المجتمعات العربية لم تصل بعد إلى قارئ واع ومحايد

الروائية اليمنية نادية الكوكباني: عوامل عديدة تمنع الرواية العربية من العالمية.
الاثنين 2022/09/12
الرواية نسيج مجتمعي متكامل

في العشرية الأخيرة التي مرت على مختلف الدول العربية بأحداثها العاصفة كان الروائيون في صدارة المشهد يدونون مشاهد من الواقع وكأنهم يعيدون قراءته، أو التأريخ له، كل وفق رؤيته. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الكاتبة اليمنية نادية الكوكباني حول أعمالها التي أرخت لفترة حرجة من تاريخ اليمن.

درست نادية الكوكباني الهندسة المعمارية في جامعة صنعاء، وحصلت على دكتوراه في الهندسة المعمارية من جامعة القاهرة عام 2008، وعملت كأستاذة مساعدة في جامعة صنعاء في كلية الهندسة قسم العمارة. كان أول عمل أدبي لها قصة قصيرة نشرت في مجلة الثورة، أما عنوان أول رواية لها فهو “حب ليس إلا” ونشرت في عام 2006.

وفي عام 2009 أدرجت أعمالها ضمن مختارات بعنوان الأصوات العربية الناشئة، كما ظهرت أعمالها مترجمة في عدد من مجلة بانيبال في عام 2005 وعام 2009. وقد تمت ترجمتها إلى اللغتين الفرنسية والألمانية، لتواصل خوض تجربة أدبية مستفيدة من عوالم العمارة وغيرها من روافد ثقافية هامة.

الرواية والواقع

الدافع لكتابة الروايات التاريخية حاجة الروائي العربي لفهم التاريخ ليعيش الحاضر ويفكر في المستقبل هو والقارئ معا

عن ردود فعل قراءة الرواية، انتقدت الكوكباني ما وصفته بـ"القراءات التلصصية" للرواية كما يحدث في “ربط بعض القراء وبعض القراء الكُتاب، للأسف، بين حياة بطل أو بطلة الرواية وحياة الكاتب أو الكاتبة، مثلا، باعتبار البطل أو البطلة هو نفسه الكاتب أو نفسها الكاتبة”.

نسألها إن كان ذلك يعني أننا كعرب لم نصل بعد إلى قارئ واع وكاتب يقرأ النص بحيادية تامة، لتجيبنا “كان سبب قولي ‘القراءات التلصصية‘ هو ربط ما أكتبه كروائية بحياتي الخاصة، الأمر الذي سبب لي الكثير من المشاكل على المستوى الشخصي والمجتمعي. وطالما لم يُكتب على غلاف الرواية ‘سيرة ذاتية‘ فلا يحق لأحد اعتبارها كذلك. وتعاني الكاتبة الأنثى من هذا الربط بشكل خاص، ليس في عمل واحد ولكن في معظم أعمالها، وأنا لا أنكر تسخير بعض مواقف من حياتي وحياة من حولي في أعمالي كتجربة حياة أعتز بها، وكإحدى أدوات التخييل الروائي الذي أستخدمه، وهذا ربما يكون أحد أسباب القراءة التلصصية بالإضافة إلى كوني أنثى، الأمر الذي تكرر في أكثر من رواية، ولهذا أقول نعم لم نصل بعد إلى قارئ واع يفترض موت المؤلف ويقرأ الرواية كعمل أدبي خالص، يستمتع به ويعيش أحداثه بحيادية تامة. أما الكُتاب والنقُاد فلا أستطيع التعميم ولكن البعض”.

وتتخذ الكوكباني من التاريخ والأحداث السياسيّة إطارا لروايتها “صنعاني”، عن المقصود من ذلك تقول لـ”العرب” إن “الرواية نسيج مجتمعي متكامل له نشأة تاريخية وسياسية وحياتية تشمل العادات والتقاليد والتحولات المختلفة التي يمر بها في الزمان والمكان المتواجد فيه. ولهذا يستخدم الروائي التاريخ بطريقة استحضار مرحلة تاريخية معينة والتخييل على أحداثها عبر صناعة الشخصيات المختلفة، أو يستخدم التاريخ بطريقة توثيق مرحلة معينة بتاريخها وشخوصها ولهذا يكتب على الغلاف رواية تاريخية. وأنا أستخدم الطريقة الأولى في رواياتي وأترك للقارئ استكمال ما يريده في المرحلة التي أكتب عنها عبر القراءة والبحث فيها”.

نسألها عن الذي يدفع الروائي العربي إلى تعيين نفسه مؤرخا، فتقول “لا أملك إجابة محددة على هذا السؤال لكن ربما حاجة الروائي العربي لفهم التاريخ، ليعيش الحاضر ويفكر في المستقبل هو والقارئ في آن، وربما شغفه بالمعرفة والبحث والتوثيق، وأخيرا ربما إثراء نرجسيته بالكتابة عن الزمن الذي يشهد عليه في فترة حياته من وجهة نظره المتفقة أحيانا والمختلفة أحيان أخرى مع محيطه المتعدد في اتجاهاته الفكرية على كل المستويات السياسية والفكرية والمجتمعية”.

ربط بعض القراء ما أكتبه كروائية بحياتي الخاصة سبب لي الكثير من المشاكل على المستوى الشخصي والمجتمعي

وتناولت في رواية “صنعاني” ما تحويه المدينة من عادات خاصة بأهل صنعاء كمقايل القات التي يمارسها الرجال بعد العصر، والرقصات والأغاني اليمنيّة وأشهر مطربيها وصناعاتها. نستفسر الكاتبة إن كان ذلك حنينا إلى الماضي أم تأريخا جديدا، لتقول “نعم تناولت كل ذلك وأكثر كسلوك سوسيولجي متكامل للبيئة الصنعانية وجدت أنها لم تذكر في أعمال روائية يمنية ليعرفها القارئ غير اليمني كثقافة وتوثيق. ليس هناك حنين للماضي لأن كل هذا مازال يُمارس حتى الآن”.

أما عن الحيادية في معالجتها ورؤيتها حين تناولت موضوع الثورة عام 2011 في اليمن من خلال روايتها، فتذكر أنها تناولت أحداث ثورة فبراير 2011 كتوثيق لتلك المرحلة المهمة في تاريخ اليمن بمكانها ومسيراتها وهتافاتها وشهدائها وسلوك النظام الحاكم والأحزاب السياسية عبر شخصيات روائية بسيطة، تمثل غالبية المجتمع اليمني الذي كان يعاني من الفقر ومن تدني المستوى الاقتصادي والتعليمي والصحي.

وتضيف “لم تكن هناك حاجة للحياد لأني وصفت المشهد كما هو على أرض الواقع لتعرف الأجيال القادمة ما حدث في تلك المرحلة من تاريخ اليمن السياسي، وكنت مدركة تماما لهذا التوثيق المستخدم في الرواية الواقعية التي يحضر فيها المكان كإحدى أهم أدواتها، وتتحرك الشخوص داخله بواقعها وأحلامها ورغباتها في الحياة. وهذه الشخصيات تطلبت مني جعلها بسيطة حتى لا تحمل موقفا غير البحث عن حياة كريمة، تساندها شخصيات انتصرت لقيم الحق والحرية والحاجة لهما وهذه كانت تتطلب موقفا لم يكن حياديا ولكنه كان واقعيا ومعاشا في آن”.

الثقافة في اليمن

الكوكباني تتخذ من التاريخ والأحداث السياسيّة إطارا لرواياتها
الكوكباني تتخذ من التاريخ والأحداث السياسيّة إطارا لرواياتها

نسأل الكوكباني عن دور وزارة الثقافة اليمنية حتى قبل 2011 في دعم الكتاب، لتقول “لم تكن الثقافة مهمة في تاريخ النظام السياسي الذي حكم اليمن ثلاثة وثلاثين عاما هو عهد علي عبدالله صالح، ولم تستحوذ الثقافة على اهتمام وزرائها كرؤية شاملة لفروعها المختلفة: قصة، شعر، مسرح، سينما.. باستثناء فعاليات انتقائية تجعل من صورة النظام مقبولا لدى العالم عبر انتقاء أشخاص يشاركون فيها في الداخل والخارج وتتكرر أسماؤهم دون إعطاء الفرصة للآخرين أو دعم أعمالهم. عن نفسي لم تقدم لي وزارة الثقافة شيئا، واعتمدت على نفسي في نشر رواياتي وفي ترشيحي للمشاركات الخارجية عبر مؤسسات ثقافية تواصلت معها أو دعم شخصيات مبدعة تعرف عني وعن إنتاجي”.

أما عن سؤال كيف تكون رواية التاريخ لاتاريخية؟ فهي تقر بأنه “عندما يكون موضوعها البوح الذاتي، أو المعاناة النفسية، اواستخدام الأساطير والخيال العلمي أو الغرائبي”.

وأمام هذا الكم المتلاحق من الهزائم العربية نناقش مع الكوكباني كيف يمكن للرواية أن تنتج بطلا يحمل انتصارا قادما أو يبشر على أقل تقدير بمستقبل أفضل، فتقول “الهزائم العربية هي نتيجة أنظمة سياسية دكتاتورية اعتبرت الأوطان ملكية خاصة باستغلال ثروات الشعوب ونهب خيراتها، ولم تقدم لهذه الشعوب غير الفقر والجهل والمرض، وبالتالي مهما كان الأدب معبرا وصانعا للأبطال إلا أنهم على ورق، وعلى الشعوب أن تصنع أبطالا حقيقيين ينتصرون لقضاياهم وحقوقهم ويسيرون بمستقبلهم للأفضل”.

أما عن سبب فشل الرواية العربية في تحقيق رهان العالمية بعد فوز نجيب محفوظ بها، فترى أن غياب المشروع الثقافي للدول العربية هو الذي لم يحقق العالمية بعد نجيب محفوظ، فلا يوجد تشجيع للكُتاب أو للمواهب الشابة، بالإضافة إلى أن حركة النشر ضعيفة، ودعم  المشاركات الثقافية الخارجية نادرة، وهذه عوامل ضعف لا قوة للرواية العربية، وتقلل من وصولها للعالمية.

نسألها إذا ما فكرت يوما في كتابة سيرتها الذاتية هل ستكتب كل شيء عنها (المحرج والصعب والحساس إلخ) أم أنها ستقدم شيئا وتستثني أشياء؟ فتجيبنا “لا أفكر في كتابة سيرتي الذاتية، وقد وضفت منها ما شعرت أنه مناسب في أعمالي الروائية كتجربة حياتية ثرية بتاريخها أعتز بها وأفخر”.

12