الماء والبطيخ

سبق أن كتبت فيلما روائيا قصيرا من نوع الأنيمي، يطرح موضوع الماء -وما أدراك ما الماء- في عالم يشتكي الجفاف ويتضرع من العطش وسط تغيرات مناخية مفجعة.
ووفق تقارير دولية، فلقد تراجع معدل حصة المواطن العربي من المياه العذبة بنحو 50 في المئة، من 1000 متر مكعب سنوياً في مطلع القرن إلى أقل من 500 متر مكعب اليوم. وهذا يعني أن مجمل البلدان العربية انحدرت دون عتبة الفقر المائي لنصيب الفرد من الماء العذب، الذي حددته الأمم المتحدة بـ1000 متر مكعب سنوياً من المياه السطحية والجوفية المتجددة.
ما زاد في حماستي والتسريع بكتابة سيناريو هذا الفيلم هو انقطاع المياه في حيّنا طوال تلك الليلة، ولأسباب تخص الصيانة وحدها، وهو أمر نادر في بلد مثل تونس والحق يقال، وذلك على عكس بلدان شرق أوسطية عشت وأقمت فيها، كان الناس يهنئون فيها بعضهم بعضا لمجرد مجيء الماء مدة ساعة أو ساعتين.
تخيلت نفسي بلا ماء، وانغمست في كتابة السيناريو بحلق ناشف رغم أني كنت محاطا بقناني المياه الباردة التي زادت لهفتي على تناولها لمجرد تخيل حالتي بلا ماء، وأنا من مواليد برج الحوت، الكائن الذي لا يغادر المحيطات إلا لينتحر أو يموت.
بحثت في مخيلتي عن أكثر الكائنات صبرا وتحملا للعطش، وكذلك عن أكثرها التصاقا بالماء وعدم قدرتها على العيش بعيدا عن مصادر المياه والينابيع.
وجدت قوافل الجمال وبعض الزواحف ونباتات الصبار كائنات تتحمل الصبر والبعد عن الماء، أما الضفادع والسلاحف فلا تصبر على مفارقة الماء أكثر من يوم أو يومين، وكذلك بعض النباتات التي تنمو على ضفاف الأنهار ووسط المستنقعات، أضف إلى ذلك الخضروات والفواكه التي تنتعش في الأراضي المشبعة بالمياه كالبطيخ الذي يدعمه مثل شعبي يقول “سيّب الماء ع البطيخ” في كناية عن الإفراط في التدليل.
كان علي في الشريط المزمع إنجازه، ضرورة الربط بين هذه الكائنات، وإيجاد قصة تجمع بين الفائدة والطرافة وينشدّ إليها الكبار والصغار ضمن هدف توعوي يخدم البيئة دون سماجة أو نصائح ممجوجة ومكررة.
نمط الشخصيات الناطقة في شريط الأنيمي هذا، ينبغي لها أن تنتمي إلى البيئة العربية بامتياز وتعطي للفيلم هويته، فكانت الجمال والزواحف من صنف الحيوان، والنخيل والصبار من فصيلة النباتات الشوكية.
المشكلة التي واجهتها في كتابة هذا السيناريو هي أني أفرطت في السخرية والمفارقات الكوميدية، حتى خشيت أن يحيد المشروع عن مهمته التحسيسية والتوعوية ليتوه نحو متفرج يتشردق في الضحك والمياه مقطوعة من حوله.
ومهما يكن من أمر، فإني رددت على تحفظات الجهة المنتجة بأن المأساة تفضي إلى ملهاة، والابتسامة تدفع نحو الأمل.. ثم أن هذه طريقتي في الكتابة.