القنوات المصرية ترفض التحكيم غير العادل لاستطلاعات الرأي

القاهرة - لم تنته الضجة التي أثارتها استطلاعات الرأي حول نسب المشاهدة للقنوات الفضائية المصرية، وفتح النقاش مطولا بخصوص عدم وجود ضوابط حاكمة لمعايير عمليات الاستطلاع، وإمكانية التلاعب بها للتأثير على توزيع نسب الإعلانات على القنوات واستفادة البعض منها على حساب القنوات الأخرى.
وجاء قرار وقف استطلاعات الرأي بعد أن تلقى المجلس شكاوى من العديد من القنوات التلفزيونية بسبب كثرة الاستطلاعات التي تصدر من جهات عديدة، بحسب ما أكده مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام (هيئة حكومية).
وقال أحمد إن غالبية هذه الأبحاث تحكمها مصالح تفيد البعض وتضر الآخرين وتتلاعب بقوانين السوق وسلامة توجهاتها.
وأضاف في بيان صدر عن المجلس الذي يرأسه، أن قرار وقف الاستطلاعات يهدف إلى إقرار قواعد عامة حتى تصبح نتائج هذه الاستطلاعات معبرة عن الواقع وتراعي العدالة والموضوعية وتطبيق القانون، وطالب الشركات العاملة في هذا المجال بمراجعة المجلس لتوفيق أوضاعها.
ويمثل شهر رمضان كل عام، فرصة ثمينة لنشر الاستطلاعات، حيث تذهب الإعلانات على مدار الشهر إلى القنوات التي حصلت على أعلى المراتب في نسب المشاهدة، وهو أمر تكرر بالنسبة إلى المسلسلات والبرامج بحيث يكون هناك تسويق دعائي لها بشكل أكبر.
وهذا العام، أصدرت شركة “أبسوس” استطلاعا عن أكثر القنوات مشاهدة خلال اليومين الأولين من شهر رمضان أشارت فيه إلى تصدر قناة “إم بي سي مصر” المشاهدة الجماهيرية بنسبة بلغت 20 بالمئة، وتلتها “إم بي سي مصر 2” بنسبة 8 بالمئة، وفي المركز الثالث جاءت قناة “الحياة” التي حققت 7.9 بالمئة، ثم قناة “المجد” للقرآن الكريم 7.5 بالمئة، وقناة “سي بي سي سُفرة” بالمركز الخامس بنسبة 4.5 بالمئة.
وتتحكم “أبسوس” وهي شركة عالمية لأبحاث السوق مقرها باريس، من خلال نتائج أبحاثها في توزيع نسب الإعلانات التي تقدر بثلاثة مليارات جنيه سنويا (166 مليون دولار تقريبا) على الفضائيات المصرية، وتعمل الشركة في مصر منذ عام 2006.
وينتقد متابعون إعلاميون تحكم أبسوس باستطلاعات الرأي في حين أن مصر تملك مركزا لبحوث الرأي العام تم تأسيسه قبل ثلاثين عاما ويتبع كلية الإعلام في جامعة القاهرة، إلا أنه لا يقوم بأي نشاطات بحثية من الممكن أن تساهم في ضبط السوق، كما توجد شركات خاصة صغيرة لكن لا أحد يعتد بنتائج أبحاثها.
3 مليارات جنيه حجم الإعلانات التي توزع سنويا على الفضائيات المصرية استنادا لاستطلاعات {أبسوس}
وتقدمت غرفة صناعة الإعلام المصري (التي تتكون من تحالف 10 فضائيات خاصة) ببلاغات منفصلة إلى جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية ضد شركة “أبسوس” واتهمتها بتقديم تقارير مبنية على أساليب غير علمية، وهو ما دفع المجلس الأعلى للإعلام إلى تشكيل لجنة للتحقيق في تلك المخالفات.
ويرى ياسر عبدالعزيز، الخبير الإعلامي، إن صناعة الإعلام الرشيدة لا يمكن أن تعتمد على توزيع حصتها الإعلانية وفق استطلاعات رأي تجريها جهة واحدة فقط، كما أن هناك غيابًا كاملًا لمعايير إجرائها لتلك الأبحاث، وبالتالي فإن تحركات الجهات الحكومية تأتي في سياق ما حدده قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام في مصر.
ويمنح القانون 92، المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الحق في وضع الآليات اللازمة لضبط أنشطة التحقق من الانتشار، والموافقة على تأسيس شركات تهتم بهذا الشأن بحيث يكون هناك تنوع في مصادر إجراء الأبحاث.
وأضاف عبدالعزيز، لـ“العرب”، أن هناك بدائل عديدة أمام الجهات الحكومية المصرية تستطيع من خلالها أن تضبط عملية الرصد الدقيق لنسب المشاهدة، منها خاصية “تي في ميتر” وهي عبارة عن جهاز يتم وضعه داخل أجهزة بث القنوات الفضائية ويقيس نسب مشاهدات الجمهور إلكترونيا دون أي تدخل بشري، إلا أنه لفت إلى أن هذا المقترح مازالت تدرسه الجهات الأمنية حتى الآن.
ويشكك العديد من المتابعين للشأن الإعلامي في قدرة المجلس الأعلى للإعلام على التحكم في إجراء استطلاعات الرأي بصورة موضوعية، وعبروا عن رفضهم قراره الأخير دون وضع جدول زمني محدد تنتهي من خلاله عملية وضع المعايير التي سيتم تطبيقها.
وقالت هويدا مصطفى، أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة، لـ“العرب”، إن التحركات الحكومية لضبط الأداء الإعلامي ينقصها وضوح الرؤية، كما أن أذرعها السياسية والبحثية التي تمكنها من السيطرة على الوضع القائم تبدو ضعيفة، بالتالي فإن العديد من القرارات التي اتخذتها تعبر عن تداخل في الاختصاصات بينها وبين الهيئات الأخرى والمسؤولة هي أيضا عن تنظيم عمل الإعلام.
وأوضحت مصطفى أن التحكم في معايير إجراء بحوث المشاهدة يعد العائق الأكبر أمام الجهات الحكومية حتى في حال تنوعها، لأن أغلبها يعتمد على عينات ثابتة من الجمهور، بالإضافة إلى وجود تداخلات كبيرة بين أصحاب شركات الاستطلاعات وأصحاب القنوات الخاصة التي يتم توظيف النتائج لصالحها، لكنها لفتت إلى أنه لا يوجد دليل مادي ملموس حتى الآن على هذا التوظيف.
وأضافت أن الظاهرة لم تتوقف فقط على نسب الإعلانات بل امتدت إلى نسب مشاهدة البرامج والمسلسلات التلفزيونية، وأن هناك حاليًا مستوى كبيرًا من الفوضى بعد أن تعددت استطلاعات الرأي بشأنها بواسطة قنوات فضائية تسعى هي ذاتها إلى تسويق أعمالها، وهو أمر استغله بعض النجوم لزيادة أجورهم في الأعمال الدرامية.
ويخشى خبراء إعلام من أن يكون التدخل الحكومي هدفه الانحياز لصالح قنوات بعينها إلى أهداف سياسية، خاصة وأن المجلس الأعلى للإعلام أعلن في وقت سابق عن نيته تأسيس شركة قياس تابعة له، وهو ما قد يُعد تدخلا حكوميا في مسار توجيه الإعلانات إلى فضائية ما دون أخرى.
ويتفق إعلاميون على أن تنامي ظاهرة الإعلام التجاري والبحث عن المكسب المادي كان سببا في انتشار هذه الفوضى، إضافة إلى التداخل الكبير بين أصحاب القنوات ودوائر حكومية عدة.