المتدرب السبعيني

التمييز على أساس السن في منح فرص العمل وفق مفاهيم الجيل الرقمي لا زال قائما وقويا، وكأن العمر نوع من المحظورات الاجتماعية.
الاثنين 2022/05/16
روبرت دي نيرو في فيلم "المتدرب" كسر الصورة النمطية السلبية للشيخوخة

من يقبل يُشغّلني وأنا في السبعين؟ أهمل صديقي المهندس كل خبرته العملية وتجربته، كما أهمل تمتعه بصحة جيدة، عندما ركز على الرقم المحبط لسنين العمر، بوصفها الحاجز النهائي أمام أي فرصة عمل جديدة له.

منذ عقد تقاعد هذا المهندس، لكنه لم يخضع لقانون العمر، فاستمر بالعمل حتى دخل ما يسمى بـ”الإخلاء الكبير” الذي فرضه انتشار الوباء على قطاع الأعمال.

تصاعد افتراض أنّ الاستقالة الجماعية التي تمت خلال انتشار الجائحة، كانت خيارا أقدم عليه كبار السن الساعون للإثارة، بعدما وفروا ما يكفي من الأموال للتخلص من حياة العمل المرهقة.

لكن صديقي المهندس بحاجة ماسة إلى إحساس العمل الذي بقي ملازما له كل تلك العقود، بالرغم من كونه مصنفا ضمن العمر الافتراضي للتقاعد.

هو يرى، مثلما أرى، أنه لا يزال قادرا على العطاء واجتراح الحلول في عمله الهندسي، وعمره لا يحول دون أن يستمر بالتفكير برجاحة عقل. لكن من يتفهم ذلك من قبل الشركات؟

التمييز على أساس السن في منح فرص العمل وفق مفاهيم الجيل الرقمي لا زال قائما وقويا، وكأن العمر نوع من المحظورات الاجتماعية.

لا أحد من أصحاب الشركات الذين يمارسون هذا التمييز أبدوا نوعا من الإعجاب بالفكرة الدرامية العميقة التي قدمها لنا فيلم "المتدرب" الذي جلب فيه روبرت دي نيرو وآنا هاثاوي تعاطف الجمهور بفكرته عن سبعيني ملّ روتين حياته ليكون أكبر متدرب في شركة رقمية للأزياء، وسرعان ما أصبح حلقة فعالة في عمل الشركة الشابة، حيث نسي الجميع أعوامه السبعين.

جمع الفيلم أكثر من 194 مليون دولار من شباك التذاكر حينها، ولو تفهّم أصحاب الشركات هذا الربح لأعادوا الاستعانة بخبرات كبار السن الباحثين عن فرصة عمل مخلصة لجوهر العمل أكثر من أي دافع آخر. لكن عدم الإعجاب هذا، ليس مفاجئا.

تدافع كاميلا كافينديش الأستاذة في جامعة هارفارد، وأحد أبرع كتّاب صحيفة فايننشال تايمز (فازت بأهم جائزتين  للصحافة)، عن فكرة عمل كبار السن بتساؤل عن ذي الشعر الأبيض الذي قابلته راكبا دراجة، ويعمل لمصلحة شركة لتوصيل الطلبات. وتبين أنه رجل لائق صحيا، يبلغ من العمر 65 عاما، يشعر ببهجة كبيرة بشأن التحول من وظيفة مكتبية إلى عمليات التوصيل. مثل سائق في شركة أوبر في العمر نفسه التقته كافينديش، لم يتمكن من العثور على أي وظيفة أخرى.

وترى أن هذا التحيّز الواعي وغير الواعي ضد منح فرصة العمل لكبار السن لا يتعمد إهمال عامل الخبرة وحده، بل كما تشير أبحاث أجراها اثنان من علماء النفس في جامعة هارفارد، إلى أن الصور النمطية السلبية للشيخوخة هي في الواقع أكثر استفحالا من تلك المتعلقة بالعرق والجنس.

هناك واقع فج يتمثل في الاعتقاد بأن العاملين الأكبر سنا يميلون إلى أن يكونوا أعلى تكلفة من الشباب. لكن يمكن أن يكون هناك اقتصاد زائف يقوم على خفض تكاليف الأجور الأولية من خلال توظيف الشباب. إذ أنك ستفقد الإلمام بالإجراءات والعمل الجماعي. كما جسدت لنا ذلك بامتياز وقائع فيلم “المتدرب”.

غبطني صديقي السبعيني على استمراري في العمل وأنا اقترب من الستين وبنفس الاندفاع، عندما رأى ملازمة كمبيوتري وأنا أقضي معه إجازة رائعة على ضفاف المتوسط في مدينة أليكانتي الإسبانية، مع أنه في تلك المدينة السعيدة التي لا تنام، لم يتخل عن فكرة البحث عن وظيفة.

20