المجد لسبارو

قد يختلط الأمر على الناس حين يتعلقون بشخصية روائية أو سينمائية أحبوها، فيظنون أن الممثل الذي يؤديها هو مثلها بالضبط، يتمتع بنفس مزاجها وميولها. وهذا ما حصل مع كثيرين، حتى أن بعضهم ظن نفسه أميرا قادما من التاريخ فأخذ يتصرّف وكأنه كذلك. مثل هذا حصل مع "جاك سبارو"، الشخصية التي قدّمها الممثل المحبوب جوني ديب، في سلسلة "قراصنة الكاريبي"؛ قرصان فوضوي خفيف الظل، متهكم وساخر ولا يمكن أن يُهزم، والكل يريد رأسه.
ديب لم يتورط هذه المرة، بل من تورّط في ذلك جمهوره ومعه أقرب الناس إليه، زوجته السابقة آمبر هيرد التي شغلت الناس خلال الأعوام الماضية بمحاولتها القضاء على "سبارو"، وليس على ديب فقط.
أرادت تحطيم أسطورته، فلفقت ضدّه العديد من التهم والخرافات، حين كتبت في كبرى الصحف الأميركية مشيرة إليه، بتلميح فهمه الجميع، أنه عنيف ضدها وأنه فعل كذا وكذا.
في السنوات الأخيرة تفشّت ظاهرة يمكن أن نسميها "الاغتيال المعنوي"، بحق الكثير من المشاهير، بعضهم في عالم الاقتصاد، وآخرون في عالم السياسة والفنون والآداب والإعلام. كان يكفي أن يدعي أحدٌ أن هذا "الكبش" متحرّش أو لديه ميول عنفيّة، ليصدر بحقّه حكمٌ غير شرعي، لكنه نافذ، فيدمّر مسيرته، ودون أن ينتظر أحد حكم القضاء.
بسبب آمبر تم القضاء على "سبارو"، ولم تعد "اللؤلؤة السوداء" سفينته الشهيرة، تبحر في الكاريبي، وتمكّنت أخيراً شركة الهند الشرقية من اختراقه والانتقام منه.
قال ديب، أثناء المحاكمة، إن شركة "ديزني" فور نشر مقال آمبر في واشنطن بوست قامت بإلغاء تعاقدها معه لتقديم شخصية "سبارو"، بعد ستة أيام فقط. كان ذكياً للغاية في انتقاد الشركة العملاقة، حين قال "مع ذلك فهم لم يزيلوا شخصيتي من الأفلام، ولم يتوقفوا عن بيع دمى سبارو".
في النهاية انتصر ديب، وسبارو معاً، وأعلنت القاضية وهيئة المحلفين أن آمبر كانت تكذب وفرضت عليها تعويضات مالية ضخمة، لم يطلبها ديب أساسا، فقد كان يريد إنقاذ سمعته فقط.
قصة آمبر وجوني تعيد خلط الأوراق من جديد، ليس المطلوب أن نكذّب كل امرأة اشتكت من عنف يمارس ضدّها، كما كان يحصل في الماضي القريب، باسم الشرف والمجتمع والذكورية، لكن ليس علينا أن نصدّق، في عالم المساواة الحالي، أي اتهام تتقدّم به امرأة أو رجل ضد أحد دون دليل حقيقي.
ترى هل ستعتذر "ديزني" إلى الكابتن "سبارو" وتعيده إلى جمهوره؟ وهل سينقذ "سبارو"، ببراءته، الرجال من براثن إلصاق التهم بهم بتعميم وعنصرية جنسية مسبقة، أم سيشجّع العنيفين منهم على المزيد من الوحشية؟