت رقعة الخلافات السياسية والاحتقان الميداني بين الفرقاء الأساسيين في ليبيا حول ملف المصرف المركزي مع تشكل ملامح انقسام مالي ومصرفي جديد، وما قد ينتج عنه من عقوبات دولية أو من تراجع ثقة المؤسسات المالية العالمية بالمؤسسة المصرفية الليبية. ولا يبدو أن المجلس الرئاسي الذي تسبب في نشوب الأزمة بوارد نزع فتيلها، رغم الضغوط الدولية والأممية، وسط اتهامات لرئيس المجلس محمد المنفي بالخضوع لرئيس حكومة الوحدة في طرابلس عبدالحميد الدبيبة.

وأكدت مصادر مطلعة من العاصمة طرابلس لـ”العرب” أن أيّ قرار بإقصاء الصديق الكبير من منصبه كمحافظ للمصرف المركزي لا يمكن أن يكون إلا بالتوافق، فالكبير الذي يتولى المنصب منذ 13 عاما، هو الذي يمتلك أسرار وتفاصيل منظومات الوضع المصرفي في ليبيا ومسارات ثروة الليبيين في الداخل والخارج، كما أنه على اطلاع كامل على حركة الحسابات الليبية الجارية والمجمدة، وأيّ محاولة للضغط عليه يمكن أن تأتي بنتائج عكسية .

وفي محاولة منها لحلحلة الأزمة، أطلقت البعثة الأممية مبادرة لعقد اجتماع طارئ تحضره الأطراف المعنية بأزمة مصرف ليبيا المركزي للتوصل إلى توافق، وسارعت واشنطن إلى تأييد المبادرة، واعتبرت السفارة الأميركية أن الخطوة “تمهد الطريق إلى الأمام لحل الأزمة المحيطة بمصرف ليبيا المركزي”، داعية “جميع الأطراف إلى اغتنام هذه الفرصة”.

ولفتت السفارة الأميركية في ليبيا إلى أن التوترات تصاعدت في الأيام الأخيرة، مما أدى إلى تقويض الثقة بالاستقرار الاقتصادي والمالي في البلاد في نظر المواطنين الليبيين والمجتمع الدولي، وأثارت احتمالات المزيد من المواجهات المدمّرة، مشددة على أن التقارير عن الاعتقال التعسفي وترهيب موظفي المصرف المركزي مثيرة للقلق بشكل خاص ويجب محاسبة المسؤولين بشكل صارم.

وكانت البعثة الأممية أعلنت أنها عقدت اجتماعا طارئا مع جميع الأطراف المعنية بأزمة مصرف ليبيا المركزي، وذلك بهدف التوصل إلى توافق يعتمد على الاتفاقات السياسية والقوانين المعمول بها، مع الحفاظ على مبدأ استقلالية المصرف المركزي وضمان استمرارية الخدمات العامة.

ودعت إلى اتخاذ خطوات عاجلة تشمل تعليق جميع القرارات الأحادية المتعلقة بمصرف ليبيا المركزي ورفع حالة القوة القاهرة عن حقول النفط فورا، والامتناع عن استخدام العائدات النفطية لأغراض سياسية إضافة إلى وقف التصعيد وتجنب استخدام القوة لتحقيق أهداف سياسية أو مصالح فئوية وضمان سلامة موظفي مصرف ليبيا المركزي وحمايتهم من التهديدات والاعتقالات التعسفية.

◙ البعثة الأممية أطلقت مبادرة لعقد اجتماع طارئ تحضره الأطراف المعنية بأزمة مصرف ليبيا المركزي للتوصل إلى توافق

وأشارت البعثة إلى أن حل الأزمة يشكل ضرورة ملحة لتهيئة بيئة مواتية لعملية سياسية شاملة تحت رعاية الأمم المتحدة وبدعم المجتمع الدولي، مؤكدة أن هذه العملية تهدف إلى إعادة ليبيا إلى مسار الانتخابات الوطنية والتوصل إلى اتفاق على حكومة موحدة، مما يسهم في إنهاء التآكل في الشرعية المؤسسية والانقسامات التي تعصف بالبلاد.

وأبدى المجلس الرئاسي تعنتا في الرد على المقترح الأممي، وأكد في بيان أنه اتخذ قراره مجتمعا لتعزيز سيادة القانون واختيار محافظ للمصرف المركزي يتمتع بالنزاهة والكفاءة، مرفقًا بقرار آخر بتشكيل مجلس إدارة للمرة الأولى منذ سنوات طويلة.

وأضاف “مارسنا اختصاصنا بالاتفاق السياسي بتعيين كبار الموظفين محققين التمثيل السياسي الواسع للقوى والأطراف كافة بما انعكس عنه تحقيق الاستقرار دون التخلي عن الخبرة والكفاءة لعناصره”، داعيا جميع الأطراف السياسية للتحلي بروح المسؤولية الوطنية والحفاظ على سمعة البلاد من مزاعم الاقتحام والاستيلاء على المؤسسات السيادية التي لا تستقيم مع الإجراء القانوني الذي قامت به لجنة وزارية تحت إشراف وزير الداخلية”.

ودعا المجلس الرئاسي في بيان مجلس النواب للعودة إلى الاتفاق السياسي الذي جمده بقرار أحادي واختيار محافظ للمصرف المركزي في جلسة قانونية علنية وشفافة بالتشاور مع المجلس الأعلى للدولة، معبرا عن تفهمه لقلق البعثة الأممية في ليبيا بسبب حدوث التباس في توصيف قرار المجلس بشأن تكليف محافظ للمصرف المركزي.

وتسبب قرار المجلس الرئاسي في اتخاذ الحكومة المكلفة من البرلمان والمدعومة من قبل الجيش بإغلاق حقول النفط في الشرق حيث تقع معظم الحقول. وقال رئيس مجلس النواب عقيلة صالح الثلاثاء إن منع تدفق النفط والغاز سيستمر “إلى حين رجوع محافظ مصرف ليبيا المركزي لممارسة مهامه القانونية”.

وكانت القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ستيفاني خوري اجتمعت الاثنين مع القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر الذي أكد “على عدم السماح بالمساس بمؤسسة مصرف ليبيا المركزي العريقة”، وعلى “ضرورة احترام الجهات الشرعية والدستورية المخولة بالنظر في المناصب السيادية ومن بينها منصب محافظ مصرف ليبيا المركزي، وذلك وفقا لمخرجات الاتفاق السياسي الذي ترعاه بعثة الأمم المتحدة في ليبيا".

وأعرب حفتر عن رفضه للإجراءات غير القانونية التي قامت بها أطراف سياسية فاقدة للشرعية ولا تملك أيّ صلاحيات بالخصوص" في إشارة إلى المجلس الرئاسي، محملاً "إياها المسؤولية الكاملة عن الأزمات التي يعاني منها الشعب الليبي بسبب تلك القرارات". وينتظر أن تطغى أزمة مصرف ليبيا المركزي على الجلسة العامة التي سيعقدها مجلس الدولة الأربعاء لاستئناف انتخابات هيئة الرئاسية في ظل استمرار الخلاف حول نتائج انتخاب الرئيس بين محمد تكالة وخالد المشري.

وحذر عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة من التداعيات الخطيرة لتكليف المجلس الرئاسي لمحافظ جديد للمصرف المركزي واصفا إياه بقرار أحادي الجانب، ومؤكدا أن الرئاسي سيتحمل العواقب التاريخية لهذا القرار. وأشار بن شرادة في تصريحات صحفية إلى أن المحافظ الحالي لا يزال يحتفظ بمنظومات المصرف وقد يستمر في ممارسة مهامه من خارج ليبيا، وأضاف أن هذه الخطوة من قبل المجلس الرئاسي منحت المجتمع الدولي ذريعة للتدخل، حيث يسعى منذ عام 2011 إلى السيطرة على موارد الدولة الليبية بحجة الانقسامات الداخلية.

◙ قرار المجلس الرئاسي تسبب في اتخاذ الحكومة المكلفة من البرلمان والمدعومة من قبل الجيش بإغلاق حقول النفط في الشرق

وأكد بن شرادة أن الوضع في ليبيا يزداد سوءا، معتبرا ما يحدث كارثة حقيقية قد تؤدي إلى إغلاق البنوك العالمية أبوابها أمام البلاد، وأشار إلى أن مجلسي الدولة والنواب سيعملان في الفترة المقبلة على التوصل إلى اتفاق بشأن تعيين المناصب السيادية لتجنب المزيد من التصعيد والانقسامات.

وقالت إدارة المصرف أن المقر الرئيسي "شهد الثلاثاء، اقتحاما لليوم الثاني، لتنفيذ قرار غير قانوني، صادر عن المجلس الرئاسي، بشأن تغيير إدارة المصرف"، وأوضحت في بيان، أن “هذا الأمر يعرّض المصرف وأصوله وحساباته وأنظمته وعلاقاته الخارجية وسمعته للخطر"، مشيرة إلى "أن الواقعة تؤدي إلى تعطيل عمل المصرف، وعدم تمكينه من تنفيذ مرتبات أغسطس، وفتح تغطية الاعتمادات المستندية، والحوالات الشخصية"، وفق نص البيان.

ورأى المتحدث السابق باسم مجلس الدولة الاستشاري السنوسي إسماعيل أن "انتقال إدارة المصرف المركزي تكون بحضور الكبير لتسليم السويفت لتصبح كل إدارات المصرف تحت إدارة الشكري”، وأضاف أن “إدارة العمل المصرفي تعني تسليم أنظمة مثل السويفت والمقاصات والتحويلات والاعتمادات وغيرها، وهذه لا علاقة لها بالمقر"، معتبرا أن "دخول أو خروج لجنة إلى مقر المصرف المركزي هو مجرد لقطة لا قيمة لها، ولا تعني استلام الشكري إدارة المصرف". وأبرز السنوسي أن "مبنى المركزي الذي تسلمته وزارة الداخلية هو مجرد مبنى رمزي لا أكثر ولا أقل، ومنظومات وبيانات المصرف ليست لها علاقة بالمقر نفسه".

وعلى صعيد متصل بالأزمة، ذكرت وكالة بلومبيرغ، الثلاثاء، أن إنتاج النفط الليبي يواصل الانخفاض وذلك مع فرض السلطات في شرق البلاد إغلاق الحقول النفطية مما أدى إلى تفاقم الأزمة التي حذرت الأمم المتحدة من أنها قد تؤدي إلى انهيار الاقتصاد، وأشارت بلومبيرغ إلى توقف الإنتاج في حقل الفيل في جنوب غرب ليبيا بحسب أشخاص مطلعين على الأمر. وأعلنت النقابة العامة للنفط رفضها قيام بعض الجهات والأفراد بالسيطرة على الحقول لتحقيق مكاسب سياسية ومصالح جهوية، وذلك بعد ساعات من إعلان حكومة أسامة حماد إغلاق النفط ووقف التصدير.

وناشدت النقابة، النائب العام ورئيسي ديوان المحاسبة والرقابة الإدارية والمبعوثة الأممية اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الليبيين من الأزمات المرافقة لإقفال النفط، ودعت إلى تحييد قطاع النفط عن التجاذبات والخلافات السياسية. وأشارت إلى أن الإقفال أتى في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار النفط في السوق العالمية ما كان سيحقق مكاسب لليبيا، داعية الليبيين إلى توخي الحذر بأن يكونوا في موقع المسؤولية وعدم الركون إلى السلبية، وإلى الخروج في الساحات والمطالبة برحيل كافة الأجسام "التي جثمت على صدور الليبيين"، وذلك بهدف المحافظة على قطاع النفط باعتباره المورد الرئيسي لهم.

4