القوميون سرقوا الأضواء من أردوغان

كما هو معروف على نطاق واسع، فقد أتقن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مهارة المهام السياسية المتعددة. يمكنه العمل بفعالية على عدة جبهات مختلفة في نفس الوقت. يساعده في ذلك نهج براغماتي في مواجهة التحديات وغريزة للبقاء. وإذا كان الحظ عاملا فقد ساعده أيضا.
بينما كان العالم يشاهد أردوغان وهو يتعامل بأشياء مختلفة متعددة في نفس الوقت في قضية جمال خاشقجي، حدث تطور كبير لم يجذب الاهتمام الذي يستحقه. وسط الفاجعة التي لم يسبق لها مثيل لمقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، تمت إضافة عنصر محلي إلى التحديات التي تواجه أردوغان. إنه يهدد قبضته على السلطة على المدى الطويل لأن الانتخابات المحلية من المقرر أن تجرى في شهر مارس القادم.
في اليوم الذي وعد فيه أردوغان بكشف “الحقيقة العارية” في مقتل خاشقجي، حاول حليفه السياسي دولت بهجلي سرقة الأضواء من خلال إلقاء قنبلة سياسية.
وأخذ زعيم حزب الحركة القومية الكلمة في البرلمان قبل أردوغان. وأعلن أنه بصدد إنهاء جهود ترشيح مرشحين لرئاسة البلديات وفقا لتحالف الشعب، الذي جمع حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان مع حزب الحركة القومية في الانتخابات في يونيو الماضي. شكل الحزبان كتلة تضم 340 عضوا في البرلمان المؤلف من 600 مقعد.
لقد كان هذا التحالف هو الذي أعطى الثقة لجميع القوى التي تحارب الأحزاب العلمانية، لا سيما حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي، والأهم من ذلك، حزب الشعوب الديمقراطي. ويمتلك حزب الشعوب الديمقراطي 65 مقعدا، وهو عدد استثنائي، نظرا لمستوى الاضطهاد الذي واجهه.
لا يوجد ما يثير العجب في أن المعارضة شعرت بأن ثمة فرصة بعد خطاب بهجلي الذي أشار فيه إلى خوض الانتخابات المحلية منفردا بعيدا عن التحالف. وسارعت إلى إعلان نهاية تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، فبدأت تتحدث عن النصر قبل الأوان. ومع ذلك، فإن ما أعقب إعلان بهجلي كان مهما. كانت هناك حرب كلامية بين العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية. قاما بتوجيه التهديدات والشتائم لبعضهما البعض. ما الذي كان يحدث؟
بهجلي ليس أي سياسي. تقول المصادر التي قضت بعض الوقت مع دائرته المقربة، في ثقة، إن هناك دائما “سببا عميقا” وراء أفعاله. فك شفرة السبب العميق حيث من الواضح أن بهجلي يعمل بالطريقة التي يفكر بها الجهاز البيروقراطي.
لذا، ربما يكون قد اكتشف أن أردوغان أضعف، ليس كثيرا في ما يتعلق بالناخبين بقدر ما هو مع أولئك الذين يعملون في هيئات إدارية مختلفة. أيضا سيلحق الانهيار الاقتصادي البطيء الضرر بحزب العدالة والتنمية وكوادره، وقد تكون لدى بهجلي أدلة على صعود القومية التركية.
التطهير الهائل الذي شمل في الأساس أنصار رجل الدين فتح الله غولن والعلمانيين من أصحاب الميول اليسارية من الجهاز الحكومي والجيش والقضاء بعد محاولة الانقلاب عام 2016، أدى إلى تفضيل وتعزيز وضع القوميين المتشددين. من المحتمل أن تشجع التغيرات الذين يؤيدون بهجلي.
إذا كان هذا هو الاتجاه، فهذا يعني أن أردوغان في ورطة. ولكونه ثاقب النظر فإنه يرى ذلك. ومن ثم، فقد تعامل بعناية مع إعلان بهجلي، وحاول التأكيد على أنه بينما قد يكون التحالف في موضع تساؤل على المستوى المحلي، فإن كتلة تحالف الشعب ستستمر. بعبارة أخرى كان رئيس تركيا يبعث برسالة مفادها أن لديه حتى مارس الماضي أن يفعل أشياء كثيرة في نفس الوقت ويخرج فائزا مرة أخرى.
ثمة إيجابيات وسلبيات في هذا النقاش. أعاد أردوغان بناء حزب العدالة والتنمية على صورته وحوّله إلى آلة لإبقائه في السلطة بقوة. من الواضح أيضا من الاستطلاعات أن أردوغان أكثر شعبية من حزبه. يحكم سيطرته على وسائل الإعلام والقضاء والجيش، والأهم من ذلك، على الحشود. أنصاره مفتونون به.
ومع ذلك، فإن نوعا من النزعة القومية التركية الشرسة تكتسب المزيد من الزخم. هذا ليس في صالح أردوغان والمفارقة هي أنه هو نفسه الذي فتح الأبواب أمام القوميين.
المجتمع التركي، المحاصر بين أيديولوجيتين قمعيتين، بدأ ينحرف بعيدا عن الإسلاموية باتجاه القومية التركية. في أفضل الأحوال، سيتعين على أردوغان تبني بعض أجندة القوميين المتطرفين وستكون الانتخابات المحلية حول المزيد من توطيد التركيبة التركية الإسلامية.