اللص التائب

هل يا ترى خان اللصوص الوصية من بعدك يا ابن عسقلة؟
الثلاثاء 2023/09/12
حراميّة آخر زمن

نجحت في استرجاع جهاز موبايلي المسروق بمساعدة أحد اللصوص التائبين، والذي وضعه أمامي على الطاولة في مقهى “قدماء السرّاق” بمنتهى اللطف والكياسة.

أعطيته ما تيسّر من نقود مقابل فعله الخيري التطوعي، وطفقت أسأله بفضول، عن تاريخه مع السرقة وسر تعلقه بها ثم إقلاعه عنها وتوبته النصوح.

قال إن كل ما يتذكره أنه نزل من بطن أمه بارعا حتى في استراق الرضاعة من غير ثدي التي أنجبته ثم نمت مواهبه بالفطرة قبل الحاجة، حتى بلغت أشدها في التعليم الابتدائي عبر اختلاس الأدوات المدرسية.

عندئذ، لم يعد في حاجة إلى التعلم، وشقّ صاحبنا طريق الاحتراف بجدارة، ودون فضل لأحد عليه سوى موهبته وتكوينه العصامي.

دخل الإصلاحيات في سن مبكرة فلم تزده تلك التجربة غير المزيد من المثابرة وتعلم ما يستجد من دروس بفضل تلاقح الخبرات والانفتاح على المدارس الحديثة في فنون النشل والنصب والاحتيال، حتى أصبح مرجعا يؤمه طلاب هذه الصنعة من كل حدب وصوب.

اتسع نشاط صاحبنا وتنوع إلى أن صار يدير شبكات بأكملها حتى وقع في حب امرأة سرقت قلبه، ووعدها بأن يترك هذا “الكار” كما اشترطت عليه قبل زواجها منه.

صحيح أن “الرزق الحلال” لم يعد يدرّ بالمال الوفير كالمعتاد، لكن تعلقه بتلك المرأة جعله يكتفي ويرضى باليسير، دون أن يستغني عما يمنحه إياه زملاء المهنة السابقة من نسب في الغنائم والمسروقات غير متناسين فضله عليهم.

ظل الأمر كذلك إلى أن جاء اليوم الذي خدعته المرأة التي أحبها وأخلص لها، وهربت مع أحد زملاء المهنة في الأمس بعد أن نهبت منه “تحويشة العمر”.

وأردف كبير اللصوص التائبين قائلا على طاولتي في المقهى: كنا نمارس هذه المهنة بتفان وأخلاق، وليس كمثل هؤلاء الأوغاد الذين سرقوا موبايلك المتواضع وحرموك ما في ذاكرته من أرقام وعناوين، وقد خدعتهم المظاهر، دون أن يتنبهوا إلى حقيقة حالتك.. بالفعل حراميّة آخر زمن.

شرد ذهني بعيدا متأثرا بحديثه، وتذكرت ما قاله أدهم بن عسقلة، كبير اللصوص في العهد العباسي، ينصح أتباعه “لا تسرقوا امرأة ولا جارا ولا نبيلا ولا فقيرا، وإذا سرقتم بيتا فاسرقوا نصفه واتركوا النصف الآخر ليعتاش عليه أهله، ولا تكونوا من الأنذال”، فهل يا ترى خان اللصوص الوصية من بعدك يا ابن عسقلة؟

عدت من شرودي إلى طاولة صاحبنا في مقهى اللصوص التائبين، فوجدته يقول إنه قد ثاب عن رشده ويفكر في العودة إلى المهنة التي نشأ عليها ورضعها من ثدي أمه بعد أن اتعظ على إثر خيانة زوجته له مع عشيقها الزميل السابق.

وعدت إلى بيتي، تفقدت الموبايل الذي كان أمامي على الطاولة فلم أجده.. وعدت أبحث من جديد عن اللص التائب عساني أسترجع الموبايل.. أين أنت يا ابن عسقلة؟

18