الكاتب التركي فهيم طاش تكين: على الأكراد مُفاوضة الأسد

العقل السياسي في سوريا لا ينوي سحق الأكراد بالشكل الذي يريده النظام في تركيا.
الاثنين 2019/02/18
أي مصير للأكراد

يوافق العام 2019 الذكرى الأربعين لقيام الثورة الإسلامية الإيرانية. ومن المعروف للجميع أن إيران منذ 40 عاما وهي في صراع مستمر مع عمالقة العالم. وفي هذا السياق يشير الكاتب والصحافي التركي المخضرم، فهيم طاش تكين، إن الثورة الإيرانية قامت بتشكيل خارطة منطقة الشرق الأوسط، غير أن هذا التشكيل لم يقم على معسكرين أو قطبين؛ سني وآخر شيعي فقط كما كان يُعتقد. فالكاتب ذاته يرى أن ثمة محاور متعددة في مركز هذا الاستقطاب.

وإيران التي تلعب دورا هاما في الحرب الداخلية السورية، لا تزال تحافظ على فعالياتها وأنشطتها المختلفة بالمنطقة رغم ما تعيشه في الداخل من نزاعات وتجاذبات بين جهات عدة. حسنا وماذا عن تركيا؟ لا شك أن تركيا التي تم إظهارها على أنها أكبر خاسر من الحرب السورية، خففت الآن من نبرة خطاباتها المتعلقة بالشمال السوري، والفضل في انخفاض هذه النبرة يرجع إلى الرئيس، رجب طيب أردوغان.

وعن سبب انخفاض النبرة التركية قال الصحافي طاش تكين إنه يرجع إلى عدم الحصول على الدعم المنتظر من كل من الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا. لكن عدم حصول تركيا على هذا الدعم لا يعني بأي حال من الأحوال أن وضع الأكراد بات أكثر قوة. فالصحافي ذاته يرى أن الأجواء الإيجابية التي تشكلت في الولايات المتحدة لصالح الأكراد، لا تعتبر بأي حال من الأحوال ضمانا لأي شيء مطلقا. ومن ثمّ فإن الشيء الذي يتعين على الأكراد القيام به هو الدخول في مفاوضات مع دمشق مع الحفاظ على كياناتهم المستقلة، والحفاظ كذلك على علاقات الشراكة والتحالف. على أن يكون ذلك بالتأكيد تحت الضمانة الروسية.

وتحدث الصحافي فهيم طاش تكين مع موقع أحوال تركية عن كل ما يحدث بالمنطقة بشكل عام، وسوريا بشكل خاص، لاسيما في تلك الأيام التي تستعد فيها قوات سوريا الديمقراطية إلى إنهاء عملياتها ضد تنظيم داعش الإرهابي، وإعلان انتصارها القاطع عليه.

لاحظ طاش تكين أن الرئيس رجب طيب أردوغان في تصريحاته الصادرة عنه خلال الأسابيع الأخيرة، قد تراجع عن إصراره على إقامة منطقة عازلة في الشمال السوري. ولم يعد الرجل يكرر بياناته السابقة التي دأب على ترديدها على مسامع الجميع بين الحين والآخر بخصوص العملية العسكرية المحتملة في سوريا، إذ كان دائما ما يردد تصريحات عدة في هذا السياق منها “سندخل (سوريا) ذات ليلة بغتة”، و“العملية (العسكرية) ستبدأ في وقت قريب للغاية”، و”سنعطي الاتحاد الأوروبي مهلة لأسبوعين وبعدها سنتولى أمورنا بأنفسنا”. ولعل السبب الرئيسي في هذا التوجه الذي اتخذه أردوغان بهذا الخصوص هو أنه قد رأى أن المفاوضات والمباحثات الجارية مع كل من روسيا والولايات المتحدة الأميركية لا تسير بالشكل الذي يسمح له بإقامة منطقة عازلة في الشمال السوري بالطريقة التي ترغب فيها أنقرة.

إذا أضاع الأكراد فرصة التفاوض مع نظام بشار الأسد، فإن الثمن لذلك ربما ظهور التقارب التركي- السوري كبديل وخيار آخر، وهذا التقارب سيتناول لا شك مصير الأكراد على طاولة المفاوضات.
إذا أضاع الأكراد فرصة التفاوض مع نظام بشار الأسد، فإن الثمن لذلك ربما ظهور التقارب التركي- السوري كبديل وخيار آخر، وهذا التقارب سيتناول لا شك مصير الأكراد على طاولة المفاوضات.

ولا ننسى أنه كان هناك ضغط كبير على الإدارة الأميركية من قبل أنقرة بخصوص الأكراد. ما دفعهما إلى أن يكونا شركاء في خطة عمل بالشكل الذي تريده تركيا. أما المفاوضات مع روسيا فكانت تتسم بنوع من الأريحية؛ لأن الروس كانوا يرون أن أكبر شيء يمكن تطبيقه هو أن يقوم الجيشان السوري والتركي بحماية مشتركة لأمن الحدود. غير أن المسؤولين الروس، وإعلامهم كثيرا ما دأبوا جميعا على توصيل رسائل لأنقرة مفادها أنه لا يمكن تشكيل منطقة عازلة في سوريا بشكل أحادي الجانب.

وبخصوص الأكراد، فإن الوضع لا يزال لطيفا للغاية رغم الضمانات الشفهية الأميركية. فالولايات المتحدة تقول للأكراد لا تتفاوضوا مع دمشق، لكن واشنطن حتى اللحظة لم تأتِ بشيء ملموس كبديل لذلك. كما لم تصدر أيّ نتائج أو ما شابه من المفاوضات المتعلقة بإدخال الفرنسيين والإنكليز ليكونوا عناصر فاعلة في الميدان. وأكثر ما يقوله الأميركان خلال الوضع الراهن، هو أن ينسحبوا إلى العراق، ويتابعوا الأحداث من هنالك ويتدخلوا فيها إذا لزم الأمر.

لكن هذا الضمان لا يعتبر ضمانا مئة في المئة بالنسبة للأكراد. فعند انسحاب الأميركان فإن كافة الموازين ستتغير بشكل سريع للغاية. وأبسط مؤشر على ذلك، ردود الأفعال التي ستأتي من العشائر ضد قوات سوريا الديمقراطية في مدينة الرقة. وبالتالي إذا أضاع الأكراد فرصة التفاوض مع نظام بشار الأسد، فإن الثمن لذلك ربما ظهور التقارب التركي- السوري كبديل وخيار آخر، وهذا التقارب سيتناول لا شك مصير الأكراد على طاولة المفاوضات. وفي الحقيقة إن العقل السياسي في سوريا ليس لديه أيّ نية ولا تفكير لسحق الأكراد بالشكل الذي تريده تركيا. ولا شك أننا نرى تأثير هذا الخيار الاستراتيجي في تلك العملية المستمرة بالشمال السوري منذ العام 2011 وحتى الآن. كما نرى أن تركيا تضع شرطا مسبقا للدخول في حوار مع دمشق ألا وهو عدم منح الأكراد أيّ وضع تحت أيّ مستوى.

ومن الواضح أيضا أن الضمانات الأميركية مثيرة للجدل، وأنه لا هوادة في الموقف التركي حيال الأكراد، وبالتالي يمكننا أن نقول إن الخيار الوحيد المتاح أمام الأكراد هو التفاوض مع دمشق تحت الإشراف الروسي مع الحفاظ على كياناتهم المستقلة، وشراكتهم مع الكيانات العرقية المختلفة التي نجحوا في ضمها إلى صفوفهم. ولا شك أن الأكراد لا يمكنهم التخلي عن هذا الخيار لصالح وعود وتعهدات شفهية تقدمها الولايات المتحدة.

6