المجلس الأعلى للحسابات في المغرب يوصي بتطوير منظومة التصريح بالممتلكات للوقاية من الفساد

مطالب بوضع إطار قانوني موحد يتماشى مع مقتضيات الدستور وتحديث قوائم الملزمين.
الأحد 2024/12/15
توصيات بتحسين الحوكمة المالية، وترشيد الإنفاق العمومي

أصدر المجلس الأعلى للحسابات في المغرب تقريره السنوي وسط تركيز على أهمية تطوير منظومة التصريح الإجباري بالممتلكات كجزء أساسي من تعزيز الحوكمة الجيدة والشفافية للتوقي من الفساد.

الرباط - شدد المجلس الأعلى للحسابات في المغرب، (مؤسسة دستورية)، في تقريره السنوي لسنتي 2023 – 2024، على ضرورة تطوير النموذج الحالي للتصريح الإجباري بالممتلكات ليصبح أكثر فعالية، بما يسهم في الوقاية من الفساد ومكافحته، داعياً إلى تحديث قوائم الملزمين بالتنسيق مع الجهات الحكومية المختصة، تأكيدا للإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في المغرب.

وتباشر المجالس الجهوية للحسابات، إجراءات العقوبات المنصوص عليها في القانون بالنسبة إلى المخلين الذين رفضوا تسوية وضعيتهم على الرغم من انقضاء أجل ستين يوما على تاريخ توصلهم بالإنذارات، كما تواصل المحاكم المالية مساعيها لتبليغ الإنذارات للمخلين الذين وجهت إليهم الإنذارات ولم يتم التوصل بما يفيد تسلمهم لها.

وبناء على الدراسة التقييمية التي أنجزها المجلس الأعلى للحسابات بخصوص ممارسته لاختصاص تلقي وتتبع ومراقبة التصريحات بالممتلكات منذ دخول المنظومة ذات الصلة حيز التنفيذ في 2010، ووقوفه على نقائص ذات طابع مستعجل، قام المجلس، بتوجيه مذكرة للوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، تتمحور حول سبل تطوير المنظومة القانونية المؤطرة للتصريح الإجباري بالممتلكات بغية تجاوز النقائص والارتقاء بها إلى نظام أكثر فاعلية من أجل مراقبة التصاريح المودعة على أسس موضوعية، بما يسهم في الوقاية من الفساد.

محمد الغلوسي: هناك مساع لقطع الطريق أمام مبادرات مكافحة الفساد
محمد الغلوسي: هناك مساع لقطع الطريق أمام مبادرات مكافحة الفساد

واستعرض التقرير نتائج تتبع تنفيذ التوصيات الصادرة عن المحاكم المالية، حيث بلغت نسبة التوصيات المنفذة كلياً 44 في المئة، بينما تم تنفيذ 37 في المئة منها جزئياً، موضحا أن تنفيذ هذه التوصيات أسفر عن آثار إيجابية في مجالات عديدة، بما فيها تحسين الحوكمة المالية، وترشيد الإنفاق العمومي، وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين.

وأكد محمد بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن “الهيئة تطمح، بمعيّة باقي الجهات المتدخلة من المجلس الأعلى للحسابات، إلى الانتقال إلى حِقبة جديدة من مكافحة الفساد بالمغرب، وذلك باستلهام ما تضمنته الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي تمتد من 2015 إلى 2025، والتي تتوفر على الأسس المتكاملة، بدءا من التشخيص وتحديد العوامل المؤثرة في انتشار الفساد؛ كما أن إعدادها تميز بمشاركة واسعة من طرف القطاع الخاص والمجتمع المدني والقطاعات الحكومية.”

ومن الناحية الدستورية يرى محمد بشير الراشدي أن “الهيئة التي يرأسها، لها اختصاصات منها الإشراف والتنسيق والتتبع، وهذا من شأنه ضمان الالتقائية في عمل المتدخلين، ونضمن كذلك المرور إلى حقبة جديدة لمحاربة الفساد، تقوم على إستراتيجية منسقة ينخرط فيها الجميع وتجعل المسؤوليات تمارَس بكيفية مترابطة ومتكاملة.”

وأكد محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن “هناك العديد من الجهات والأطراف على أكثر من مستوى ترمي إلى قطع الطريق أمام كل المبادرات التي من شأنها أن تفضي إلى أخلقة الحياة العامة ومكافحة الفساد وتعزيز حكم القانون، ولها مصلحة في عدم إعادة النظر في قانون التصريح بالممتلكات، وتقاوم تقارير المجلس الأعلى للحسابات وكل التقارير المؤسساتية التي يمكن أن تشكل أرضية قانونية صلبة لربط المسؤولية بالمحاسبة.”

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أنه “نجد أطرافا تمتعض كلّما ارتفعت أصوات المجتمع مطالبة بمحاسبة لصوص المال العام والمفسدين والتصدي للإفلات من العقاب، وهذا الواقع يبين إلى أيّ حد تشكل الأطراف المقاومة لأخلقة الحياة العامة قوة ضغط في المجتمع وال

الهيئة تطمح، بمعيّة باقي الجهات المتدخلة من المجلس الأعلى للحسابات، إلى الانتقال إلى حِقبة جديدة من مكافحة الفساد بالمغرب

دولة ولها امتدادات في مواقع مختلفة تعمل بكل جهد من أجل مواجهة أيّ تحول يمكن أن يحصل على مستوى برنامج محاربة الفساد على اعتبار أنه ورش مجتمعي يهم المغرب.”

وربط المجلس الأعلى التصريح بالممتلكات ودور المحاكم المالية في تعزيز ثقافة التدبير السليم وتفادي الأخطاء، بالإصلاحات الكبرى التي تباشرها المملكة، إذ دعا المجلس إلى تسريع تنفيذ إستراتيجيات في مجالات الحماية الاجتماعية، والنجاعة في مجال الطاقة، والجهوية المتقدمة، كما لفت التقرير إلى تحديات تعيق تحقيق هذه الأهداف، من بينها ضعف التنسيق بين القطاعات الحكومية ونقص الموارد المالية والبشرية.

وفي سياق تعزيز نظام المسؤولية القانونية والإدارية، أوضح المجلس الأعلى للحسابات في تقريره، أنه تم إيداع 1239 تصريحا لدى المجلس (منها 89 في المئة تهم فئة الموظفين والأعوان العموميين) و14637 تصريحا لدى المجالس الجهوية للحسابات (منها 89 في المئة تخص فئة منتخبي مجالس الجماعات الترابية)، ليبلغ بذلك عدد التصريحات المودعة منذ سنة 2010 إلى نهاية سبتمبر 2023 ما مجموعه 462826 تصريحا.

وكشف التقرير أن المحاكم المالية واصلت إجراءات تتبع مآل الإنذارات الموجهة للملزمين المخلين بواجب التصريح بالممتلكات خلال سنة 2023 وإلى غاية موفى سبتمبر 2024، حيث سجلت قيام 340 ملزما منذرا بتسوية وضعيتهم (214 من فئة الموظفين والأعوان و126 منتخبا) وهو ما يمثل نسبة تسوية تناهز 20 في المئة من مجموع الملزمين المنذرين.

ورغم تقدم بعض الملزمين في تسوية أوضاعهم، فقد أشار التقرير إلى ضرورة مراجعة المنظومة القانونية للتصريح بالممتلكات، حيث أصدر المجلس مذكرة للوزارة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، دعا فيها إلى وضع إطار قانوني موحد يتماشى مع مقتضيات الدستور، وإرساء نظام إلكتروني شامل لتلقي ومراقبة التصريحات، مع وضع نظام عقوبات ملائم ومتدرج بشأن الإخلالات أو المخالفات المتعلقة بالتصريح بالممتلكات.

وفي السياق ذاته، أكد المجلس الأعلى للحسابات على الحاجة إلى إعداد نظام قانوني موحد وشامل لمختلف فئات الملزمين بالتصريح الإجباري بالممتلكات وملاءمته مع مقتضيات الدستور.

2