المال السايب يعلم السرقة

لم يتأخر وزير الشباب والرياضة الجزائري في إصدار قرار توقيف فوري في حق مدير المركب الرياضي نيلسون مانديلا بالعاصمة، بسبب الإهمال والتسيب والحالة المهترئة التي ظهر فيها ملعب الكرة بمناسبة أول مباراة في الموسم الجديد، لكن التساؤل المطروح: إلى متى ستبقى الحلول التي توفرها الدولة مفرخة لإنتاج الفشل والمشاكل.
الفشل الذي يطارد المرافق الرياضية والشبابية ليس وليد اليوم فقط، ولا يتعلق بالمركب الرياضي المذكور، بل يعود إلى سنوات طويلة وإلى عشرات الإنجازات التي استهلكت أموالا ضخمة من خزينة الدولة، وما ظهر في نيلسون مانديلا ليس إلا لأنه يمثل واجهة الدولة ويستقطب الأضواء الإعلامية، أما المرافق المعزولة فحدّث ولا حرج.
لقد استثمرت الدولة أموالا طائلة في تشييد مرافق رياضية وشبابية في السنوات الأخيرة، بعدما أخرجتها من طائلة الشلل الذي طالها خلال سنوات مضت بسبب الضائقة المالية، لكن ما حدث في مركب نيلسون مانديلا يثير التساؤل عن جدوى مثل هذه الاستثمارات إذا كان ذلك هو مصيرها في نهاية المطاف، وما الجدوى من إقالة مسؤول ما، بعدما تسبب في كارثة تكلف الدولة نفقات ترميم وإصلاح بعد سنوات قليلة.
سياسة العقاب والردع مطلوبة بقوة في القطاع الحكومي لمحاربة التسيب والإهمال، لكن أن يكون الأمر ثقافة سائدة فذلك يدعو إلى مراجعة شاملة لسياسة الإدارة والتسيير خاصة في القطاع الرياضي والشبابي، فما حدث في مركب نيلسون مانديلا سبقه سيناريو مماثل في مركب 5 جويلية عدة مرات، وفي قسنطينة وفي معسكر.. وغيرها.
كم من مسؤول يجب أن يقال كي يستقيم أمر الرياضة والشباب في البلاد، وأين كان الوزير أصلا قبل أن تحدث كارثة مركب نيلسون مانديلا، أليس من واجب دائرته المعاينة والمتابعة المستمرة للمرافق والإنجازات، خاصة إذا كانت ذات صبغة وطنية وتمثل واجهة البلاد.
في الجزائر ليس غريبا أن يتحول الحل الذي يسيل العرق البارد للمسؤولين والمؤسسات إلى مفرخة للفشل والمشاكل وتصفية الحسابات، فقد أنفقت الدولة مليارات الدولارات على الطريق السيارة، وما كادت الأشغال تنتهي بها حتى بدأت عملية الترميم، وحتى قبل أن تنتهي أصلا.
أصحاب القرار قبل أن يفكروا في ضخ موازنات ضخمة في أي مشروع، لا بد أن يفكروا في طريقة تسييرها، ووضع حد لثقافة الريع التي تأكل الأخضر واليابس، فلو كانت الطريق السيارة مدفوعة الرسوم لحققت الشركة المسيرة عائدات ضخمة ولصارت عملية الترميم والمتابعة غير مكلفة ولا تنتظر كرم الخزينة العمومية.
ونفس الشيء بالنسبة إلى المركبات والمرافق الرياضية، فلو حصلت على استقلاليتها المالية وعلى مؤسستها المستقلة، لكان تفكير آخر في إدارتها، لأن المسؤول حينها يبحث عن العائدات، والعائدات تتحقق بترقية الخدمات والمتابعة الدائمة، ولن يكون مجرد موظف حكومي بينه وبين الوصاية عشرات الحواجز.
منطق الشعبوية ما زال يحكم القطاع، فيما تحولت الرياضة في مشارق الأرض ومغاربها إلى اقتصاد قائم بذاته، فبجرة قلم عن جهة فوقية لصالح ناد معين، يتم إلحاق هذا بالشركة الحكومية الفلانية، ويستفيد ذاك من الخزينة العمومية بكذا مليارات، فتكرست ثقافة توزيع الريع مع ممارسات الإقصاء والتهميش، وإلا ما معنى أن يلحق ناد رياضي بشركة حكومية أو يستفيد من مرفق ضخم، في حين يحرم آخر من أدنى امتياز.
الذهنية يجب أن تتغير لأن “المال السايب يعلم السرقة”.