الكويت تختبر مزاج ترامب قبل إصدار موقف نهائي من التطبيع مع إسرائيل

اعتماد الحكومة الكويتية على تصريحات “المصادر” لوسائل الإعلام المحلية، لتسريب مواقف من تطبيع العلاقات مع إسرائيل والخطوات المقطوعة في هذا الاتجاه من قبل دولة الإمارات، يكشف عن مقدار الحذر إزاء هذه القضية الحسّاسة مخافة استثارة البرلمان المتحفّز للضغط عبر آلية الاستجوابات من جهة، أو إغضاب الحليف الأميركي من جهة مقابلة.
الكويت- لا تزال الكويت تلتزم الحذر في إصدار موقف واضح من مسألة تطبيع العلاقات مع إسرائيل التي أعادتها إلى دائرة الضوء، مؤخرا، الخطوةُ الاستثنائية التي أقدمت عليها دولة الإمارات بقرارها ربط علاقات طبيعية مع تل أبيب.
وفي ظل الموقف المضاد للتطبيع والسائد داخل مجلس الأمّة (البرلمان)، والمعبَّر عنه بوضوح من قبل غالبية نوّابه، لجأت الحكومة الكويتية إلى إصدار إشارات عن توافقها مع ذلك الموقف، معتمدة أسلوب التسريبات في التعبير عن ذلك.
ويتيح مثل هذا الأسلوب هامشا أوسع للمناورة، فهو من جهة لا يرتّب مسؤولية يُعتدّ بها في إدارة العلاقات بين الدول، كما يبقي على إمكانية تغيير الموقف والتراجع عنه في حال اقتضت الضرورة ذلك.
ومن الضرورات الممكنة في الحالة الكويتية أن تسلّط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضغوطا كبيرة على الكويت لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، على اعتبار أن المسألة لا تخلو من مصلحة حيوية لترامب الباحث عن إنجازات دبلوماسية يثري بها رصيده وهو يتقدم لانتخابات نوفمبر القادم.
ولم تصدر الكويت موقفا رسميا من الخطوة الإماراتية، واكتفت “مصادر حكومية” بالقول لصحيفة القبس المحلية إنّ البلاد باقية “على موقفها وستكون آخر دولة تطبِّع مع إسرائيل”.
وتَجَدّد اللّجوء إلى “المصادر” غير المحدّدة، لصياغة موقف من تسيير أول رحلة جوية تجارية مباشرة بين تل أبيب وأبوظبي، حيث أكدت مصادر حكومية كويتية أن الطيران الإسرائيلي لن يمر إطلاقا عبر الأجواء الكويتية للوصول إلى دولة الإمارات.
ونقلت نفس الصحيفة الكويتية في عددها الصادر الثلاثاء عن المصادر القول إن الخط الملاحي الجوي الذي دُشن من إسرائيل إلى الإمارات لا يمر بالطريق الجوي للبلاد، بل من طريق آخر بعيد عن الكويت تماما، مبيّنة أن ما يشاع حول إمكانية السماح بعبور طائرات إسرائيلية عبر الأجواء الكويتية للوصول إلى الإمارات عارٍ عن الصحة جملة وتفصيلا.
وكانت طائرة العال الإسرائيلية التي انطلقت الاثنين من مطار بن غوريون حاملة على متنها وفدا أميركيا إسرائيليا مشتركا بقيادة كل من صهر الرئيس الأميركي وكبير مستشاريه، جاريد كوشنر ومائير بن شبات رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، قدّ حلقت في أجواء السعودية وفوق العاصمة الرياض قبل أن تحطّ في مطار الرئاسة بأبوظبي.
واعتبر سماح السلطات السعودية بتحليق الطائرة ضربا من “تلطيف” الموقف الرسمي السعودي الصريح في رفض التطبيع في الوقت الحالي وربطه بالتقدم في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ولم تبتعد مملكة البحرين عن الموقف السعودي، حيث أكّد العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، الأربعاء الماضي، لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي زار المنامة في إطار جولة أشمل في المنطقة، التزام بلاده بمبادرة السلام العربية التي تنصّ على قيام دولة فلسطينية مستقلة مقابل تطبيع العلاقات.
وعاد العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، الثلاثاء، ليؤكّد لجاريد كوشنر مستشار البيت الأبيض أن الاستقرار في منطقة الخليج يعتمد في جميع المواقف على “الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية”. ويقوم كوشنر حاليا بجولة في دول الخليج قالت عدّة مصادر إنّها لا تنفصل عن الجهود الأميركية للتقريب بين تلك البلدان وإسرائيل.
ويرى مراقبون أنّ دولا مثل السعودية والكويت والبحرين وسلطنة عمان وقطر، لا يمكن أن تصوغ موقفها من تطبيع العلاقات مع إسرائيل دون الأخذ في الاعتبار مواقف الإدارة الأميركية وما يمكن أن تمارسه عليها من ضغوط في حال رغبت في ذلك، خصوصا وأن إدارة ترامب بالذات لم تتردّد في استخدام أسلوب الضغط على حلفاء آخرين بما في ذلك كبريات العواصم الغربية، عندما أرادت دفعهم إلى الاصطفاف إلى جانبها في قضايا وملفات معيّنة.
من الضرورات الممكنة في الحالة الكويتية أن تسلّط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضغوطا كبيرة على الكويت لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، على اعتبار أن المسألة لا تخلو من مصلحة حيوية لترامب
غير أنّ مصادر مطّلعة على الشأن الخليجي، أكّدت أنّ مزاج ترامب مختلف في ما يتعلّق بمسألة تطبيع علاقات بلدان مجلس التعاون مع إسرائيل، وأن إدارته تميل إلى عدم الضغط على تلك البلدان للسير على خطى الإمارات وتفضّل بدلا من ذلك مواصلة إقناعها بجدوى الأمر، وذلك حفاظا على مصالح حيوية أخرى لواشنطن مع تلك البلدان.
ويعتبر موقف الكويت إزاء مسألة التطبيع مع إسرائيل أكثر حساسية من باقي بلدان الخليج، إذ يتطلّب من حكومتها مراعاة العلاقة الحيوية مع الولايات المتّحدة، وتجنّب ضغوط البرلمان الذي يمتلك سلطة مراقبة الحكومة والتحكّم في سياساتها ومواقفها عبر آلية الاستجواب وسحب الثقّة من أعضائها.
وإثر إعلان الإمارات قرارها تطبيع العلاقات مع إسرائيل أصدر واحد وأربعون نائبا في كويتيا بيانا يرفض التطبيع ويؤكد دعم القضية الفلسطينية. ويبدو أنّ واشنطن متفهّمة لموقف حليفتها الخليجية وتتجنّب إحراجها. وهو ما أكّده ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى في وقت سابق بنفي ممارسة بلاده أي ضغوط على الكويت لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
وقال شينكر خلال مؤتمر صحافي عقده عن بعد “لا ضغوط على الكويت للتطبيع مع إسرائيل”، مضيفا “دول الخليج مستقلة، ولها حرية اتخاذ القرار، ولها مواقف مختلفة تجاه التطبيع مع إسرائيل”.