الكاتب السعودي أحمد الهلال: المثقفون العرب ليسوا أوصياء على المجتمع

المثقف مفهوم طارئ في الثقافة العربية لا يتجاوز عمره بضعة عقود، لكنه مفهوم إشكالي سبب سجالات كثيرة من جهة، وهذا أمر صحي، لكنه في المقابل، وبفعل الإعلام خاصة، شكل لنفسه مفهوما نمطيا غاية في السطحية، حيث مفهومان متقابلان ما زالا إلى اليوم للمثقف، واحد سطحي ذائع، وآخر فلسفي يحاول التجدد لكنه مغمور. “العرب” كان لها هذا اللقاء مع الكاتب والباحث السعودي أحمد الهلال حول قضايا المثقف العربي اليوم.
يظل الهم الأساسي للكاتب السعودي أحمد الهلال متمثلا في مفهوم “المثقف” وهويته وتكوينه المعرفي والفكري، والاشتغالات التي يعمل عليها في ظل تنامي ظاهرة هلامية مفهوم المثقف التي ولدت طبقة من المثقفين الانطباعيين والسطحيين أو الانتهازيين.
وقد أصدر الهلال أخيرا كتابه “لست من هذه الطائفة” الذي اشتغل على عدد من القضايا المحورية التي تشغل الهم الثقافي العربي العام والاجتماعي وتثقل كاهله وفي مقدمتها الطائفية المقيتة. وفي هذا الحوار معه نتعرف على أبرز القضايا والهموم التي يشتغل عليها.
الطائفية الجديدة
انطلاقا من كتابه “لست من هذه الطائفة” يؤكد الهلال أن الكتاب يحمل في طياته الكثير من القضايا التي يعيشها المجتمع العربي وأثقلت كاهله، وعلى رأسها الطائفية التي بدأت، في ظنه، تأخذ منحى خطيرا لأنه يراها تتطور ـ إن جاز أن نقول هذا ـ إلى صور ربما لم تكن المجتمعات العربية تعرفها قبل ثلاثين أو أربعين سنة، أو هي موجودة بصورها المعقدة هذه، ولكن بأماكن محدودة جدا في الوطن العربي.
ويضيف “بمعنى آخر كانت الطائفية إن وجدت في المجتمع العربي ككل لها معنى واحد وأصحابها معروفون، أما اليوم فإنك قد تجد مثقفا عربيا أو حتى مواطنا عاديا يلبس اللباس الغربي ويتحدث عن حركات التنوير الأوروبية والديمقراطية والمجتمع المدني وعصر النهضة وما بعد النهضة ويصدمك بأنه يمارس الطائفية، أي لدينا اليوم الكثير ممن أسميتهم طائفيين ضد الطائفية، ناهيك عن الطائفية السياسية الموجودة في بعض الأقطار العربية، لأن الطائفية اليوم لم تعد حزبا أو جماعة إنما هي سلوك وثقافة تمارس أحيانا خارج الأطر التي عرفناها، وهنا مكمن خطورتها في ظني حينما تكون أشبه بالكائن الهلامي الذي كثيرا ما يتعاطه الإنسان دون أن يشعر بأنه يمارس صورة من صور العنصرية”.
وعالج الهلال قضيتي الآخر والاختلاف من زاوية جديدة انطلاقا من مقولة الإمام علي عليه السلام “الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”، ويقول “هي مقولة إنسانية وحضارية بامتياز ونحن اليوم بحاجة إلى تفعيلها. لاحظ معي كيف يصف الإمام علي الإنسان بالعموم بأنه إما أخ لي في الدين مع ملاحظة أن الدين هنا كلمة عامة، فلم يحصرها في دين معين كالإسلام مثلا، إضافة إلى ذلك قرنها بكلمة أخ، فلم يقل على سبيل المثال صديق أو جار وغيرهما، بل استخدم كلمة أخ للدلالة على الأصل الواحد، فالأخ هو من تشترك معه بصلب واحد من أب وأم أو أحدهما أو من الرضاعة، والصنف الآخر النظير أي الشبيه لي”.
مفهوم المثقف
إن طرح السؤال يشكل جوهرا لتحقيق الوعي، الأمر الذي توقف عنده الهلال، لكن هل الذهنية العربية الآن في ظل الاجتياح الهائل لوسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت يشكل طرح السؤال محورا مهما بالنسبة لها؟ وهنا يقول “بات لدينا وتحديدا في السنوات الأخيرة سيل من الأسئلة التي لا تقف عند حد، وكأن السؤال مطلب في ذاته، ولهذا تجدنا نتنقل من سؤال إلى آخر دون أن نشبع أسئلتنا بالبحث عن إجابة حقيقية لها، بل ترى الإجابة جاهزة قبل طرح السؤال، وكأننا نقود سباقا ماراثونيا أيهما
يصل أولا السؤال أم الإجابة؟ دون أن يدور في بالنا أن السؤال يسير متوازيا مع الجواب. إننا أمام أسئلة تسير بك بسرعة ‘ما فوق الضوء‘ مبتعدة عن الجواب بسنوات ضوئية طويلة! أسئلة تجري بك نحو ذلك الوادي السحيق، الفاقد سبل النجاة، وهنا يجب أن نقلق”.
ويشير الهلال “لو سئلت عن أبرز عيب يعاني منه المثقف العربي، ويبدو ملازما له كظل يرافق صاحبه أينما اتجه، وهو يحاول منه الفكاك، أو لا يحاول لأنه قد لا يشعر به، إمّا لغرور أصابه، فأعماه أن يرى عيوبه، أو لإحباط ويأس من أن تتغير حاله، أو هو عاجز أمامه، من جرَّاء ما هو متأصل به، ولم يكتشف بعد كيفية الخروج من دوامته، وأنا هنا لا أتحدث عن فرد معين من المثقفين، إنما أتحدث عن حالة عامة يعاني منها المثقف العربي، قد يشذ عنها بعضنا بنسبة ما عن بقية المثقفين، ولكن تبقى النسبة الكبرى محل تساؤل، ومن ثم بحث ودراسة. فكر معي قليلا، وقل لي: ما هو ذلك العيب الذي يلازم المثقف العربي، من عصر ولادة مصطلح المثقف في الفضاء العربي منتصف القرن الماضي تقريبا، وهو العصر الذي بدأ فيه لأول مرّة تداول المصطلح، واتساع حضوره في المشهد الثقافي، إلى يومنا هذا؟ ذلك العيب الملازم له هو أنه لا يزال يعيش بدائية الفكرة، أي بداية المعرفة والتعاطي مع المصطلحات والأفكار الجديدة، وعلى رأسها في ما أعتقد مصطلح المثقف، الذي كان أهم تحد واجه المشتغلين بالشأن الثقافي، كمؤثرين به وليس متأثرين”.
حينما نأخذ مصطلح المثقف، ونبحث عن دلالة فلسفية عربية له، نكتشف أنه لا وجود لأي مفهوم فلسفي له
وضرب الهلال مثالا على عقدة البدائية هذه، قائلا “حينما نأخذ مصطلح المثقف، ونبحث عن دلالة فلسفية له من إنتاج المثقف العربي، نكتشف أنه لا وجود لأي مفهوم فلسفي لذات المصطلح. وأنا هنا لا أنفي دور المثقف ولكني أحاول تشخيص حاله، لأن مسؤوليته في المجتمع كبيرة فهو الذي بيده توعية الجماهير على حد قول المفكر والفيلسوف المصري مراد وهبة، ومن هنا في ظني هو أحد الأسباب إن لم تكن الرئيسية في تردي حالة الوعي في المجتمع العربي. أما بخصوص حصار الحراك الثقافي في مجتمعاتنا العربية، فلم يكن تاريخ المثقف في العالم وبالأخص المثقف الغربي مفروشا بالورود، فالمجتمعات الإنسانية لطالما كانت مشككة ورافضة للتغيير، ومن هنا يجب على المثقف العربي أن لا يتوقع التغيير في زمنه هو، فربما حدث التغيير بعد رحيله بسنوات أو عقود”.
وعن الدور الذي ينبغي على المثقف العربي القيام به في هذه الفترة الحرجة من التاريخ العربي، يقول الهلال “أولا وقبل الحديث عن دور المثقف الذي لا أشك أن دوره مهم في المجتمع ولكن دون وصاية، ليس للمثقف وصاية على المجتمع، المثقف يقوم بدور تنويري بلا شك، وحينما تتسع مساحة المثقف ويتحول من عمل فردي إلى تيار مؤثر في المجتمع وهذا مهم جدا في مستقبل المثقف ودوره، تتضح حاجة المجتمع إلى هذا الدور الذي يمثله المثقف التنويري الحقيقي وليس المثقف الزائف الذي بات حضوره في الفضائيات العربية وقنوات السوشال ميديا ملحوظا في السنوات الأخيرة وما يقوم به من تزييف للحقيقة والكذب على المجتمع لأنه بكل بساطة متطفل على الثقافة والتنوير، بل بعضهم يرتزق على نشر الكذب والتزييف. ولا أكون مبالغا إن قلت إن أحد الأسباب الرئيسية في فشل ما سمي بالربيع العربي أن هذه الثورات ليس لها نخبها المثقفة التي تقود حركة الجماهير نحو بناء مستقبل أفضل”.