المجلس الرئاسي الليبي يدشن معركته مع البرلمان من خارج صلاحياته وإجماع الأعضاء

عبّر رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح عن رفضه لمرسوم المجلس الرئاسي القاضي بإلغاء تأسيس المحكمة الدستورية، معتبرا أنه تجاوز خطير لصلاحيات السلطة التشريعية، في خطوة، عكست حسب المراقبين تصعيدا واضحا من المجلس الرئاسي ضدّ البرلمان.
أكد رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، أن تنظيم القضاء وإنشاء المحاكم هما اختصاص أصيل للسلطة التشريعية دون سواها، مشددا على أن الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي لم يمنحا أي جهة صلاحية إصدار القوانين باستثناء السلطة التشريعية.
ورفض صالح، المرسوم الرئاسي الذي أصدره المجلس الرئاسي بشأن إلغاء قانون إنشاء المحكمة الدستورية، معتبرا إياه تجاوزا خطيرا لصلاحيات السلطة التشريعية و“منعدما لا يعتد به”، وقال في بيان رسمي، إن إصدار القوانين هو اختصاص حصري للسلطة التشريعية، ولا يمكن لأي جهة أخرى ممارسة هذا الدور إلا إذا نصّ الدستور صراحة على منح هذه الصلاحية لرئيس الدولة المنتخب، وفي ظروف استثنائية ترتبط بغياب البرلمان، وهو ما لا ينطبق على الحالة الراهنة.
واعتبر صالح أن قرار المجلس الرئاسي بإلغاء قانون إنشاء المحكمة الدستورية يمثل تغولا واضحا على اختصاصات مجلس النواب، وبيّن أن البرلمان يمارس مهامه وفقا للقانون، ولا حاجة لإصدار مراسيم من جهات أخرى، متهما المجلس الرئاسي بالسعي من خلال القرار الصادر عنه الاثنين، إلى تعطيل عمل المؤسسات الشرعية في الدولة، مشيرا إلى أن قرار الرئاسي “هو والعدم سواء”، ولا يحمل أي صفة قانونية.
مراقبون يرون أن الممسكين بمقاليد السلطة في ليبيا حاليا غير مستعدين للتخلي عن مناصبهم وامتيازاتهم
جاء ذلك، بعد أن أصدر المجلس الرئاسي ثلاثة مراسيم أولها إلغاء قانون إنشاء المحكمة الدستورية الصادر عن مجلس النواب عام 2023 وإيقاف العمل به معتبرا أي قرار صادر استنادا عن هذا القانون لاغيا. وذكر في مرسومه الثاني إضافة عضو لكل بلدية للمصالحة الوطنية ضمن المجلس البلدي يشرف على برامج المصالحة الوطنية التي تنفذها المفوضية الوطنية العليا للمصالحة في نطاق البلدية، ويكون للمفوضية الوطنية العليا للمصالحة المنشأة بموجب قرار المجلس الرئاسي رقم (5) لسنة 2021، مؤتمر عام يسمى المؤتمر العام للمصالحة الوطنية يتكون من أعضاء المجالس البلدية المنتخبين للمصالحة الوطنية ومقره مدينة سرت، ويجوز له عقد جلساته في مختلف المدن
وتعلق المرسوم الثالث بالمفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني وتسمية رئيس لها و11 عضوا في مجلس إدارتها.
وأوضح رئيس مجلس النواب أن إنشاء المحكمة الدستورية العليا يأتي ضمن رغبة المشرّع في إنشاء قضاء متخصص بالرقابة على دستورية القوانين، مشددا على أن منح المحكمة العليا هذه الصلاحية وسحبها لاحقا كانا بقرار تشريعي خالص.
وأكد أن إصدار القوانين هو اختصاص حصري للسلطة التشريعية، ولا يمكن لأي جهة أخرى ممارسة هذا الدور إلا إذا نصّ الدستور صراحة على منح هذه الصلاحية لرئيس الدولة المنتخب، وفي ظروف استثنائية ترتبط بغياب البرلمان، وهو ما لا ينطبق على الحالة الراهنة. وأضاف أن الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي لم يمنحا أي جهة غير البرلمان صلاحية سنّ القوانين، مشددا على أن المجلس يواصل مزاولة اختصاصاته، ولا توجد أي ضرورة قانونية أو دستورية لإصدار مراسيم تتعلق بسلطات البرلمان.
كما اعتبر صالح أن المرسوم الصادر عن المجلس الرئاسي يعكس تغولاً على عمل السلطة التشريعية ويرقى إلى مستوى تعطيل عمل المؤسسات الشرعية، مطالباً بمراجعة صلاحيات المجلس الرئاسي وفقاً للاتفاق السياسي.
وأوضح رئيس مجلس النواب أن تنظيم القضاء وإنشاء المحاكم هو اختصاص حصري للسلطة التشريعية، مضيفا أن تأسيس المحكمة الدستورية العليا يندرج في إطار الرغبة التشريعية بإنشاء جهة قضائية متخصصة في الرقابة على دستورية القوانين.
وفي السياق ذاته، أعلن عضو المجلس الرئاسي عبدالله اللافي أن إصدار المراسيم الرئاسية يتطلب توافقا جماعيا من المجلس ولا يمكن لأي طرف الانفراد به، وقال إن أي إعلان منفرد لا يمثل المجلس الرئاسي مجتمعاً، ولا يُرتب أثراً دستورياً أو قانونياً، وهو والعدم سواء.
ورأى المراقبون في موقف اللافي تأكيدا على أن رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي لم يستشر نائبيه عبدالله اللافي وموسى الكوني ولم ينتبه إلى ضرورة أن يكونا موافقين على فحوى المراسيم الصادرة عنه، مشيرين إلى أن المنفي أصدر مراسيمه الثلاثة من خارج صلاحياته ودون إجماع الأعضاء المنصوص عليهم في الاتفاق السياسي.
ورأى أحمد يعقوب، نائب رئيس اللجنة القانونية بمجلس الدولة، أن الثغرات دستورية قد تنشأ عن تجاوز المجلس الرئاسي لاختصاصاته أو مدته المحددة بـ 18 شهرا، وأن أي قرار يصدر خارج هذا الإطار يعد “باطلًا قانونًا” وأوضح أن خارطة الطريق التمهيدية للحل الشامل، المعتمدة في نوفمبر 2020، نصت صراحة على أن ولاية المجلس الرئاسي تنتهي بانقضاء 18 شهرًا من تاريخ حصوله على ثقة مجلس النواب، أو بإجراء الانتخابات الوطنية.
واستند يعقوب إلى المادة 8 من خارطة الطريق، والتي تقصر دور المجلس الرئاسي على تمثيل الدولة خارجيًا دون التدخل في الصلاحيات التشريعية أو القضائية، مشيرًا إلى أن محاولات إصدار مراسيم تشريعية أو تعطيل قرارات البرلمان “تعد انتهاكًا لمبدأ الفصل بين السلطات.”
صالح يعتبر أن قرار المجلس الرئاسي بإلغاء قانون إنشاء المحكمة الدستورية يمثل تغولا واضحا على اختصاصات مجلس النواب وبيّن أن البرلمان يمارس مهامه وفقا للقانون
وفقًا للمادة 15 من اتفاق الصخيرات، شدد يعقوب على أن تعيين المناصب السيادية – مثل محافظ البنك المركزي أو النائب العام – يجب أن يتم بالتوافق بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، مع استبعاد أي دور للمجلس الرئاسي في هذه العملية ،كما حذر من أن أي قرار يصدر خارج الاختصاصات أو المدة الزمنية المحددة “يعرض البلاد لفراغ دستوري”، داعيا إلى الالتزام بنصوص خارطة الطريق ووثيقة جنيف كـ“ضامن وحيد للشرعية.”
وبحسب مراقبين، فإن المنفي المتحالف مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة يسعى إلى إعادة خلط الأوراق والدفع بالبلاد الى أزمة سياسية جديدة في مواجهة أية محاولة لحلحلة الأزمة السياسي قد تعلن عنها الأمم المتحدة خلال الساعات أو الأيام القادم.
ويرى المراقبون أن الممسكين بمقاليد السلطة في ليبيا حاليا غير مستعدين للتخلي عن مناصبهم وامتيازاتهم لفائدة إخراج البلاد من وضعها المتأزم، ومن بينهم المنفي الذي بات جزءا من منظومة ضغط تدار من قبل فريق الدبيبة الراغب في عرقلة مشاريع الحل وإدامة الوضع على ما هو عليه.
وأصدرت الحكومة الليبية المنبثقة عن مجلس النواب بيانًا رسميًا أكدت فيه أن ما صدر عن المجلس الرئاسي من قرارات يعتبر اعتداءً صريحًا على اختصاصات السلطة التشريعية، مشيرة إلى أن تلك القرارات، وفقًا للدستور والتشريعات النافذة، لا ترتب أي أثر قانوني وتُعد في حكم العدم.
وقالت في بيانها أن المجلس الرئاسي انتهى العمل به بموجب اتفاق جنيف، ولا يملك صلاحية فرض استمرار شرعيته من خلال إلغاء أنواع ودرجات المحاكم، خاصة المحاكم الدستورية، التي تندرج ضمن اختصاصات السلطة التشريعية حصراً.