المثقف الداعشي

الخميس 2016/06/23

لو وضعنا فاصلة صغيرة بين المثقف الطائفي الذي تحدثنا عنه في وقت سابق وبين المثقف الداعشي الذي أفرزته الظروف الأخيرة، في العراق على سبيل المثال؛ فربما لا نجد فروقا بين هذا وذاك مع أنّ الأول يقود إلى الثاني بنسبة كبيرة كما ثبت فعليا، وأنّ الثاني هو نتاج ثقافة الأول إلى حدّ كبير، وبات من الصعب التفريق بينهما في ظروف يريدونها أن تتداخل في فوضى الحروب والتقسيم.

عادة ينكشف المثقف الداعشي من زاويتين؛ الأولى طائفيته المريضة والثانية وطنيته المزيفة، حينما يتشبث بالزاوية الأولى ويجعلها منطلقا لوطنيته في حين يوظّف الثانية لمنطقه الطائفي، وفي الحالتين ستكون الخسارة مزدوجة، فلن يستطيع أن يربح طائفيته لأنه وضع ثقافته في خدمة هدف صغير غير قادر على الاستمرار في وطن تتعدد أديانه وطوائفه ومذاهبه وقومياته وثقافاته العامة، ولا يستطيع أن يكون وطنيا بالمعنى الشامل لمفهوم الوطنية المدرسي على أقل تقدير، وبالتالي يمارس التضليل والازدواجية لأهداف مرحلية لن تبقى خافية على الآخرين، ومن ثم سيضطر إلى التضليل لغويا إلى مدى قصير حتى تنكشف وسائله التعبيرية وتنتهي أمام صراحة الواقع وفصاحته في نهاية الأمر، فالواقع ومعطياته أكبر بكثير من أيّ ثقافة مرحلية طارئة لن يستمرّ خداعها طويلا في بنية شعب تفهّم الكثير من تجليات الواقع الجديد في متغيراته الجذرية السياسية وما آلت إليه شواهد التغيير من قضايا جوهرية ضربت صميم المجتمع.

المثقف الداعشي، أينما يكن، يعتاش على الأزمات والحروب وكوارث السياسة ومشتقاتها وانقلاباتها ومصالحها، ومثل هذه التوصيفات ستُخرِج من روحه عامل الوطنية بشكل قاطع ما دامت ثقافته قائمة على النظر إلى مفهوم الوطن بجزئيات ومربعات ومثلثات، حينذاك سوف لن يكون الفرق بينه وبين الجاهل الفطري مهما، فالأخير هو نتاج بيئة ثقافية محدودة، ومع هذا الوصف فإن الجاهل بهذا المعنى العام سوف ينتخي لعرضه وشرفه وماله وأرضه وبيته ووطنه، عكس المثقف الداعشي الذي باع كل هذا “منتخيا” لطائفته بهدفها الوهمي وهو يجردها من عاملها القوي وهو الوطنية ليسلخها عن الجسد الأم لغايات كثيرة صار الجميع يعرفونها ويتندرون بها.

إذن ما جدوى أن يكون المرء مثقفا؟

ما مدى أن يكون المثقف عاملا وطنيا يزيح ركام الطائفية عن وجهه وينظر إلى الحياة على أنها كونٌ واحد بلا التباسات ممكنة ويرى في (الآخر) لونا إضافيا لترميم الخراب في الحياة ولا يراه لونا ناشزا؟

الداعشي فرد وجماعة وفكرة في آن واحد، والمثقف الذي يقتفي هذا المصير لن يكون فردا بالضرورة، بل سيكون صوت الجماعة في فكرة واحدة لا تقبل التثنية، وهي فكرة صار الجميع يعرفونها في الأوطان التي تسلل إليها داعش واحتلها، وحين يعلو الصوت الثقافي مؤيدا وناصرا ومضللا في نفس الوقت فإن مفهوم الثقافة في تشريحه العام سينهار تلقائيا ويُشوّه بطريقة اختزالية قاتلة في المجتمع.

في العراق برز في (حالة الفلوجة مثلا) مثقفون داعشيون بامتياز عدا البعض من البرلمانيين الذين ربطوا أنفسهم في هذه الجماعة المغشوشة، وضللوا الناس كثيرا عبر قنوات فضائية عارية تقود الفتنة من أوسع أبوابها كـ“الجزيرة” و“العربية” وسواهما، فإن كنا لا نبالي بمثقفين داعشيين عرب يسيل لعابهم للمال الأخضر فإننا نتوقف عند مثقفي داعش العراقيين الذين يُحسبون على الثقافة العراقية من بابها الواسع وهم كثيرون كما أظهرتهم الفضائيات، ويتقدمهم في هذا يحيى الكبيسي الحائز على الماجستير في النقد الأدبي. لكنه كما يبدو ترك النقد الأدبي وتفنن في كُره العراق والحقد عليه.

كاتب من العراق

14