الكاتبات العربيات والأفريقيات: نرغب في الخروج من ليل شهرزاد

بمبادرة من الكاتبة التونسية فوزية الزواري المقيمة في باريس منذ السبعينات من القرن الماضي، تأسس مؤخرا برلمان للكاتبات العربيات والأفريقيات الناطقات باللغة الفرنسية. وفي مدينة أورليون، انتظم أول مؤتمر لهذا البرلمان من السادس والعشرين إلى الثامن والعشرين من شهر سبتمبر الماضي.
يعيش العالم العربي اليوم والقارة الأفريقية واقعا عنيفا بتفاوت درجاته، بين بلدان تعاني ويلات الحروب، وأخرى تعاني موجات تشدد وإرهاب الأصوليين، وتبقى من أبرز ضحايا هذا العنف وذاك المرأة، وخاصة المرأة المبدعة التي تتصدر الصف المقاوم للإرهاب والعنف بالقلم أو الفكر، باللسان أو الريشة أو الصوت، ما يجعلها عرضة أكثر من غيرها للتهديد، حيث تعي الحركات المتطرفة جيدا أهمية الأصوات النسائية وتأثيرها الكبير في مقاومة العنف.
مواجهة الأصوليين
تعتبر فوزية الزواري من أبرز الكاتبات المغاربيات الناطقات باللغة الفرنسية. وقد أصدرت إلى حد الآن العديد من الروايات، آخرها “جسد أمي” التي حازت العام الماضي على جائزة القارات الخمس، وبها احتفى النقاد الفرنسيون، وعنها كُتبت مقالات كثيرة تشيد بأسلوب مؤلفتها، وببراعاتها اللغوية، وبجرأتها على طرح المواضيع المحرّمة.
وقد حضرت المؤتمر الأول للبرلمان المذكور كاتبات من سبع وعشرين دولة أفريقية وعربية. جميعها ناطقة باللغة الفرنسية.
وفي الكلمة الافتتاحية أشارت الزواري إلى أن فكرة تأسيس هذا البرلمان مستوحاة من البرلمان العالمي للكتاب الذي برز في مطلع التسعينات من القرن الماضي بهدف الدفاع عن حرية التعبير، وعن الكتّاب الذين يعانون من القمع والاضطهاد في بلدانهم التي تحكمها أنظمة جائرة ومستبدة.
كما قام البرلمان في ذلك الوقت بالتنديد بالعمليات التي استهدفت حياة العديد من الكتّاب والفنانين والأكاديميين في الجزائر خلال سنوات المواجهات المسلحة بين النظام والحركات الأصولية المتطرفة.
وأضافت فوزية الزواري تقول “أنا امرأة تحب العزلة. وأبدا لم أرغب في أن أكون مناضلة للدفاع عن أي قضية مهما كان نوعها. لذلك رفضتُ الانخراط في النضال النسوي، وكنتُ أبرر موقفي قائلة: أنا لست نسوية، أنا أكتبُ فقط. إلاّ أن الأوضاع المأساوية التي تشهدها بلادي والعديد من البلدان العربية والأفريقية، والمخاطر التي تهدد المرأة، وأيضا الحريات العامة والخاصة بسبب تنامي الحركات الأصولية المتطرفة والعنيفة، وكل هذا دفعني إلى أن أتحرك. ففي النهاية لا يمكن للكاتب أو المبدع أو الفنان سواء كان امرأة أم رجلا أن يظل مكتوف اليدين في زمن بات فيه الإنسان مهددا بالقتل والسحل والتعذيب بسبب فكرة أو كتاب أو قصيد”.
فكرة تأسيس برلمان للكاتبات مستوحاة من البرلمان العالمي للكتاب الذي برز في مطلع التسعينات من القرن الماضي
ووصفت فوزية الزواري البرلمان المذكور بأنه “فضاء لتبادل الأفكار، وللنقاش حول قضايا جوهرية تعيشها بلدان عربية وأفريقية راهنا”.
صوت المرأة
في البيان الختامي، جاء ما يلي “إن هدفنا الأساسي من بعث هذا البرلمان هو أن نتكلم جميعا بصوت واحد، وبلغة واحدة لأننا نُسأل أحيانا ولا تتوفر لنا فرصة للإجابة عن الأسئلة التي تطرح علينا، أو لأن آخرين يجيبون نيابة عنّا، ولأننا نريد أن يستمع إلينا الآخرون ونحن نتحدث عن أنفسنا، وعن مصيرنا، وعن العالم الذي نعيش فيها والذي غالبا ما لا يكون رحيما بنا. نحن نرغب في الخروج من الصمت. ولأننا نمتلك سلطة الكلمة، نحن نسمح لأنفسنا بافتكاك حقنا في النظر إلى تاريخنا الذي لا يزال يصنع من دوننا”.
وفي فقرة أخرى من البيان نقرأ “الكتابة هي عشقنا، ومهنتنا إلاّ أن ذلك لا يمكن أن يجبرنا على الوحدة والعزلة والانغلاق. أن نكتب يعني أن نفتح النوافذ على الكون بأسره لأننا نريد أن نخرج من ليل شهرزاد، وأن نفرض وجودنا تحت الشمس”.
ويشير البيان إلى أن الأدب الذي تكتبه النساء العربيات والأفريقيات في الفترة الراهنة ليس أدب “دموع”، وليس “انغلاقا على الذات”. وحتى وإن كنّ ينفرن من السياسة ومن الأيديولوجيات بجميع أنواعها فإن الكاتبات يرغبن في أن يكون أدبهن عاكسا لأصواتهن، ولنضالاتهن من أجل الحرية”.
ويختتم البيان بالفقرة التالية “هل نحن نحلم؟ فليكن! نحن نحلم! نعم نحن نحلم لأن اليوم الذي لن تحلم فيه النساء سيكون يوما كابوسيّا بالنسبة للرجال. فلنحلم إذن (…) وبصوتنا تنهض الحضارة الجديرة بالإنسانية بحسب رأينا، أي الحضارة الكونية”.