الكوادر الشبابية في مصر: ما فائدة تدريب جيل يعمل بطريقة القدامى

تترقب الأوساط المصرية الإعلان عن حركة المحافظين الجدد، وسط تقديرات تؤكد أنها تضم وجوها شابة في مناصب مساعدين، على غرار ما جرى في التعديل الوزاري الأخير، الذي ضم 15 نائبا للوزراء، في سابقة هي الأولى من نوعها. لكن ورغم ما تحمله الصورة من إيجابيات إلا أن نصفها الآخر يخفي سخرية وانتقادا لأن الشباب الذين يظهرون فيها هم من الأصل نسخة مصغرة من المسؤولين “الكبار”، سيتم تأهيلهم بنفس الطريقة في أسلوب الإدارة والفكر والرؤية ونمط العمل الإداري.
القاهرة - أصدر مصطفى مدبولي، رئيس الحكومة المصرية، الثلاثاء، قرارا يقضي بأن “يقوم الوزراء بأعمال من يغيب منهم أو يكون لديه مانع”.
ويسير القرار الجديد عكس الاتجاه العام الذي يهتم بتعميم دور نواب الوزراء، فإذا كان رئيس الحكومة عبّر عن تقديره للشباب بهذه الطريقة السلبية، فهذا يعني أن نواب الوزراء ليس لهم أي دور عملي، ويتم توظيفهم دعائيا فقط.
ويبدي الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في معظم خطاباته اهتماما بتعيين نواب ومساعدين ومعاونين للوزراء والمحافظين من الشباب، في محاولة لتجهيز جيل جديد يمتلك خبرة في إدارة مؤسسات الدولة، لكن المشكلة تكمن في أن العملية تهم أساسا شباب البرنامج الرئاسي، ممن يمتلكون رؤية واحدة جرى تدريبهم عليها وتلقينهم فحفظوها، ما جعلهم يتحدثون بلغة واحد، تخلو من السياسة العميقة، وتردد خطابا ضعيفا يقدس الرؤى الرسمية، بصرف النظر عن صوابها وينفذون ما يطلبه الرئيس.
ويتم اختيار هؤلاء وفق اعتبارات أمنية وسياسية وتنظيمية، قبل الموافقة على انضمامهم للبرنامج الرئاسي، ما يعني أنهم جاؤوا لتنفيذ رؤية تتعلق بتلك التي تتبعها أكثر المؤسسات الحكومية، الغارقة في البيروقراطية وغياب اللامركزية في صناعة القرار.
وتبدو نظرة فئة من الموظفين القدامى لشباب البرنامج الرئاسي، استنكارية، وبعيدة عن التلاقي في الأفكار والرؤى للوصول إلى هدف واحد يصب في صالح تطوير العمل الإداري وتعظيم فرص الإنجاز.
وقال سيد (ص)، وهو موظف كبير بديوان وزارة التربية والتعليم، لـ”العرب” “من حق الحكومة أن تصنع جيلا ثانيا وثالثا، شريطة أن يكون لديهم فكر ورؤية مختلفين، أما أن يتم تدريبهم للعمل بنفس الآلية والطريقة الحالية العقيمة، فإن الواقع المحبط في الإدارة سوف يستمر، لأنهم سوف يطبقوه بحذافيره”.
ويؤكد كل من تعاملوا مع هذه النماذج وجود حساسية تجاه شباب البرنامج الرئاسي، لأنهم يتعاملون مع بعض الموظفين والقيادات بسلطوية وانتقائية، ويركزون على المظهر دون الجوهر، وهناك شعور بأن التقرب منهم بوابة للترقي والصعود. هم شباب يعملون بطريقة القدامى في الارتكان للبيروقراطية، وحتى المبدعون منهم لم تظهر مواهبهم بعد، لأنهم يتعاملون مع واقع معقد، لا يكفي أن تنجح فيه دون أن تكون المنظومة نفسها مهيأة لذلك.

المشكلة أن الحكومة التي تريد تشجيع الشباب على تقدم الصفوف الوظيفية، لم تقدم رؤية لتطوير المنظومة والآليات اللازمة لنجاحها، لذلك قد تجد شكلا لامعا والجوهر يبقى معطوبا. وثمة مشكلة أكثر تعقيدا، تتعلق بطريقة اختيار النواب والمساعدين. ويفتقد معظمهم للوعي السياسي الناضج، فأغلبهم تكنوقراط يتم اختيارهم من خارج الجهات الحكومية، ما يخلق حساسية بينهم وبين الجهة التي يعملون فيها.
نواب الوزراء الذين انضموا للحكومة الجديدة، ليس بينهم شاب مارس العمل السياسي أو ينتمي إلى أحد الأحزاب أو من أصحاب التوجهات الأيديولوجية المعروفة، يمينا أو يسارا وهكذا. ومعظمهم نسخ مكررة من الوزراء القدامى والجدد، في أسلوب الإدارة والفكر والرؤية ونمطية العمل الإداري، لذلك من غير المتوقع أن يخرج من بين هؤلاء نموذج لافت يستطيع ممارسة أبجديات العمل السياسي الصحيح.
هي نقطة أخرى مثيرة، تؤكد أن من يرعون فكرة منح الفرصة للشباب، يتعاملون معها كأنها لزوم “الديكور السياسي”، والإيحاء بأن الحكومة عازمة على منح فرص لهم، ولم تعد تتجاهلهم، وهو ما يعني أن مصر أمام جيل يفتقد للوعي، بعكس الأجيال التي تربت خلال فترات سابقة على الرؤى المنهجية في العمل السياسي وممارسة النقد والجرأة، وأفرزت شخصيات مثلت نخبة أثرت في العمل العام.
يبدو الآن معمل التفريخ الجديد معطوبا ومشوها وانتقائيا. وهي مشكلة ظهرت تجلياتها مؤخرا في طبيعة الطبقة السياسية التي تمارس العمل العام، وهي فقيرة في معظمها، وستزداد المشكلة خطوة في المستقبل، عندما يتم تعميم تجربة البرنامج الرئاسي.
وتمثل تنحية الشباب الذين يملكون وعيا سياسيا رسالة تشي بأهمية “تعميم الجهل السياسي”، كي تكون لأي شاب مكانة وظيفية مرموقة، وهي خطأ ناجم عن أن من يتولون اختيار هؤلاء لا يملكون وعيا سياسيا، ومكنتهم مؤهلاتهم الأمنية من حصر الاختيار في هؤلاء.
الحكومة تشجع الشباب على تقدم الصفوف الوظيفية دون أن تقدم رؤية لتطوير المنظومة والآليات اللازمة لنجاحها
ويرى مراقبون أن غياب الاعتماد على وجوه شبابية تمتلك الوعي يؤهلها لتولي المناصب الهامة في الدولة، يعكس سعي النظام لترسيخ استمرار “فكرة الموظف” في إدارة المؤسسات، بحيث تكون هناك سلطة مركزية تتحكم وتسيطر على زمام الأمور.
ورأى حمدي عرفة، خبير الإدارة المحلية، أن خطورة الاعتماد على الموظفين عند صناعة جيل جديد من القيادات، تكمن في استمرار غياب الثقة لدى الشارع في من سيصبحون مسؤولين عن إدارة شؤون الدولة مستقبلا، لأن تحزيب النظام الإداري واقتصار الاختيار على المتناغمين فكريا وسياسيا يغذيان الشعور باستمرار الإخفاق.
وقال لـ”العرب”، كان من الأولى في هذه المرحلة الاستعانة بمستقلين وحزبيين لتكون هناك تعددية في الفكر الإداري والرؤى والخطط، بحيث يتنافس هؤلاء على تحسين أسلوب الإدارة، وحسن مخاطبة الناس بحس سياسي ونيل ثقتهم، ما ينعكس على الشعور بالرضا الوظيفي لدى الشارع، وهو ما يفتقده النظام المصري حاليا.
وتساعد هذه الطريقة على تنامي القدرة عند التعامل مع الحملات السياسية التي تنتقد مصر من الخارج، فكيف سيتولى المسؤول الرد على أي رؤى أو افتراءات ما لم يكن ملمّا بأدبيات العمل السياسي وتطورات الأحداث والأفكار.

لدى نواب الوزراء والمحافظين صلاحيات قانونية وسلطات واسعة، ويسمح الدستور باستجوابهم أمام مجلس النواب، لكن ذلك من النادر حدوثه في ظل استمرار تهميش عناصر الصف الثاني وترسيخ ثقافة أن الرجل الأول، سواء كان وزيرا أو محافظا، وهو صاحب القرار الأول والأخير، وما دون ذلك “مجرد مساعدين حبرا على ورق”.
وكشف أحد نواب الوزراء، الذين فقدوا منصبهم في التشكيل الأخير للحكومة، لـ”العرب”، أن بعض الوزراء لديهم شعور بالغيرة من نوابهم، ولا يفضلون ظهورهم إعلاميا أو الإعلان عن أفكار وسياسات جديدة بعيدا عنهم، لأن ذلك يهدد وجودهم بالمنصب.
وقال “على أرض الواقع، لم أكن نائبا للوزير، لأنه تعامل معي كمساعد له، ما وضع أمامي صعوبات بالغة.. الأزمة أن فئة من الوزراء لديهم قناعة بأن دور نوابهم يقتصر على مساعدتهم وعدم القيام بنفس مهامهم كاملة، إذا غابوا لدواعي السفر أو الانشغال”.
وأضاف “تكوين جيل من الشباب ليكونوا قادة المستقبل يصطدم باستمرار ثقافة الرجل الواحد.. هناك من يسعى لتحجيم دور عناصر الصف الثاني وإبعادهم عن دائرة صناعة القرار.. فكرة أن يكون لديك قادة من الصف الأول يساعدون الجيل الثاني على تصعيدهم مستقبلا غير موجودة على أرض الواقع”.