الليبيون يصعّدون الاحتجاجات والدبيبة يضغط على وزرائه المستقيلين للعودة عن قرارهم

المجلس البلدي بصبراتة يعلن تأييده لإسقاط الحكومة ويدعوها إلى مغادرة المشهد السياسي.
الأحد 2025/05/18
احتجاجات حتى رحيل الحكومة

تشهد الاحتجاجات في ليبيا تصعيدا متواصلا في مسعى لإسقاط حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها عبدالحميد الدبيبة، وسط ضغوط من هذا الأخير على وزرائه الذين أعلنوا استقالاتهم من مناصبهم في الحكومة خلال الأيام الأخيرة لثنيهم عن قرارهم.

اتسعت دائرة الاحتجاجات المنادية بإسقاط حكومة الوحدة المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة، وقال ناشطون من مدن غرب ليبيا إن الاحتجاجات ستستمر، وإنها ستشهد تصعيدا خلال الأيام القادمة، بعد أن تأكد الجميع أن الدبيبة مستعد لكل شيء مقابل ضمان بقائه في السلطة. وأعلنت بلدية سوق الجمعة عن انطلاق اعتصام مدني مفتوح وشامل في كل مناطق ليبيا وعلى رأسها العاصمة طرابلس، إلى أن ترحل حكومة الدبيبة، وأكدت في بيان لها أن حكومة الدبيبة تمادت في استباحة الدم الليبي ولجأت إلى استخدام السلاح ضد أبناء شعبها، ولم يعد أيّ مجال للصمت أو التراجع.

وقالت البلدية إن “الاعتصام المدني يستمر إلى حين اتخاذ إجراء وطني حاسم من المجلس الرئاسي بإنهاء عبث هذه الحكومة التي فقدت شرعيتها وأغرقت الوطن في الفوضى ولن يرفع حتى تتحقق إرادة الشعب ويُحاسب من خان الأمانة،” مشيرة إلى أن “كل من يحاول عرقلة هذا الحراك السلمي أو التصدي له سيتحمل المسؤولية كاملة وسيُعتبر شريكًا مباشرًا في جرائم هذه الحكومة وسفك دماء الليبيين.”

وأصدر المجلس البلدي بصبراتة، بيانا أعلن خلاله تأييده لإسقاط حكومة الدبيبة، ودعاها إلى مغادرة المشهد السياسي، محملا إيّاها مسؤولية الفتن بين أبناء الشعب الواحد. وقال “نعلن في هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها بلادنا والتي يجب أن يسودها صوت الحق والحكمة اصطفافنا إلى جانب الشعب الليبي ومطالبه المشروعة بتنفيذ إرادته الحرة،” مؤكدا أن حكومة دبيبة لم تعد تمثله.

واستنكر المجلس الاجتماعي لقبائل ورفلة بالمنطقة الشرقية الهجوم الذي تتعرض له طرابلس من قبل الميليشيات الخارجة عن القانون، والتي تدّعي الشرعية، وما ترتكبه من قتل للنساء والأطفال وحرق وسلب للممتلكات. وحمّل المجلس رئيس الحكومة المنتهية المسؤولية الكاملة عمّا حدث وما قد يحدث لاحقًا، بعد تأييده الصريح للحرب، معتبرًا أن تلك التصرفات أودت بحياة أكثر من 200 قتيل، إلى جانب الدمار الواسع في المباني والممتلكات العامة والخاصة.

◙ مراقبون يقولون إن عبدالحميد الدبيبة يسعى لإقناع الرأي العام الداخلي والخارجي بأن الحكومة متماسكة

وفي مصراتة، نظم سكان محليون وقفة احتجاجية أمام مقر المجلس البلدي، عبّروا فيها عن رفضهم للزج باسم المدينة في أحداث العنف التي شهدتها العاصمة طرابلس وأكدوا دعمهم لمسار بناء الدولة المدنية وتمسكهم بالوحدة الوطنية، وأكدوا أن خروجهم جاء استجابة لنداء الوطن، وتعبيرا عن موقف موحد لأبناء المدينة بمختلف فئاتهم، تجاه ما وصفوه بـالأحداث المؤسفة التي استغلّتها أطراف مغرضة لبث الفتنة وتأجيج الانقسام.

وشدد البيان على رفض أهالي مصراتة القاطع لأيّ محاولة لإثارة الفتنة بين الليبيين، داعين إلى التمسك بالوحدة الوطنية وعدم الانجرار وراء الشائعات، مؤكدين في الوقت ذاته استنكارهم لمحاولات الزج باسم المدينة في ما جرى بالعاصمة. وأكد المحتجون أن مصراتة بريئة من أيّ تحركات تهدف إلى زعزعة الاستقرار أو تقويض الدولة، مشيرين إلى أن موقف المدينة ثابت في دعم السلم والاستقرار، وأنها لا تمثلها سوى مؤسساتها الشرعية، وعلى رأسها المجلس البلدي المنتخب.

وشدد الاتحاد العام لطلبة ليبيا على موقفه الثابت في دعم الحراك الوطني الكبير لإزالة وإسقاط الحكومة غير الشرعية القابعة في تعنتها وظلمها واستغلالها لموارد الدولة الليبية والتي ذهبت بعيدا بعقد الاتفاقيات المشبوهة لتوريط البلاد حتى تبقى أطول فترة في الحكم وإذكاء نار الفتنة بين الشعب الواحد. وتابع الاتحاد أنه يهيب بكافة الاتحادات الطلابية في طرابلس وكافة المدن بالاستمرار في موقفهم القوي تجاه إزالة الحكومة غير الشرعية وإسقاطها والتي بدأت عملها في محاولة تصفية المؤسسة الطلابية عن طريق دعمها لجمعيات ومؤسسات مشبوهة، وفق نص البيان.

وشهدت العاصمة طرابلس الجمعة مظاهرات حاشدة شارك فيها آلالاف من السكان المحليين وسكان المدن المجاورة ممّن رفعوا شعارات تنادي بسقوط الحكومة ومحاسبة رئيسها، فيما أعلن عدد من الوزراء وكبار المسؤولين استقالاتهم من مناصبهم من بينهم وزير الاقتصاد والتجارة محمد الحويج، وبدر التومي وزير الحكم المحلي، ومبروكة توكي وزيرة الثقافة، ووزيرة العدل حليمة البوسيفي، ووزير الإسكان والتعمير أبوبكر الغاوي، ورمضان أبوجناح نائب رئيس الوزراء الذي أعفي من تسيير وزارة الصحة قبل أسبوعين، ومحمد فرج قنيدي وكيل وزارة الموارد المائية المكلف بتسيير الوزارة وغيرهم.

وقالت مصادر مطلعة إن الدبيبة وعدد من مساعديه اتصلوا بالمسؤولين المستقيلين ومارسوا عليهم ضغوطا مشددة لإجبارهم على التراجع عن قراراتهم، وإقناع الرأي العام الداخلي والخارجي بأن الاستقالات المعلنة لا تعدو أن تكون إشاعات وأن الحكومة متماسكة وتحظى بشرعية تؤهلها للاستمرار في أداء وظيفتها. في الأثناء، أعلن أن مجلس النواب كلف النائب العام، الصديق الصور بالتحقيق مع الدبيبة ومنعه من السفر، وذلك على خلفية التطورات الأمنية التي شهدتها العاصمة طرابلس.

وجاء في بيان أنه “استجابة لإرادة الشعب مصدر السلطات في الدولة، ونظرًا لما قامت به الحكومة منتهية الولاية في طرابلس من قمع للمتظاهرين السلميين ومواجهتهم بالسلاح، ما أدى إلى سقوط عدد من الوفيات والجرحى وما سبقها من أعمال عنف خلفت خسائر بشرية ومادية كبيرة حولت مدينة طرابلس إلى ساحة حرب ودمار من أجل استمرار هذه الحكومة المنتهية.”

وبحسب مراقبين، فإن مظاهرات الجمعة غير المسبوقة نزعت شرعية الشارع عن حكومة الدبيبة ورفعت عنها الغطاء السياسي والاجتماعي، وأكدت أن المرحلة القادمة ستشهد قطيعة تامة بين الحكومة وبين الشارع، بينما لم يعد بإمكان الميليشيات الموالية للسلطات الحالية قمع المتظاهرين في ظل التوازنات الجديدة التي تشكلت نتيجة فشل الدبيبة في إقصاء جهازي الردع ودعم الاستقرار وفي تكريس هيمنة ميليشيات مصراتة على العاصمة وضواحيها.

وفي السياق، عبر الرؤساء المشاركون بمجموعة العمل المعنية بحقوق الإنسان الخاصة في ليبيا عن قلقهم البالغ من استخدام الأجهزة الأمنية في طرابلس للذخيرة الحية لتفريق متظاهرين في العاصمة. وأعربت المجموعة عن استيائها من سقوط قتلى وجرحى في صفوف المتظاهرين المدنيين، وإلحاق أضرار بالمنازل والبنى التحتية، معتبرة أن قتل وإصابة المدنيين خلال القتال في المناطق المكتظة بالسكان في طرابلس يمثل فشلاً واضحاً في الالتزام بالقانون الإنساني الدولي لحماية المدنيين.

وشدد الرؤساء المشاركون على ضمان حقوق جميع الليبيين في حرية التعبير والتجمع السلمي دون خوف من الانتقام، داعين السلطات إلى إجراء تحقيقات مستقلة في القمع العنيف الذي ينتهك التزامات ليبيا بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ومحاسبة الجناة. وعبّر الرؤساء عن مخاوفهم من تقارير تفيد بسيطرة جهات مسلحة على مرافق الاحتجاز وفي سياق يتسم بالاحتجاز التعسفي والتعذيب وسوء المعاملة على نطاق واسع ومنهجي.

وشددوا على أهمية حماية حقوق المحتجزين ومعاملتهم بإنسانية، والحفاظ على جميع الأدلة لجهود المساءلة الوطنية والدولية، بما يضمن تحقيق العدالة للضحايا والناجين من مرافق الاحتجاز. كما أعرب سفير الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا نيكولا أورلاندو عن قلق الاتحاد الأوروبي العميق إزاء التطورات الأخيرة في ليبيا، مُشددًا على ضرورة حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية، والالتزام بوقف إطلاق النار.

وعبّر أورلاندو، خلال لقائه بالنائب بالمجلس الرئاسي موسى الكوني، عن قلقه إزاء التقارير التي أفادت بسقوط ضحايا مدنيين خلال مظاهرات الجمعة، داعيًا جميع المؤسسات إلى احترام وحماية الحق في التجمع السلمي وضمان المساءلة عن أي انتهاكات. وقال أورلاندو إنه شجع المجلس الرئاسي وجميع القادة الليبيين على السعي لإيجاد حلول عاجلة من خلال الحوار، بدعم من وساطة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وأكد على أن هذه لحظة حاسمة، مشيرا إلى أنه يجب على القادة الليبيين التصرف بمسؤولية لحماية الأرواح، والحفاظ على الاستقرار، والدفع تجاه عملية سياسية شاملة دون تأخير.

 

اقرأ أيضا:

     • تونس من الحياد إلى التأثير المباشر في وقف التصعيد بليبيا

2