القيود المالية تزيد نقمة اللبنانيين على المصارف

ضغوط شعبية شديدة لإنهاء احتجاز ودائع المواطنين، خبراء قدّرون تحويل ما يقارب 800 مليون دولار إلى الخارج منذ انطلاق الاحتجاجات.
الخميس 2020/01/02
لم يعد لدينا دولار

تزايد سخط اللبنانيين مع دخول العام الجديد من استمرار سياسة تشديد القيود على الودائع المصرفية، التي تسببت في تقليص حرية تعاملاتهم في وقت تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية ومالية خانقة ضربت نظامها المالي وأدت إلى نقص كبير في السيولة النقدية.

بيروت - عمقت الأزمة السياسية في لبنان من الصعوبات الاقتصادية بالبلاد ما جعل المواطنين يطلقون صيحة فزع احتجاجا على منعهم من سحب ودائعهم بحرية في ظل تحكم المؤسسات المصرفية في كل المعاملات نتيجة اختلال التوازنات المالية.

ويؤكد خالد التقي (البالغ 68 عاما) أنه مرّ بتجربة صادمة. وقال لوكالة الصحافة الفرنسية “رأيت امرأة ترجو موظف البنك حرفياً، حتى أنها ركعت على الأرض أمامه لتحصل على المال. لكن البنك ببساطة لا يهتم”.

وقبل ستة أسابيع، كان المصرف قد سمح لخالد التقي بالحصول على حوالي 300 دولار فقط في الأسبوع، وانخفض المبلغ في الأسبوع الذي بعده إلى نحو 200 دولار.

وفي آخر زيارة له إلى المصرف، أتاه الجواب “لم يعد لدينا دولار”. ويضيف ”يحتفظون بأموالنا، ولا يعطوننا ما نريد، مثل الوالد الذي يعطي ابنه مخصصات أسبوعية”.

ويتوافد الزبائن بصفة يومية على المصارف اللبنانية بانتظار أن تفتح أبوابها ويتهافتون على الآلات التي تعطيهم أرقاما تنظم الأدوار لسحب الأموال.

سامي حلبي: سمعة المصارف اللبنانية تشوهت تماما ولا أحد يثق فيها
سامي حلبي: سمعة المصارف اللبنانية تشوهت تماما ولا أحد يثق فيها

وتنتظر أمام الطوابير أعداد كبيرة من الزبائن لساعات للحصول على مبلغ صغير بالدولار الأميركي غير أنهم يتفاجأون بعد مرور أربع ساعات كحد أقصى، بقول موظف “لم يعد هناك دولار، عودوا غداً”.

وزادت منذ أسابيع، معاناة اللبنانيين مع سحب ودائعهم”، وتحولت المصارف إلى مسرح للصراخ والشجار وصلت إلى حدّ تبادل العنف بين الزبائن والموظفين.

ويشهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990، ما يهدد المواطنين في وظائفهم ولقمة عيشهم تزامناً مع أزمة سيولة حادة وارتفاع مستمر في أسعار المواد الأساسية.

ويُعد القطاع المصرفي في لبنان العمود الفقري للاقتصاد المحلي ودعامة للنظام المالي الذي يقترب من حافة الإفلاس نظرا لتفاقم أزمة السيولة منذ سبتمبر الماضي.

وتفرض المصارف قيوداً متصاعدة على سحب الأموال، حيث لا يمكن للزبائن في بعض المصارف سحب أكثر من 800 دولار شهرياً.

وامتدت القيود خلال الأشهر الأخيرة حتى على سحب الليرة اللبنانية التي يشكل فك ارتباطها بالدولار كابوسا للمسؤولين نظرا لكونها شريان الحياة بالنسبة إلى نشاط المصارف.

وحسب الشهادات، ترتفع الأصوات داخل المصارف، “راتبي، أريد راتبي”، ويضرب رجل بيده على الطاولة طالباً سحب مبلغ إضافي قدره 200 دولار من حسابه، لكن لا أحد يستجيب له في المصرف.

ويتشارك اللبنانيون على وسائل التواصل الاجتماعي أشرطة فيديو ينقلها زبائن لموظفين يرفضون تسليمهم أموالهم.

وظهر في أحد الفيديوهات، أحد الزبائن يدخل إلى فرعه المصرفي يحمل بيده فأسا ليطالب بأمواله.

ويقول موظفون إن لا علاقة لهم بالقرارات التي تتخذها إدارات المصارف، وإنهم يدفعون الثمن إذ يتعرضون للإهانات والتهجم.

ويتهم متظاهرون في الحراك الشعبي المستمر ضد الطبقة السياسية منذ أكثر من شهرين المصارف بتحويل مبالغ مالية ضخمة لمسؤولين ومتمولين إلى الخارج، في وقت تفرض إجراءات مشددة على المودعين في لبنان.

وفي تقرير لمركز كارنيغي للأبحاث في الشرق الأوسط نشره في نوفمبر الماضي، قدّر خبراء تحويل ما يقارب 800 مليون دولار إلى الخارج منذ انطلاق الاحتجاجات في 17 أكتوبر الماضي، وهي الفترة التي كانت فيها أبواب المصارف مقفلة.

ويقول الباحث في معهد تراينغل سامي حلبي إن “سُمعة المصارف تشوهت تماماً”، مضيفا “لن يثق أحد فيها بعد اليوم ولسنوات عدة”.

طوابير الانتظار.. والرد لا دولار
طوابير الانتظار.. والرد لا دولار

ونظمت تظاهرات عدة خلال الأسابيع الماضية في اتجاه المصرف المركزي في بيروت المتهم من الحركة الاحتجاجية باعتماد سياسة مالية ساهمت في الأزمة الحالية. ورفعت شعار “ليسقط حكم المصرف”.

وفيما لا يزال سعر صرف الدولار محددا رسميا بنحو 1507 ليرات لبنانية، فإن السعر يصل في السوق الموازية إلى ألفين أو أكثر.

وبالإضافة إلى الحد من سحب الأموال داخلياً، تمنع المصارف التحويلات إلى الخارج ولا يمكن للبناني المقيم في الخارج والذي يملك حسابات مصرفية في لبنان سوى الاستفادة من مبالغ مالية محدودة.

وتقول رنا (البالغة 47 عاماً) إنها تعيش اليوم “كابوساً مالياً”، إذ لا يسمح لها المصرف سوى بتحويل ألف دولار شهرياً إلى حسابها في الخارج. وبالكاد يكفي هذا المبلغ لدفع إيجار منزلها في إيطاليا، عدا عن حاجتها لنحو 30 ألف دولار لدفع مستحقات شركة الإنشاءات التي تبني لها منزلا في أوروبا.

وتضيف رنا التي غادرت لبنان قبل عامين “الضوابط على رأس المال خرّبت حياتي”.

من وجهة نظر المصرف، مجرد حصولها على هذا المبلغ المحدود “معجزة” بحد ذاته. فبعد تقدمها بشكاوى عدة، وصلتها رسالة من المصرف مفادها “لا أحد يستطيع إخراج ألف دولار من بيروت”.

11