الكوميديا على هامش الدراما المصرية في رمضان

كشف الموسم الرمضاني المنقضي عن تراجع في مستوى الأعمال الكوميدية حيث لم يحقق أغلبها النجاح الجماهيري المنتظر، لا بل تعرض بعضها لحملات انتقاد واسعة، ما يشير وفق نقاد إلى ندرة في الكتاب الموهوبين في هذا الصنف الفني، واستسهال الكتابة للكوميديا والتي جاءت في مجملها تجميعا للإسكتشات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي.
القاهرة - تراجع حضور المسلسلات الكوميدية المصرية في موسم رمضان الدرامي الذي انتهى منذ أيام قليلة مع قلة الأعمال المقدمة ومواصلتها السقوط في فخ التكرار أحيانًا والابتذال أحيانا أخرى، وتأثرت سلبًا بسطوة الأعمال الاجتماعية التي تصدرت المشهد، ما أشار إلى إمكانية تغيير الخارطة الدرامية في الأعوام المقبلة التي من المتوقع أن تشهد مزيدا من الخفوت للأعمال الكوميدية.
شهد موسم رمضان هذا العام تقديم سبعة أعمال، بينها عملان يستكملان أجزاء سابقة جرى تقديمها من قبل وهما “الكبير أوي الجزء السابع” و”اللعبة 3″ والأخير جرى بثه على منصة “شاهد” الرقمية قبل عام تقريبًا، إلى جانب خمسة أعمال أخرى وهي: “الإكس لانس” و”1000 حمدالله على السلامة” و”جت سليمة” و”الصفارة”، و”كشف مستعجل”، وجميعها لم تخل من تكرار الشخصيات وإعادة تدوير الإسكتشات الفنية.
لم يستطع مسلسل “الكبير أوي” وهو من بطولة الفنان أحمد مكي، والذي حقق نجاحا كبيرا العام الماضي، الثبات هذا العام على نفس المستوى الفني الذي قدمه سابقا، ووقع في فخ الاستغراق في تقديم إسكتشات كوميدية، أغلبها بدا مكررا أو جرى تقديمها بصور عديدة في الجزء السادس، وبدا أن صناع العمل هدفوا إلى توظيف النجاح الذي حققه مكي دون أن تكون لديه حبكة درامية قوية من خلال تقديم مواقف تجذب الجمهور وتعتمد على التجديد ومحاولة ضم أحداث غير مفتعلة.
وأكد قرار الشركة المنتجة لمسلسل “اللعبة 4” إرجاء إذاعته في رمضان الحالي وطرحه عقب إجازة عيد الفطر على منصة “شاهد”، وإذاعة الجزء الثالث على فضائية “إم بي سي – مصر” أن هناك رؤية إنتاجية ترى أن موسم رمضان لم يعد مناسبًا لنجاح الأعمال الكوميدية، وأن هيمنة النزعة الاجتماعية تجعل هناك صعوبات عديدة حول مسألة تسويقه بالشكل الجيد.
كما أن العديد من الأعمال الدرامية المقدمة على مدار العام تغيب فيها إلى حد بعيد الكوميديا، ولذلك يصبح التنوع مطلوبًا لتقديم محتويات خفيفة إلى جانب نظيرتها الجادة.
وبعيدا عن الظروف الإنتاجية واهتمامات المشاهدين فإن الأعمال الكوميدية هذا العام لم تستطع جذب الجمهور إليها، ومع أن الفنان أحمد أمين قدم قصة جيدة في مسلسل “الصفارة”، إلا أن هيمنة قوالب الإسكتشات التي برع أمين في تقديمها من خلال برنامج “البلاتوه” جعل الجمهور يدرك أنه أمام عملية تكرار البرنامج، وساعد على ذلك استعانته بجزء كبير من فريق عمل البرنامج في المسلسل.
وتدور قصة “الصفارة” التي تمزج بين الكوميديا والفانتازيا حول مرشد سياحي يملك صفارة الملك توت عنخ آمون التي تمكنه من العودة بالزمن إلى الوراء لمدة 3 دقائق، ثم الرجوع إلى الحاضر واكتشاف التغيرات الناتجة، فيدخل في مغامرات مثيرة، ويشارك في بطولة المسلسل مع أحمد أمين، كل من طه دسوقي، وآية سماحة، وحاتم صلاح، والعمل تأليف ورشة كتابة، وإخراج علاء إسماعيل.
بشكل مشابه حول الفكرة عادت الفنانة دنيا سمير غانم لتقديم دور البطولة في مسلسل “جت (أتت) سليمة” الذي تدور أحداثه في إطار فانتازي من خلال السفر عبر الزمن، فهي تنتقل إلى عالم قصصي من خلال كتاب سحري وبدأ عرض المسلسل في النصف الثاني من رمضان.
ووقعت الفنانة يسرا في فخ التكرار مستفيدة من نجاح مسلسلها “أحلام سعيدة” العام الماضي عبر تقديم مسلسل “1000 حمدالله على السلامة” وتدور أحداثه حول أستاذة إعلام مهاجرة مع أسرتها منذ فترة طويلة إلى كندا، ويناقش العمل فكرة السفر وما يترتب عليه في إطار اجتماعي كوميدي.
قصة المسلسل تتمثل في أن الزوجة (يسرا) عائدة إلى مصر بابنها وابنتها بعد وصية من زوجها بأنهم سيحصلون على ميراثهم، ومنذ اللحظة الأولى للمجيء يواجهون مفارقات عجيبة وتحدث لهم مواقف تتسم بالكوميديا.
وأعاد الفنان محمد سعد تجسيد شخصية “الحناوي” التي قدمها لأول مرة في فيلم “كركر” عام 2007، في مسلسل “الإكس لانس” الذي لم يحظ بأيّ اهتمام جماهيري، لأن قصته جاءت مكررة أيضا وتدور حول تاجر يعمل في وكالة لبيع المنتجات الشعبية يتورط مع عصابة تتاجر في الآثار.
وبدا من الواضح أن الأعمال الكوميدية افتقرت إلى التجديد، ما يعبّر عن وجود إفلاس في الأفكار المقدمة، كذلك على مستوى الحس الفكاهي لكتاب المسلسلات الكوميدية، علاوة على عملية الاستسهال التي تقود دائما إلى استنساخ شخصيات كاريكاتيرية وإعادة التدوير وإطالة المدة الزمنية للإسكتشات ما يسهم في حشو الحلقات بلا مبرر.
وكان الهدف الأول للنجوم الذين شاركوا في البطولات المختلفة لهذه الأعمال يتمثل في توظيف نجاحاتهم السابقة في تقديم أعمال سينمائية كوميدية مضمون تسويقها، مع أن تكرار ما يأتي فيها عبر قوالب درامية لا يتماشى مع السياق العام، وبالتالي فالأعمال الخفيفة التي كانت تجذب الجمهور لم تعد تحقق أهدافها لأنها لم تعد تتسم بقدر من الكوميديا التي تستطيع إضحاك جمهور التلفزيون الذي يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية متراكمة، ما يجعل هناك انفصاما بين ما يعيشه الناس وما يشاهدونه.
وقالت الناقدة الفنية صفاء الليثي لـ”العرب” إن ما يتم تقديمه من أعمال كوميدية أقرب إلى التهريج ويصعب الحكم عليه بمعايير فنية احترافية، فقد غابت كوميديا الموقف بشكل كبير هذا العام، وهو ما صب في صالح الدراما الاجتماعية التي سيطرت على المشهد، وأضحى الجمهور أكثر انجذاباً إلى طرح قضايا قريبة من واقعهم.
الأعمال الكوميدية افتقرت إلى التجديد، ما يعبر عن وجود إفلاس على مستوى الحس الفكاهي لكتاب المسلسلات الكوميدية
ويقول نقاد إن النجاحات التي حققتها المسلسلات الاجتماعية القصيرة على المنصات الرقمية قبل انطلاق موسم رمضان الدرامي لم تكن في صالح الكوميديا وأسهمت في تغييبها عن المشهد لصالح الأعمال الاجتماعية، وظهر كأن هناك حالة من التشوق للتعرف على مدى جودة الأعمال القصيرة المقدمة هذا العام مع تنوع الأفكار المقدمة وجرأتها في الوقت ذاته.
وأوضحت الليثي في تصريح لـ”العرب” أن كتاب الكوميديا عليهم إدراك أن تكرار النكات لن يؤدي إلى إضحاك الجمهور، وتقديم هذه النكات دون أن ترتبط بمواقف وحبكة درامية تخدم العمل لا فائدة منها، وأن استخدام ألفاظ غريبة وسخافات متكررة سيطر على الأعمال الكوميدية المقدمة.
وأشارت إلى أن مسلسل “الكبير أوي – 7” رغم اعتماده على نفس النجوم ونفس مخرج العمل، إلا أنه لم يكن على نفس القدر من التميز، ما يشي أن الأزمة تكمن في الكتابة، وإن كانت بعض الحلقات هذا العمل حملت بعض التجديد مقارنة بأعمال أخرى.
تحتاج الأعمال الكوميدية إلى توليفة متقنة من عناصر العمل المختلفة، لأن مخرج العمل لا يمكنه النجاح بلا سيناريو قوي، ومهما كان اسم النجم قويًا فمن دون العاملين السابقين فلن يحقق النجاح، ما يمثل دافعًا نحو الاستسهال في تقديم الكوميديا القائمة على النكات والسخرية، وفي الكثير من الأحيان يشعر المشاهدون أن عناصر العمل غير متسقة مع بعضها بعضا.
ويتفق العديد من النقاد على أن الدراما الكوميدية تعاني ندرة في كتاب السيناريو الموهوبين في هذا النوع من الأعمال وأن الأزمة ترجع إلى عدم وجود نصوص جيدة، وبالتالي فإنها رغم تراجع أعداد المسلسلات الكوميدية المعروضة إلا أن ذلك لم ينعكس إيجابًا على جودة المحتوى.