المؤسسات الخاصة حل ناجع لدعم المثقفين والفنانين العرب

شومان وآفاق والحاضنة الموسيقية مشاريع ثقافية طموحة.
الاثنين 2022/05/30
الحاضنة الموسيقية دعم متواصل للشباب

لا يمكن للحياة الثقافية أن تزدهر دون تمويل يوفر لها حاضنا ويهيئ ما تتطلبه من احتياجات ومستلزمات لتخرج على أحسن حال. وفي التراث العربي كان بيت الحكمة الذي وجد في عهد الدولة العباسية، يعطي المترجم معادل كتابه ذهبا. لكن الأمور تبدلت في العالم العربي، فتراجعت قيمة الثقافة والعلم، حتى باتت الحالة الثقافية في ذيل اهتمامات الحكومات العربية مما أثر على جودة العلوم والفنون والبحث المعرفي وغابت الإبداعات الحقيقية وتشتت المبدعون.

في مدينة برلين ثلاث دور أوبرا ومئة وثلاثين صالة سينمائية وعشرات المسارح ومئات مقار العروض، ويبلغ ما تخصصه المدينة على الفعل الثقافي فيها ما يقارب المليار يوروسنويا.

أما العواصم العربية ومدنها الكبرى فتعاني من تخلف شديد في عدد المنابر الثقافية. فحتى عام 2022 يوجد في الوطن العربي كله تسع دور أوبرا سبع منها وجدت خلال العشرين سنة الأخيرة، ومعظم العواصم العربية تقلص فيها عدد المسارح والسينمات إلى أرقام مخجلة لا تتجاوز الآحاد.

تجارب ناجحة

مؤكد أن الإنفاق الحكومي على الشأن الثقافي عربيا هو رقم شحيح ولا يكاد يذكر؛ فأكثر الميزانيات تقدما فيه يصل فيها نصيب الثقافة إلى حدود 1 في المئة من الحجم الكلي للإنفاق الحكومي، بينما تدور معظم الأرقام بين الواحد وما هو دون ذلك.

وما يزيد الوضع صعوبة عدم وجود حراك أهلي أو شعبي يحتضن الحياة الثقافية في كل الدول العربية، بسبب انتفاء ثقافة العمل الثقافي الأهلي أساسا. فنادرا ما يتم الحديث عن تبني جهة أهلية لتنظيم حدث ثقافي يتجه نحو دعم الحياة الثقافية والفنية عربيا. والصيغة الوحيدة التي تكاد تكون موجودة هي الرعايات التجارية التي تقدمها كبريات الشركات والفعاليات التجارية العربية لدعم بعض الأنشطة الثقافية من أجل تحقيق مكاسب إعلامية وإعلانية محلية، كالبنوك وشركات الاتصال والطيران. وهذا ما يتم بعيدا عن الخطط المنهجية التي تكرس الحياة الثقافية بشكل علمي مفيد.

وهناك بعض المحاولات الجادة التي حققت حضورا في الحياة الثقافية العربية، كما في مؤسسة عبدالحميد شومان الثقافية في الأردن. ففي توجه ثقافي يبحث عن دور تنويري ومجتمعي، أقدم البنك العربي في الأردن عام 1978 على إنشاء مؤسسة عبدالحميد شومان الثقافية إيمانا بفكرة “أهمية بناء أرضية ثقافية علمية، مع الاعتناء الجاد بالبحث العلمي والدراسات الإنسانية والتنوير الثقافي والابتكار وتشجيع القراءة”. والمؤسسة كما في تعريفها “هي مبادرة غير ربحية للبنك العربي عبر تخصيص جزء من أرباحه السنوية لإنشائها، وحتى تكون ذراعه للمسؤولية الثقافية والاجتماعية، مع ارتكازها على أركان ثلاثة، هي: الفكر القيادي، الأدب والفنون، والمنح الثقافيّة والابتكار”.

وتأسست من خلال هذه الفعالية الكثير من الجوائز الأدبية والفعاليات الثقافية والفنية؛ فكانت منها لجنة السينما التي أسست عام 1989، وهي لجنة تطوعيّة تشكلت من خبراء سينمائيين وفنانين بهدف تنويع الأنشطة الثقافية في المؤسّسة وخلق جو من التفاعل الحضاري مع ثقافات عربيّة وعالميّة مختلفة، وذلك إيمانًا بما للسينما من لغة إبداعية باعتبارها من أكثر الفنون أهمية وانتشارًا وتأثيرًا وتفاعلًا. ويستهدف قسم السينما كل الشغوفين والمهتمين بإنتاج الأفلام من عمر 18 سنة فما فوق، والعاملين في المجال السينمائي والطلاب الذين يدرسون السينما.

كما قدمت المؤسسة منجزا موسيقيا عبر برنامج موسيقي متكامل عام 2014 يضم: أمسيات موسيقيّة دورية تهدف إلى إنجاز منصة موسيقيّة تسلط الضوء على تجارب أردنيّة واعدة، وأمسيات موسيقيّة سنويّة لاستضافة فنانين عرب وعالميّين بارزين من أجل تعريف الجمهور بالتجارب العالميّة، بالإضافة إلى الأمسيات الموسيقيّة خلال فعاليات أسبوع جبل عمان الثقافي وأيام مؤسّسة عبدالحميد شومان الثقافية في المحافظات، وجميع أمسياتها مجانيّة.

وأطلقت أيضا “أيّام شومان الثقافية” من خلال فعاليات تعكس برامج المؤسسة المتنوعة بالتعاون مع جهات ثقافية ووطنية مختلفة. وأوجدت العديد من الجوائز الثقافية المختصة منها: جائزة للأطفال واليافعين في المجالات الأدبية والأدائية والفنية ومجال الابتكار العلمي. كما أطلقت أول جائزة بحثية عربية خاصة عام 1982 سعيًا لدعم البحث العلمي وإبرازه في مختلف أنحاء الوطن العربي.

ومن البرامج الأخرى التي نجحت في ترسيخ مكانتها في الساحة الثقافية والفنية والإبداعية العربية منحة آفاق. ففي عام 2007 تأسس الصندوق العربي للثقافة والفنون وعنه انبثقت منحة آفاق التي أشهرت عام 2011 في بيروت كفرع من مؤسسة آفاق المسجّلة في زوغ بسويسرا. وأنشئت بمبادرة من بعض المثقفين العرب وبعض الداعمين الماليين المستقلين، وكان الهدف إيجاد مؤسسة مستقلة يمكن أن تؤمن التمويل المالي لبعض الأفراد والمؤسسات الناشطة في الوسط الثقافي والفني. وتهدف هذه المؤسسة إلى إيجاد مساحات تواصل ثقافي وفني عربي متكامل يسهم في بناء مجتمع ومستقبل عربي أفضل.

وتقدّم آفاق قرابة مئتي منحة سنوياً موزّعة على تسعة برامج: الفنون الأدائية والفنون البصرية وبرنامج آفاق للأفلام الوثائقية والموسيقى وبرنامج البحوث حول الفنون والكتابات الإبداعية والنقدية والتدريب والنشاطات الإقليمية والسينما وبرنامج التصوير الفوتوغرافي الوثائقي العربي. وتقدم آفاق الدعم على مساحة عشرين بلدا عربيا ويشمل مشاريع في أوروبا والعالم، وقدمت دعما لحوالي 1700 مشروع فني وثقافي، ما يؤكد نجاحها في دعم الثقافة والمثقفين.

الحاضنة الموسيقية

في عام 2021 طرحت وزارة الثقافة السورية مشروع الحاضنة الموسيقية. وهو مشروع “استراتيجي طويل الأمد موجه إلى الموسيقيين السوريين بمختلف شرائحهم لتشكيل مجموعات موسيقية صغيرة لمختلف أشكالها، ودعم فرق أخرى متوقفة عن العمل، تمكيناً لها من التحول إلى فرق موسيقية دائمة ترفد الحركة الموسيقية السورية”.

ويتجه مشروع الحاضنة نحو دعم الفرق الموسيقية الخاصة، و تقديم الحماية والتطوير لها. وفي العام الأول خصص المشروع لموسيقى الحجرة الكلاسيكية الأساسية “آلية وغنائية”، وتم احتضان خمس فرق موسيقية حققت المعايير التي تم طلبها. وأمنت الحاضنة لهذه الفرق مجموعة الآلات على سبيل الإعارة وأماكن التدريب والدعم الإعلامي والإعلاني والخدمات الإدارية والترويج وحتى الدعم المالي، وتمتد فترة الاحتضان حتى عام كامل بحيث تشكل الفرقة هويتها الفنية الملائمة لها.

 كما خصص المشروع مشرفا فنيا لكل فرقة، واستفادت من المشروع في نسخته الأولى خمس فرق هي: فرقة خماسي وتري بإشراف الموسيقي وسيم الإمام، وفرقة رباعي فيولا بإشراف الموسيقية راما البرشة، وفرقة رباعي الغناء الكلاسيكي بإشراف المغنية رشا أبوشكر، وفرقة رباعي ترومبون بإشراف الموسيقي سامر جبر، وفرقة خماسي موسيقى الشعوب بإشراف الموسيقي دلامة الشهابي.

◙ مؤكد أن الإنفاق الحكومي على الشأن الثقافي عربيا هو رقم شحيح ولا يكاد يذكر؛ فأكثر الميزانيات تقدما فيه يصل فيها نصيب الثقافة إلى حدود 1 في المئة من الحجم الكلي للإنفاق الحكومي

أما في الموسم الثاني الذي انطلق قبل أيام في أوبرا دمشق فقد بدأ بأمسية موسيقية لمجموعتي رباعي النفخ النحاسي، وهو تشكيل من آلات النفخ النحاسية الجديدة ويعمل بإشراف سامر جبر.

ويرى المثنى علي المشرف على المشروع أنه يحقق فائدة كبرى للحياة الموسيقية السورية من خلال دعمه المواهب الموسيقية وجهده في تأسيس فرق فنية متعددة صغيرة وكبيرة، كما يساهم في انتشار الوعي الموسيقي والثقافة الفنية.

ويضيف “اعتمدنا في الموسم الثاني للمشروع على وجود عازف واحد لكل آلة موسيقية بحيث تكون مسؤولة عن الحالة الفنية وتواصلها مع الجمهور ثم نصل إلى حالة المشاركة في العزف مع بقية الآلات”.

وفي الموسم الثاني للمشروع الذي أقيم في دار أوبرا دمشق قدمت في الأمسية الأولى مجموعة رباعي النفخ النحاسي ترومبون بإشراف سامر جبر. ثم مجموعة موسيقى الشعوب وهي تشكيلات حديثة لآلات نفخية نحاسية بإشراف دلامة الشهابي. وقدمت مجموعة من التآليف الموسيقية التراثية العالمية. كما قدمت أمسية موسيقية لمجموعة الوتريات التي تضم الرباعي الوتري الكلاسيكي ومجموعة الفيولا ومجموعة رباعي الغناء.

ومن المعروف أن وزارة الثقافة السورية من خلال المؤسسة العامة للسينما كانت قد أطلقت منذ تسع سنوات مشروع دعم سينما الشباب الذي يحتضن المواهب السينمائية الشابة ويقدم لها الطاقة الإنتاجية الكاملة لإنتاج أفلامها، كما أوجدت لهذه المواهب مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة الذي صار حدثا ثقافيا فنيا سنويا في المشهد الثقافي السوري، ثم أتبعته بمشروع مسرحي عبر المديرية العامة للمسارح والموسيقى هو مشروع دعم مسرح الشباب الذي يقدم الهدف ذاته في الشق المسرحي واستقطب خلال سنوات قليلة العديد من الطاقات المسرحية الواعدة.

12