المجلس الرئاسي الليبي يشن حملة على "الإحتلال الروسي" من واشنطن

شكل المؤتمر السنوي لمجلس العلاقات الليبية – الأميركية الذي انعقد مؤخرا في العاصمة الأميركية واشنطن، منبرا للمجلس الرئاسي الليبي لمهاجمة الحضور العسكري الروسي، ولا تخلو الاتهامات، وفق مراقبين، من أبعاد سياسية في سياق محاولات القوى المسيطرة على غرب ليبيا كسب ود الولايات المتحدة.
هاجم المجلس الرئاسي الليبي ما وصفه بالاحتلال الروسي لبلاده، في موقف رأى مراقبون أنه غير مسبوق في تاريخ العلاقات بين طرابلس وموسكو.
واعتبر عضو المجلس الرئاسي موسى الكوني أن ليبيا دولة محتلة في الوقت الراهن، مشيرا إلى وجود قوات روسية وتركية في مناطق مختلفة من ليبيا، لافتا إلى أن الوجود الروسي أوسع انتشارا وجاء وفق اتفاقيات غامضة على خلاف الوجود التركي الذي كان وفق اتفاقية معلنة وواضحة، وفق تعبيره.
وقال الكوني خلال مشاركته في المؤتمر السنوي لمجلس العلاقات الليبي – الأميركي الذي عقد في واشنطن “في الواقع ليبيا محتلة بكل ما تعني الكلمة من معنى، فهناك قوات روسية لا نعرف من جاء بها، وكذلك الأتراك الذين جاؤوا باتفاقية.”
وأوضح الكوني أن هناك عدة قواعد عسكرية في ليبيا، منها الخادم والجفرة وبراك والقرضابية وتمنهنت والسارة، وفيها قوات روسية لا أحد يعلم ما تقوم به أو ماذا تفعل، وهناك قوات تركية في قاعدة الخمس البحرية وقاعدة الوطية الجوية.

موسى الكوني: ليبيا دولة محتلة في الوقت الراهن
وتابع الكوني، وهو ممثل إقليم فزان الجنوبي في المجلس الرئاسي، أن هناك قوات روسية رسمية في القواعد الليبية بعد أن كانت عناصر “فاغنر” هي الموجودة في السابق، مردفا أن “هذا يعتبر احتلالا”، وقال “نحن لا نملك السيادة على أراضينا، ولا نستطيع أن نصدر أي أوامر لهم.”
وكشف الكوني أنه لم يستطع في أغسطس الماضي الطيران فوق قاعدة أو مطار براك عندما كان في طريق العودة إلى طرابلس بعد مشاركته في مراسم تنصيب الرئيس الرواندي بول كاغامي لولاية رابعة والتي أقيمت في العاصمة كيجالي، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، وقال “القوات المحتلة الروسية تمنع رئيس الدولة الليبية من الطيران فوق أحد مطارات ليبيا، وهو مطار براك. ماذا نسمي هذا إن لم يكن احتلالا؟”
وبحضور المبعوث الأميركي إلى ليبيا ريتشارد نورلاند وعضو مجلس الدولة والمنازع على رئاسته خالد المشري، خاطب الكوني الحاضرين “نحن على سدة السلطة، لكن جميعكم تعرفون أن صدام حفتر يحكم أكثر مما يحكم عبدالحميد الدبيبة في طرابلس، فالمال والقوة هما اللذان يحكمان، والمجلس الرئاسي كاملا لا يملك أي شيء، والسلطات شكلية”، متابعا “أنا معارض داخل المجلس الرئاسي، وحتى مع الدبيبة أو القائمة الرباعية. نحن أمام دولة منهارة وحطام دولة.”
وانتظمت الجمعة فعاليات المؤتمر السنوي لمجلس العلاقات الأميركية – الليبية تحت عنوان “تقسيم ليبيا الفعلي: ماذا يحمل المستقبل؟”، بمشاركة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح والمستشارة السابقة للأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا ستيفاني وليامز، بالإضافة إلى الكوني والمشري ونورلاند ورجل الأعمال حسني بي، والخبير في الشؤون الليبية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة جلال حرشاوي، وكبيرة المحللين في مجموعة الأزمات الدولية كلوديا غازيني.
وقال مجلس الدولة الاستشاري إن المؤتمر المذكور لا يحمل أي صفة رسمية، وحذر من خطورة استخدام مثل هذه اللقاءات غير الرسمية للالتفاف على الشرعية وفرض أمر واقع يخالف أسس العملية السياسية في ليبيا، معتبرا أن الجهات الداعية له ليست مؤسسات حكومية أميركية، بل هي أطراف ليبية مقيمة في الولايات المتحدة تعمل تحت مظلة منظمة أهلية لا تتمتع بأي صفة تمثيلية للدولة الليبية أو مؤسساتها الشرعية.

محمد بعيو: تصريحات الكوني هذيان لا وزن لها
واعتبر المجلس أن أي مخرجات أو تفاهمات تصدر عن هذا الاجتماع هي غير ملزمة له بأي شكل من الأشكال، داعيا كافة الأطراف المحلية والدولية إلى احترام قرارات مؤسسات الدولة الليبية الشرعية والالتزام بالمسار القائم على احترام القوانين والإرادة الوطنية.
ويرى مراقبون أن فعاليات المؤتمر تميزت بالتصريحات الصادمة الواردة على لسان الكوني والتي تمثل التوجهات السياسية المستجدة للمجلس الرئاسي وللقوى السياسية المسيطرة على غرب ليبيا، بما في ذلك حكومة الوحدة الوطنية التي سعت خلال الفترة الماضية إلى استغلال المواجهة الغربية مع روسيا على خلفية حرب أوكرانيا لتقديم نفسها على أنها الضامنة لمصالح واشنطن وحلفائها في الداخل الليبي.
وفي أول تعليق على تصريحات الكوني، اعتبر رئيس المؤسسة الليبية للإعلام للحكومة المنبثقة عن مجلس النواب محمد بعيو أن تلك التصريحات “هذيان لا وزن لها”، وأكد أن قاعدة براك “حررها الجيش الليبي ويسيطر عليها ويحمي من خلالها الجنوب الليبي”، متهما الكوني بـ”الانتهازية” في التعاطي مع الجنوب الليبي الذي لم يزره لتفقد أحوال أهله. كما اتهمه بـ”رفض زيارة أهله وأهل الطوارق الليبيين في غات”، في حين أنه “يتواصل مع طوارق مالي والنيجر.”
وجدد بعيو التأكيد على أن “ليس مجلس النواب ولا القيادة العامة للقوات المسلحة من يعرقل الانتخابات”، بل “الحكومة غير الشرعية في طرابلس”، التي يعد الكوني “جزءا منها”، وفق تعبيره.
ويرى مراقبون أن ما ورد على لسان الكوني لا يمكن فصله عن الدائرة السياسية التي يتحرك من داخلها والقريبة من باريس، ولا عن المرجعية الفكرية التي يتبناها وهي قريبة من الرؤية المطروحة حاليا من قبل أطراف عدة بخصوص حلحلة الأزمة السياسية وفق مشروع ديمقراطي يعتمد على تكريس الحكم المحلي من خلال اعتماد نظام الأقاليم الذي كان سائدا في البلاد من العام 1951 إلى 1963.
وبحسب المراقبين، فإن تصريحات الكوني جاءت لتفتح الباب أمام الكثير من الاحتمالات بخصوص الوضع المستقبلي في ليبيا، لاسيما في ظل الحديث عن إمكانية التوصل إلى توافقات روسية – أميركية خلال اللقاء المنتظر بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، لكن الأهم من ذلك إنها تكشف عن عمق الصراع القائم بين الفرقاء الأساسيين في طرابلس وبنغازي وانعكاساته على الأوضاع الأمنية والسياسية في جنوب البلاد.