"المتدرب".. فيلم عن الطموح والسلطة في حياة دونالد ترامب

رسائل خفية حول الثغرات المخالفة للقانون التي أسست إمبراطورية ترامب.
الجمعة 2025/01/17
ماذا لو رد ترامب على الفيلم بإذلال صناعة السينما في هوليوود

منذ ظهوره على الساحة السياسية واكتسابه شهرة عالمية وجهت الكثير من الانتقادات لدونالد ترامب التي حاول البعض فيها فهم طفولته ومدى تأثيرها على شخصيته الغريبة، كما أن الأمر لم يقف عند حدود الآراء الفردية بل تجاوزها نحو السينما حيث تناول العديد من الأفلام سيرة هذا الرجل، ومنها فيلم "المتدرب" الذي يسلط الضوء على علاقة ترامب بوالده وأبرز الأحداث التي عاشها في شبابه وجعلته الرجل الذي نعرفه اليوم.

الرباط - يتناول فيلم “المتدرب” للمخرج الإيراني علي عباسي مسيرة دونالد ترامب المهنية كرجل أعمال في مجال العقارات بمدينة نيويورك خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي مع التركيز على علاقته بالمحامي روي كوهين.

الفيلم من سيناريو غابرييل شيرمان، وبطولة سيباستيان ستان بدور ترامب، وجيريمي سترونغ بدور كوهين، ومارتن دونوفان بدور والد ترامب فريد، وماريا باكالوفا بدور زوجة ترامب الأولى إيفانا.

يركز سيناريو الفيلم على الصراع الداخلي الذي يعيشه دونالد ترامب نتيجة العلاقة المعقدة مع والده، إذ يمثل الأب شخصية قاسية ويفرض سيطرته على الأبناء عبر الإهانة والتقليل من شأنهم، وهذا يخلق لدى ترامب شعورا بالنقص يتحول تدريجيا إلى دافع أساسي له في سعيه إلى تحقيق النجاح. وتوضح الأحداث محاولات ترامب لتجاوز هذه المشاعر، وكيف أصبح أكثر تركيزا على تأكيد ذاته في عالم المال والأعمال.

الإهانات الأبوية التي تعرض لها ترامب ساعدت في تشكيل شخصية تنافسية تسعى دائما إلى التفوق على الآخرين
الإهانات الأبوية التي تعرض لها ترامب ساعدت في تشكيل شخصية تنافسية تسعى دائما إلى التفوق على الآخرين

ومن خلال هذه العلاقة المضطربة، اكتشفنا أن الإهانات الأبوية ساعدت في تشكيل شخصية تنافسية تسعى دائما إلى التفوق على الآخرين، كما لم يجد ترامب الدعم العاطفي من عائلته، خصوصا من شقيقه فريدي.

ويصوّر الفيلم مدينة نيويورك في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي عندما كانت تشهد تغيرات اجتماعية واقتصادية هائلة، ويركز على الجوانب السلبية لتلك الحقبة، حين كانت العديد من الأحياء تعاني من الفقر والفساد، ويسعى ترامب إلى تحويل هذه الأحياء إلى مناطق راقية من خلال مشاريعه الاستثمارية إلا أن هذه التحولات تكشف عن تناقضات في تركيزه على اكتساب الثروة عبر العقارات الفاخرة بينما يغفل عن التأثيرات السلبية التي تعيشها الفئات الفقيرة، وتلتقط معظم المشاهد التوتر بين الرغبة في النمو الاقتصادي على حساب الاحتياجات الاجتماعية، وكيف أن هذه المشاريع لم تساهم في تحسين مستوى حياة الكثير من سكان المدينة.

وتستعرض المشاهد التأثير القوي للمحامي روي كوهين على شخصية ترامب، لأنه يحضر في حياته بمثابة مرشد يزرع فيه مجموعة من القيم المتناقضة التي كانت تبنى على فكرة التفوق على الآخرين بأيّ وسيلة، وتعزيز النجاح الشخصي عبر استغلال نقاط ضعف الآخرين، ويعتبر كوهين من خلال علاقاته المثيرة للجدل مثل الرئيس ريتشارد نيكسون والسيناتور جوزيف مكارثي، بمثابة نموذج لترامب في كيفية تحقيق المكاسب على حساب الآخرين، حتى وإن كان ذلك على حساب المبادئ الأخلاقية، ويوضح هذا التوجه تحولات مخيفة في مفهوم النجاح في المجتمع الأميركي خلال تلك الحقبة الزمنية، خاصة عندما أصبح التفوق الشخصي يقاس بقدرة الفرد على هزيمة خصومه بالوسائل غير الشريفة.

وتركز بعض المشاهد على العلاقة الصعبة التي تربط ترامب بعائلته، خاصة تلك اللقطات التي تبين علاقته المعقدة مع والده الذي يمارس العنف العاطفي والنقد المستمر تجاه أولاده، وهو ما يفسر الشعور المتزايد بعدم الاحترام، وكيف أن ترامب رغم نجاحه في العديد من المجالات لا يزال يفتقر إلى الاحترام العائلي الذي قد يقوي ثقته بنفسه، فهناك مشاهد قوية ومؤلمة تظهر كيف أن ترامب لا يبدي أيّ تعاطف مع شقيقه فريدي كشخص يعاني من مشاكل نفسية وإدمان للكحول، وهذه حقيقة توضح عزلة ترامب عن الأشخاص الأقرب إليه وتركيزه على نفسه فقط وعلى سبل تحقيق النجاح بشكل منفصل عن مشاعر الآخرين.

وتنتقل  المشاهد اللاحقة إلى علاقة ترامب بزوجته الأولى إيفانا كجزء من طموحاته الشخصية، تبرز تلك اللقطات إصرار ترامب على الفوز بقلب إيفانا، في حين أن هذه العلاقة التي بدأت من رغبة شديدة في تحقيق الطموح المهني تتحول مع مرور الوقت إلى مجال للصراعات الشخصية، إذ يشعر ترامب بالتهديد من نجاح إيفانا ويبدأ في السعي إلى تقليص تأثيرها عليه، ويعكس سلوكه هذا حالة من الغيرة التي تتبدد على مر الزمن، خاصة في مشهد الاغتصاب الذي يبين محاولاته لإيذائها نفسيا وجسديا، وهذا السلوك يوضح كيف أن ترامب كان يواجه صراعات داخلية مع نفسه ومع الأشخاص في محيطه العاطفي.

سيباستيان ستان جسد العقد الداخلية والصراع النفسي الذي يعيشه ترامب الشاب الطموح في مواجهة العراقيل

وقد نجح الممثل سيباستيان ستان في تجسيد شخصية ترامب في مرحلة الشباب بتفاصيل دقيقة، ما سمح للمشاهد بالارتباط بها خلال مراحل تطورها، فأداؤه كان مدروسا ومبنيا على فهم عميق للطابع النفسي للشخصية في تلك الفترة، واستطاع أن يجسد العقد الداخلية والصراع النفسي الذي يعيشه الشاب الطموح في مواجهة العراقيل، كما أن الممثل جيرمي سترونغ الذي لعب دور المحامي روي كوهين شخّص أداء رائعا يبرز قوة الشخصية، وقد نجح في تجسيد انتقال كوهين من شخصية قوية ومؤثرة إلى رجل يفقد هيبته تدريجيا حتى توفي وهو مخذول من صديقه المقرب ترامب.

وأظهر الفيلم اهتماما كبيرا بتفاصيل أخرى مثل الملابس والديكور، التي ساهمت في نقل المشاهد إلى فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، فالملابس محاكاة دقيقة لأسلوب تلك الحقبة، كما تم الاهتمام بتفاصيل الديكور بشكل يتناغم مع تطور الشخصيات وبيئة العمل والعلاقات الاجتماعية في ذلك الوقت، بينما يمكن القول إن كل هذه العناصر ساهمت في خلق تجربة سينمائية مفيدة معرفيا وسينمائيا.

وتميز الإخراج بالكلاسيكية خاصة في ترتيب المشاهد واللقطات القريبة والقريبة جدا من وجه ترامب ووجه زوجته إيفانا وكذلك وجه المحامي كوهين بما يتناسب مع تطور الحدث والحوار والحركات، وقد نجح المخرج علي عباسي في خلق توازن بين الحدث الدرامي والتفاصيل البصرية، والتقطت الكاميرا كل تحول في شخصية ترامب من خلال لقطات تتنقل بسلاسة بين مختلف الفترات الزمنية، مع التركيز على لحظات حاسمة في تطور الشخصية، في حين تم تنظيم تطور الأحداث بطريقة تزيد من تأثير الدراما، وتساعد المشاهد على متابعة مسار الشخصية والتنقل بين المراحل المختلفة من حياة ترامب وتفاعلاته مع الشخصيات المحورية.

وهناك الكثير من الأفلام التي تطرقت لحياة دونالد ترامب منها الأفلام الوثائقية التي يظهر في بعضها كشخصية ملهمة وصارمة في مجال الأعمال، مثل “ترامب: الحلم الأميركي” في جزأيه الصادرين عامي 2017 و2018، وهما يعكسان تباينا في عرض حياته المهنية من حيث ثنائية النجاح والإخفاق، بينما يبرز فيلم “فهرنهايت 11/9” (2018) ليقدم نقدا لاذعا لعهد ترامب وأسباب فوزه في الانتخابات الأميركية، متناولا تأثيره على المجتمع الأميركي والسياسة العالمية، وبينما يثني البعض على الأفلام الوثائقية لتمكنها من عرض جوانب مختلفة من شخصية ترامب، ينتقدها آخرون بسبب عدم تقديمها التحليل النقدي العميق حول مواقفه المثيرة للجدل.

وتناولت الأعمال الدرامية مثل “رئيسنا الجديد” (2018) و”قاعدة كومي” (2020)، كيف أثر ترامب في السياسة الأميركية والعلاقات الدولية، حيث صورت مواجهاته مع مؤسسات الدولة والشخصيات السياسية مثل جيمس كومي، لكن يتبين أن لدى بعض النقاد تقييمات مختلطة حيث يعتبرون أن بعض الأعمال تفرط في تصوير ترامب كتهديد حقيقي للديمقراطية، بينما تبرز أعمال أخرى مثل “المتدرب” كيف ساهمت صورة ترامب في وسائل الإعلام والبرامج الواقعية في تعزيز صورته العامة، وهذا أثار الجدل حول مدى مصداقية الصورة التي تم تقديمها للمشاهدين.

15