الكاتبة العمانية عزة القصابي: المهرجانات تجمع موسمي وليست دليلا على وجود حالة إبداعية

قنوات الدراما العمانية تتغير حسب القضايا الراهنة والتحول الرقمي.
الجمعة 2023/06/30
حركة مسرحية متأثرة بالتغيرات

تجمع الكاتبة العمانية عزة القصابي بين التكوين الأكاديمي في الإعلام واهتمامها بالفنون، فهي ناقدة ولها حضورها الفاعل الذي يمنحها رؤية خاصة تقيّم من خلالها المشهد الفني والثقافي في سلطنة عمان ودول الخليج والمنطقة العربية ككل، والذي تراه يعتبر مشهدا يلتف حول مهرجانات لا تحدث حراكا ثقافيا فعليا ولا تتعدى كونها مجرد لقاءات ومجاملات.

تتمتع الناقدة العمانية الدكتورة عزة القصابي بتنوع إبداعاتها بين المسرح والتلفزيون السينما، فضلا عن عملها الإعلامي والأكاديمي وكتاباتها النقدية ونشاطها داخل الحراك الثقافي العام وخاصة المسرحي، حيث تنظم وتشرف على ملتقى المسرحيات القصيرة الذي يقام بالنادي الثقافي، كونها عضو مجلس إدارة النادي، وهو الأمر الذي يكشف عن ثراء رؤاها وأفكارها وتكوينها المعرفي والثقافي.

بداية وحول التكوين المعرفي والثقافي الذي ذهب بها إلى الإعلام والمسرح والتلفزيون والسينما والنقد الأدبي، تقول القصابي "الاهتمام بالصعيدين الثقافي والإعلامي كان توجها عاما لدي، فضلا عن تخصصي أيضا في مجالي الإعلام والدراما الذي قادني للعمل الإبداعي..

انطلقت وفق ركائز علمية وفنية ومشاهدات وتجارب محلية وعالمية.. ويظل العمل الإبداعي رغبة شخصية في التعاطي مع الواقع والبحث عن رؤى الإبداع والجمال من خلال الوسائل المتاحة.. وربما المشهد الجمالي الذي تتمتع به سلطنة عمان يجعلك تراقب وتتأثر وتنتج أعمالا إبداعية من صميم واقعك".

تؤكد الناقدة الفنية كيف أن جميع كتاباتها بين كتابة السيناريو للأفلام القصيرة والوثائقية والسهرات التلفزيونية والأعمال المسرحية وغيرها "جميعها ترتكز على قاعدة عريضة اسمها الدراما والفنون البصرية.. ولكن تبقى الوسيلة المتبعة في التنفيذ مختلفة. فدون الفكرة والقضية لا يمكن تقديم هذه الأعمال، ولكن تكنيك الكتابة يختلف فيها خاصة أن لكل فن جمالياته وانطلاقته.. لذلك فإن التأسيس لهذه الفنون مهم، وضرورة أن يمتلك الكاتب حصيلة معرفية تجعله قادرا على التعاطي مع ما يدور حوله".

وتشير القصابي إلى أن اهتمامها بالتراث والتاريخ والقضايا الاجتماعية ذات الارتباط ينطلق من رؤيتها أن “التراث والتاريخ والقضايا الراهنة يجب أن تكون مصادر مهمة تشكل الرؤى الإبداعية لدى الكتاب والمبدعين، بالإضافة إلى المصادر الأخرى، والتي يحتاجها المبدع ليصنع رؤاه… وطبعا قبل أن يبدأ بالكتابة فإنه يجب أن يحدد وسيلته في التعبير، لأن هناك اختلافا كبيرا بين الرؤى الإبداعية".

تأسيس للفنون

عزة القصابي: التراث والتاريخ والقضايا الراهنة مصادر مهمة تشكل الرؤى الإبداعية لدى الكتاب والمبدعين
عزة القصابي: التراث والتاريخ والقضايا الراهنة مصادر مهمة تشكل الرؤى الإبداعية لدى الكتاب والمبدعين

وترى القصابي أن "القضايا والأفكار التي تشغلها وتلح عليها في مجمل أعمالها سواء المسرحية أو الإذاعية والتلفزيونية، تأتي انطلاقا من معايشاتها للواقع الاجتماعي والإنساني سواء في عمان أو في المحيط العربي والعالمي، ومن ثم ليست هناك أفكار بعينها، لكنها تختلف حسب ظهورها وتصدرها، لذلك الأفكار تأتي حسب تأثر المبدع بها".

وحول مشاركاتها في فعاليات المهرجانات المسرحية سواء تلك التي تقام في السلطنة ودول الخليج خاصة أو العالم العربي عامة ورؤيتها لدور هذه المهرجانات في دعم تطور المسرح العربي، تقول "المهرجانات تجمع فني موسمي، وليست دليلا على وجود حالة إبداعية، وغالبا ما يكون وجودي فيها للمشاركة أو التكريم، ما عدا ذلك فأفضل التفرغ لأعمالي والبحث عن الجديد، فالمهرجانات لا تصنع المبدع الأصيل الذي يبحث عن الجديد، ويطور قدراته".

وتوضح "نجد معظم هذه المهرجانات.. تتكرر فيها نفس الوجوه، دون أن تضيف جديدا سوى المجاملات وضياع الوقت.. والأفضل تحويل هذه المهرجانات إلى ورش عمل في مجالات الفنون والندوات والبحث عن الجديد في الإخراج والتمثيل”.

وتلفت الدكتورة القصابي إلى أن “الحركة النقدية في سلطنة عمان طردية تتناسب مع الحركة الفنية، إذا ضعفت فإن الحركة الفنية تضعف وتكون راكدة، والعكس صحيح، إذا كانت الحركة الفنية نشطة فإن من الطبيعي أن تطور الحركة النقدية والثقافية والإعلامية..”.

وتفسر “هناك تؤمة روحية بين النقد والحركة الفنية، والنقاد يحتاجون إلى مشاهدة ومتابعة أعمال فنية، لكي يستطيعوا التحدث عنها وتحليلها ونقدها وفق المدارس والاتجاهات الفنية، لذلك تجد مشاهير النقاد عالميا يعيشون في مناخات فنية وبلدان تزدهر الفنون فيها”.

تنبه الكاتبة عزة القصابي إلى أن طبيعة المنبر المسرحي أنه “يرتكز على التساؤلات والصراع والتعبير عن الرأي، لذلك فإن من يتابع المسرحيين ومن يعملون، يدرك أن هناك شعورا دائما بأن هناك أزمة.. كحالة إبداعية يعيشها الفنان، وأصبحت تلازمه رغم استمراره وإنتاجه، والبعض يعيش رخاء فنيا وثقافيا، لكن عندما تتحدث معه يقول لك إن المسرح يعيش أزمة!”.

أزمة النص

◙ حضور للمشاركة والتكريم
◙ حضور للمشاركة والتكريم

وتستدرك “من جانب آخر هناك من يستشعر هذه الأزمة من خلال تطور وسائل التواصل الاجتماعي وقدرتها على جذب اهتمام الناس والشباب، ولكن رغم ذلك بدأ المسرح والدراما يتعايشان مع هذا التحول الرقمي.. لذلك نجد أشكالا كثيرة للمسرح الرقمي والافتراضي، وربما انتشار جائحة كورنا وابتعاد الناس عن المسارح خوفا من العدوى ساعدا على ذلك، ورغم ذلك إلا أن المسرح والدراما استطاعا أن يتعايشا مع هذا التحول بخلق أشكال جديدة فرضت نموا سريعا في التواصل وإيجاد متابعين لهما عبر الشبكات العالمية، ومن ثم بعد تراجع أزمة الفايروس، بدأ الناس في التدفق إلى المسارح وقاعات السينما لمتابعة الجديد، وبالتالي يستطيع المسرحي أن يفعل شباك التذاكر وإيجاد جماهير له”.

وتؤكد القصابي أنه لا توجد أزمة نص، وتقول “هناك الملايين من المؤلفات المسرحية حول العالم، وعلى مستوى الوطن العربي، وعبارة وجود أزمة عبارة وهمية بحاجة إلى تصحيح. أتفق مع الاستثمار في الفنون من قبل أصحاب الثروات من التجار وأصحاب الشركات الكبرى وغيرها من المشاريع الاستثمارية، وهذا يرجع لضعف الثقافة المسرحية والفنية لدى هذه الطبقة من الناس التي تمتلك المال، ولكنها لا تعي أهمية الثقافة لأنها من وجهة نظرهم لا تدر ربحا ماليا، ناهيك عن المحظورات التي تحرم الفنون وتعتبرها من المحرمات، وأقلها تعتبرها من وسائل الترفيه، فهناك قطاعات أحرى بالاهتمام والتعاطي مع مفرداتها وتفعليها”.

 المسرح العماني نابع من عوامل عديدة منها الترجمة، والنصوص العربية المعدة، والتأليف المسرحي وإخراج العروض

وانطلاقا من متابعاتها النقدية للمسرح العماني وإمكانية الحديث عن مسرح عماني ذي طابع خاص وما أبرز خصائصه، ترى الناقدة أن “أشكال وموضوعات المسرح العماني متنوعة، فهناك القضية ذات الطابع المحلي بمعنى موضوعات تهم المجتمع العماني ذات طابع اجتماعي واقتصادي، وموضوعات أخرى تعبر عن هوية وتاريخ وتراث المجتمع، لذلك فهو يستمد خصوصيته من مفردات واقعه وتزامنه مع القضايا الراهنة التي تعبر عن حياة الإنسان العماني”.

وتتابع القصابي “المسرح العماني نابع من عوامل عديدة، منها الترجمة في بداياته، والنصوص العربية المعدة، ومن ثم الانتقال إلى مرحلة التأليف المسرحي وإخراج العروض، وظهور المتخصصين في مجال الدراما العمانية، وجميع ذلك ساعد على تبلور وظهور أشكال مسرحية جديدة، أكدت ملامح المسرح العماني واتسامه برؤى الحداثة والأصالة في آن واحد”.

وترى الكاتبة العمانية أنه “حقيقة لا يوجد لون مسرحي واحد، نستطيع أن نؤكد أنه هذا هو الذي يميز المسرح العماني، لأن كل مرحلة من عمر المسرح تختلف عن الأخرى، وتباينت رؤى الفنون والمسرح والدراما. كما أن مخرجات الجامعات في مجالي الفنون والإعلام ساهمت في رسم ملامح هذا المشهد وجعله يتبلور برؤى الحداثة والتطور في فرض رؤاه وتصوره الفني”.

مرحلة انتقالية

◙ حراك فني لا يحدث زخما ثقافيا فعليا
◙ حراك فني لا يحدث زخما ثقافيا فعليا

في ما يتعلق بمستقبل المسرح العماني والدراما العمانية، ترى القصابي أن “قنوات الدراما العمانية عديدة، منها التلفزيونية والسينمائية والمسرحية والإذاعية، وأخيرا دراما اليوتيوب، هي بالتأكيد تعيش مرحلة انتقالية وتتغير حسب القضايا الراهنة والتحول الرقمي في الوسيلة المتاحة للتقديم، كما أن الجمهور المتابع يؤثر على الدراما العمانية، وهو متأثر بما يحيط به من وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك تجده يتابع حلقات درامية عبر قنوات اليوتيوب أو حسابات تويتر. كما أن القنوات التلفزيونية والإذاعات وغيرها من وسائل الإعلام، أصبحت لها حسابات ومواقع في الفضاء الافتراضي”.

وتشدد القصابي على أن المرأة العمانية “تتمتع بحضور ووجود قوي في كافة المجالات ليست فقط المجالات الإبداعية والفنية، ولكن مختلف المجالات العملية والعلمية، ففي الإبداع تجدها قاصة وروائية وموسيقية ومغنية وممثلة وإعلامية وإذاعية وفنانة تشكيلية ومسرحية وناقدة أدبية”.

◙ القصابي تشدد على أن المرأة العمانية “تتمتع بحضور ووجود قوي في كافة المجالات ليست فقط المجالات الإبداعية والفنية

لكنها تؤكد “لا نستطيع القول إن هناك أدبا خاصا بالمرأة العمانية ولكن هناك حالة إبداعية إنسانية تمثل هي جزءا لا يتجزأ منها. فالمشهد الإبداعي خاصة والثقافي عامة مفتوحة أبوابه أمامها، وهذا فضلا عن بيئة اجتماعية وثقافية تدعمها وتدفع بها للمزيد من التطور والتجديد والتألق. وكما ترى هي الآن تحصد جوائز محلية وإقليمية ودولية تؤكد ما نرمي إليه من قوة حضورها وأصالة موهبتها".

وتجدر الإشارة إلى أن عزة القصابي حاصلة على درجة الماجستير تخصص إعلام "صحافة" من جامعة السلطان قابوس، وعلى الدكتوراه في النقد الفني وآدابه من جامعة محمد الخامس بالمغرب، قدمت في مجال الإنتاج التلفزيوني والسينمائي سيناريوهات أفلام قصيرة، منها "قبل الغروب"، "زهرة" و"الجباة"، وسيناريو الفيلم الوثائقي "مسيرة المرأة العمانية”، سيناريوهات سهرات تلفزيونية "الخور"، "زفة الكيذا"، "اسكن ولا تحاتي"، "ولدي هين عني"، "دروب الحياة". كما كتبت سيناريو المهرجان الشعبي، اللجنة العليا للاحتفالات بالعيد الوطني في العام 2019، وسيناريو فيلم "بوز"، الذي يناقش تردي الحالة الإنسانية في ظل أزمة كوفيد-19، للمخرجة البحرينية غادة الفيحان في العام 2022.

ومن أعمال القصابي المسرحية "مفاتيح الحظ" وهي مسرحية تراثية قدمت في مهرجان المسرح الشعبي الأول، ومسرحية "الحصار"، والمسرحية الاجتماعية "هموم ناعمة"، والعرض التراثي الوطني "سوالف ملك الزمان"، أما إصداراتها فمنها "رؤية في المسرح العماني"، "توظيف التاريخ في المسرح العربي الحديث"، ونصوص "الخيمة ومفاتيح الحظ"، "للمسرح العماني حكاية… نصوص مسرحية"، ونصوص بعنوان "أيقونة الحرية تستغيث بصلاح الدين الأيوبي"، "الحداثة في المسرح العربي"، "المسرح الخليجي من التقليدية إلى الفضاء العالمي"، وغيرها.

 

13