اللصوص يستغلون الوباء لسرقة التحف الأثرية والفنية

تصريف الكنوز المنهوبة عبر الإنترنت يعقّد مهمة استردادها.
الثلاثاء 2020/11/10
يسرقون ما غلا ثمنه وخفّ وزنه

مصائب العالم مع انتشار وباء كورونا فرص يستغلها اللصوص لسرقة الكنوز الثقافية من المتاحف وبيعها على مواقع التواصل الاجتماعي التي سهلت مهمة هذه التجارة غير المشروعة وحمت العاملين فيها من الملاحقات القانونية.

باريس - بات التراث ضحية جانبية لجائحة كورونا مع الازدياد الكبير أخيرا في نشاطات التجارة الإلكترونية بالممتلكات الثقافية التي تدرّ مبالغ طائلة، بحسب تحذيرات خبراء، بموازاة احتفال اليونسكو بالذكرى السنوية الخمسين لتوقيع اتفاقية العام 1970 للتصدي لهذه الآفة.

وفي 2019، أحصى مشروع “آثار بروجكت” المعني بالبحوث بشأن الاتجار بالآثار والإرث الأنثروبولوجي، 90 مجموعة على فيسبوك مخصصة للاتجار بالمقتنيات الثقافية، تضم حوالي 300 ألف مستخدم.

ويقدّر الأستاذ الجامعي السوري عمرو العزم المشارك في إدارة المنظمة غير الحكومية، عدد هذه المجموعات حاليا بحوالي 130، “بينها الكثير باللغة العربية، وهي تضم أكثر من نصف مليون شخص”.

وأشارت منظمة الجمارك العالمية إلى “ازدياد عمليات الاتجار غير القانوني” بالآثار عبر الإنترنت، خصوصا لقطع مقلّدة، مع الاعتماد المتزايد على الخدمات الرقمية في ظل الظروف الاستثنائية التي يشهدها العالم.

ويقول نائب المدير العام لشؤون الثقافة في منظمة اليونسكو إرنستو أوتوني راميريز إن “الجائحة هي آفة” إذ تؤدي إلى “ازدياد عمليات النهب وتراجع المعلومات والبعثات وعمليات المراقبة”.

ويشير منسق وحدة الأعمال الفنية في الإنتربول كورادو كاتيزي إلى أن هيئة الشرطة الدولية هذه “لا تملك أي أدلة على ازدياد في عمليات النبش غير القانونية، لكن يمكن الافتراض بأنه في ظل تركيز الجهود كافة على حفظ الأمن الصحي، ثمة تراجع في الدوريات خصوصا في المواقع الأثرية البعيدة في كثير من الأحيان عن المدن، كما أن الحقول الأخرى تحظى بتغطية أقل”.

ويسجَّل هذا المنحى بحدة أكبر في البلدان ذات المؤسسات الضعيفة أو التي تساهم الفوضى المهيمنة عليها في انتشار نشاطات الظل هذه. ومن بين هذه البلدان، تدفع سوريا والعراق وأفغانستان فاتورة باهظة منذ سنوات.

غير أن السرقة لا تعرف الحدود، فخلال اجتماع خبراء خُصص “للاتجار بالآثار في زمن كورونا” في يونيو، تحدث أوتوني عن محاولة لسرقة أحجار من كاتدرائية نوتردام في باريس التي توقفت أعمال ترميمها خلال تدابير الحجر.

إرث كل الإنسانية
إرث كل الإنسانية

وحاول زوجان من اللصوص سرقة الأحجار الكريمة من داخل كاتدرائية نوتردام التي يرجع عمرها إلى القرن الثاني عشر الميلادي، ولكن سرعان ما تم القبض على المجرمين الفرنسيين وهما يسرقان الأحجار الكريمة.

ووفق كاتيزي، في كل أنحاء العالم “أدت الأولويات الصحية لتراجع الاهتمام بحماية التراث”.

وباتت متاحف ومواقع أثرية كثيرة في العالم مهجورة بسبب الجائحة من دون حراسة مناسبة، ما يترك التحف التي تكتنزها تحت رحمة مهرّبين، أفرادا وشبكات، وحتى مجموعات إرهابية.

وفي هولندا، تعرضت لوحة للرسام فان غوخ إلى السرقة نهاية مارس من متحف كان مغلقا أمام العامة منذ أسبوعين.

وقد “وصل السارق على دراجة نارية وخلع الباب وغادر مع اللوحة. وكانت مهمته سهلة في ظل عدم وجود أي دوريات، في مدينة تشهد في العادة ليلا حركة للمارة والسائقين”، وفق كورادو كاتيزي الذي يرى في ذلك “أفضل مثال على الجريمة في حق الممتلكات الثقافية خلال فترة الحجر”.

كما تمت سرقة لوحة لفنان بريطاني شهير تقدر بالآلاف من الجنيهات من القطار في بريطانيا، حين سافر مالك اللوحة ستيف كوزينز من ميلتون كينز إلى لندن للحصول على لوحة “الميناء الأزرق” التي رسمها الفنان البريطاني الشهير تيري فروست عام 1954.

وفي السياق ذاته، تمت سرقة ثلاث لوحات فنية من جامعة أكسفورد بداية شهر مارس الماضي؛ اللوحة الأولى تصور “الساحل الصخري وجنودا يدرسون خطة” للفنان سلفاتور روزا رسمها عام 1640، واللوحة الثانية تصور “صبيا يشرب” للفنان أنيبالي كاراتشي رسمها عام 1580، أما اللوحة الثالثة فتصور جنديا على ظهر الخيل للفنان فان ديك رسمها عام 1616.

ومع ذلك، سُجلت أكثرية السرقات خلال هذه الفترة بفعل عمليات نبش غير قانونية في العالم العربي وأيضا في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا اللاتينية.

ويقول أوتوني “في أحيان كثيرة تُنبش أجزاء من قطع. لذا تصاب عناصر أساسية بالتلف”.

المتاحف مستهدفة في زمن الحجر
المتاحف مستهدفة في زمن الحجر

ويوضح عمرو العزم وهو أستاذ في جامعة شاوني في ولاية أوهايو الأميركية “تصدّر الدمار الكارثي الذي لحق بأسواق حلب القديمة سنة 2012 عناوين الأخبار، لكن الدمار الأكبر يأتي فعليا من عمليات النهب”.

ويتوقف العزم عند التبعات الاقتصادية المترتبة عن الجائحة، خصوصا مع فقدان كثيرين حول العالم موارد رزقهم.

ويقول “في أوقات الاضطرابات القوية، يبحث الناس عن سبل البقاء، خصوصا في البلدان التي تواجه مصاعب اقتصادية قوية بينها على سبيل المثال سوريا أو لبنان”.

ومنذ 2013 و2014، يلاحظ هذا المدير السابق لأحد المختبرات التابعة للمديرية العامة للآثار والمتاحف في دمشق، أن “الضالعين في عمليات النهب لا يلجأون بالضرورة إلى الشبكات التقليدية للبيع”، إذ باتوا يركزون على شبكات التواصل الاجتماعي التي تسجل شعبية متنامية في الشرق الأوسط.

ويستعين الباعة بخدمات إلكترونية كثيرة لاستقطاب الزبائن، بما فيها “فيسبوك” و”واتساب” و”إيباي”.

وبدأ العزم مع زميلته في مشروع “آثار” عالمة الأناسة كايتي بول، تحقيقا عبر “فيسبوك” يستعينان فيه بخوارزميات الشبكة. وهو يقول “فور الانضمام إلى مجموعة، يقترح فيسبوك عليكم بصورة عفوية دخول صفحات أخرى تلبي اهتمامكم بعمليات الاتجار بالقطع الفنية”.

ويضيف “لقد جمعنا الآلاف من الصور ووجدنا مجموعات يجري التداول فيها عن الطريقة الفضلى لإجراء عمليات نبش في ضريح ما في ظل تسيير دوريات… وهذا الأمر لا يعتمد على شبكة الإنترنت، إذ لا حاجة إلى أن يكون الشخص قرصان معلوماتية ليقع على هذا كله”.

وإثر ضغوط من مجموعات مكافحة الاتجار بالآثار وبعد ثلاث سنوات من المحادثات مع اليونسكو ومنظمات دولية أخرى، عدّلت “فيسبوك” وخدمة “إنستغرام” التابعة لها قواعدهما في يونيو لحظر الاتجار بالقطع التاريخية عبر منصتيهما.

ويصف أوتوني ذلك بأنه “نصر لمناسبة الذكرى الخمسين لتوقيع الاتفاقية”، لكن عمرو العزم يرى أن القرار لا يزال حبرا على ورق.

غير أن عالم الآثار يخشى خصوصا إتلاف الأدلة. ويقول “هذا الأثر الوحيد المتاح أمامنا عن وجود هذه القطع. هم سيمحون كل ذلك لإخفاء فعلتهم”.

20