الكاظمي أمام اختبار جديد لاستعادة المبادرة من الميليشيات

اغتيال هشام الهاشمي ضربة ثانية كبيرة للثقة الشعبية في الحكومة العراقية.
الخميس 2020/07/09
عملية الاغتيال لحظة فاصلة بين مرحلتين مختلفتين

أحدث اغتيال الخبير الأمني هشام الهاشمي صدمة في العراق رافقتها المخاوف من عودة استهداف الأصوات المناهضة للقوى الشيعية المدعومة من إيران، حيث أثارت هذه العملية ردود فعل كثيرة في العراق وخارجه اعتبرت أن على حكومة مصطفى الكاظمي التصدي بصرامة أكثر للميليشيات ووضع حد للفوضى التي تغرق البلاد فيها وهو ما يضع الحكومة أمام اختبار جديد لمدى قدرتها على استعادة المبادرة من هذه الميليشيات التي تتحرك في الساحة العراقية وفق تعليمات طهران.

بغداد – يقول المتحدث باسم رئيس الحكومة العراقية إن اغتيال الخبير الأمني هشام الهاشمي هو لحظة فاصلة بين مرحلتين مختلفتين، مؤكدا أن الأجهزة الأمنية ستمسك بالقتلة وتقدمهم للعدالة، بغض النظر عن الجهة التي يرتبطون بها، في إشارة إلى إيران.

وجاءت تصريحات أحمد ملا طلال، المتحدث باسم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بعد مرور أكثر من 24 ساعة على اغتيال الهاشمي في بغداد من دون انطلاق أي عمليات أمنية غير مألوفة في المنطقة التي شهدت الحادث، برغم شهرتها بوصفها بؤرة لجماعات شيعية مسلحة خارجة عن القانون، تنفذ تعليمات إيرانية.

ويقول ملا طلال إن حكومة الكاظمي “والقوى السياسية والمرجعيات الرشيدة، وفعاليات اجتماعية لن تسمح بانزلاق العراق إلى حالة اللادولة”. وذكر أن “الحكومة العراقية، وقبل أن تباشر مهام عملها، كانت تدرك حجم التحديات التي تواجه البلاد، وقد قبلت التحدي”.

وأكد أن “مجلس الوزراء ملزم بقرار البرلمان القاضي بتقديم الحكومة، خلال شهرين، خطة شاملة لإنقاذ الاقتصاد وإطلاق حملة استثمارات واسعة” لسد العجز في قطاعات السكن والبتروكيمياويات وغيرها.

وتعرضت الثقة الشعبية الواعدة بحكومة الكاظمي إلى ضربتين كبيرتين خلال أيام، الأولى عندما بدا أنها غير مستعدة لمواجهة الميليشيات التي تطلق صواريخ الكاتيوشا على مطار بغداد والسفارة الأميركية والمعسكرات العراقية، والثانية هي اغتيال الهاشمي، الخبير الأمني البارز، والصديق الشخصي لرئيس الوزراء، الذي عرف بدعمه لأجهزة المخابرات والأمن الوطني عبر المحاضرات والدراسات ومقاطعة المعلومات خلال حقبة الحرب على داعش.

ويحاول الكاظمي أن يستعيد المبادرة، التي فوجئ المراقبون بأنه يقترب من أن يفقدها مؤخرا، بعد الزخم الإيجابي الهائل الذي أحاط بوصوله إلى منصبه.

وينقسم مراقبون بشأن قدرة الكاظمي على استعادة المبادرة من الميليشيات الإيرانية، في ظل التجربتين الأخيرتين.

أحمد ملا طلال: لن نسمح بانزلاق العراق إلى حالة اللادولة
أحمد ملا طلال: لن نسمح بانزلاق العراق إلى حالة اللادولة

ويتساءل النائب فائق الشيخ علي، “علام التهديد والوعيد لقتلة هشام الهاشمي وتشكيل لجنة للبحث عنهم؟”، مشيرا إلى أن قتلته هم عناصر ميليشياوية “اغتالوه وانسحبوا إلى مقراتهم في شارع فلسطين”.

وتابع الشيخ علي “هم أنفسهم الذين طوقوا المنطقة الخضراء على أثر اعتقال عناصرهم بالدورة وداسوا صور رئيس الوزراء بأحذيتهم.. في المرة القادمة سيدوسون الحكومة بأحذيتهم”، في إشارة إلى تحرك ميليشيا كتائب حزب الله بعد اعتقال عدد من عناصرها متلبسين في الإعداد لعملية قصف مطار بغداد بصواريخ أرض أرض.

ويوحي حديث الشيخ علي بأن أوكار الميليشيات التابعة لإيران معروفة داخل العاصمة العراقية، وأساليب عملها مكشوفة لأجهزة الأمن العراقية، ما يضع علامات استفهام عديدة على تباطؤ رد الفعل الحكومي.

لكن الكاظمي شخصيا، يعتقد أن اغتيال الهاشمي “شكل غصة وحزنا عميقا، وواجبنا كقادة دولة أن نحول الحزن والأسى إلى تحد حقيقي، وعمل وإنجاز لما يتطلع له العراقيون في بسط الأمن وسيادة الدولة والقانون، ولأننا مسؤولون، فإن الإجابة الوحيدة التي يتقبلها منا الشعب هي الإنجاز فقط وليس غير الإنجاز”.

وشدد الكاظمي، خلال الجلسة الأولى لمجلس الوزراء بعد اغتيال الهاشمي “على عدم السماح لأي جهة تسعى لأن يتحول العراق إلى دولة للعصابات، كما لن نسمح بنشر الفوضى وسياسة المافيا أبدا”.

ويعتقد مراقبون أن حكومة الكاظمي مطالبة بتحرك أوسع أكثر من إقالة ضابط وقعت عملية اغتيال ضمن قطاع مسؤوليته أو إطلاق اسم الهاشمي على أحد شوارع العاصمة.

ويقول خبراء آخرون إن نقطة التحول الحقيقية كانت في يناير عندما اغتالت واشنطن بغارة في بغداد الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس.

وتعهدت الفصائل المتشددة داخل الحشد حينها، لاسيما منها الموالية لإيران ككتائب حزب الله، بالانتقام من الولايات المتحدة وحلفائها داخل العراق، مهما كانت التكلفة.

ويقول الباحث ريناد منصور من “تشاتام هاوس” والذي عمل مع الهاشمي لسنوات عدة “كان هشام على علم بأن الأمور قد تغيرت”. ويضيف “مقتل أبومهدي أطلق العنان لكل تلك الجماعات التي كان يحاول السيطرة عليها لجعلها خاضعة لقرار مركزي. وما زلنا حتى اليوم تحت وطأة ترددات الصدمة”.

الشارع العراقي يتطلع إلى حملة حقيقية ضد الميليشيات التابعة لإيران
الشارع العراقي يتطلع إلى حملة حقيقية ضد الميليشيات التابعة لإيران

ويقول الباحث العراقي عادل بكوان، الذي عرف الهاشمي، “المعايير تغيرت منذ أكتوبر. كأن هناك أسلوب عمل جديدا وتحولا في المواجهة مع الفصائل الموالية لإيران”.

وبحسب بكوان هي “المرة الأولى منذ العام 2003 التي يكون فيها تحالف مقدس بين الحكومة ومجموعة مؤثرة من المثقفين. والآن، يتم استهداف الأشخاص الذين هم رموز للاحتجاجات والحكومة على حد سواء”. ويضيف “قد يكون الهاشمي أول شخصية بارزة تغتال، لكنه لن يكون الأخير. هناك أسماء أخرى في هذه القائمة السوداء”.

ويرى السياسي العراقي رائد فهمي أن مقتل الهاشمي يشكل تحديا لحكومة الكاظمي. وقال في تغريدة على تويتر إن هذا “اغتيال سياسي يحمل رسائل تحذير جدية لأكثر من جهة ويمثل تكميما للكلمة الحرة وتحديا للحكومة ورئيسها ولمنهج الإصلاح”.

ويتطلع الشارع العراقي إلى حملة حقيقية ضد الميليشيات التابعة لإيران، تبدد أجواء الرعب التي دبت في أوساط الإعلاميين والمدونين عقب اغتيال الهاشمي.

وقال الزعيم الشيعي مقتدى الصدر إن “الاغتيال الوقح للأخ والشهيد هشام الهاشمي لا يجب أن يمر بلا عقاب”. وحذر الصدر، في تغريدة عبر حسابه في موقع تويتر، من “جر البلد إلى وحل العنف فالعراق بحاجة إلى السلام.. ولتعلموا أن اغتياله لن يكون تكميما لأصوات الحق”.

كما أثار اغتيال الهاشمي العديد من ردود الفعل الدولية، حيث نددت الأمم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا باغتيال الهاشمي داعين السلطات العراقية إلى محاسبة المسؤولين عن العملية.

وأدانت وزارة الخارجية الأميركية الاغتيال الذي وصفته بأنه “جريمة شنيعة”.

وذكرت الوزارة في بيانها، أن “التقارير تظهر أن ميليشيات إيرانية مدعومة من إيران تشيد باغتياله، هذا يعد سلوكا سيئا تجاه القيم التي يعتز بها الشعب العراقي”. وطالبت بضرورة تقديم مرتكبي “الاغتيال الوحشي” إلى العدالة.

3