القمة العربية الطارئة: قرارات كبرى أم ضجيج بلا طحين

القضية الفلسطينية بحاجة إلى أكثر من بيانات شجب وأكثر من رهان على وسطاء منحازين، ما تحتاجه هو إستراتيجيات واقعية تضع الاحتلال أمام ضغوط فعلية وتجعل من العرب طرفًا فاعلًا في المعادلة.
الخميس 2025/03/06
وسيط منحاز لإسرائيل

بعد ساعات من المداولات والمناقشات خرجت القمة العربية الطارئة المنعقدة في القاهرة ببيان مطوّل، أكدت فيه الدول العربية التزامها بحل الدولتين، ورفض التهجير القسري للفلسطينيين، واعتماد خطة مصرية لإعادة إعمار غزة. البيان في ظاهره حازم، لكنه يثير أسئلة جوهرية عن مدى تأثيره الفعلي على الأرض، وما إذا كان يمثل نقلة نوعية في التعاطي العربي مع القضية الفلسطينية، أم مجرد إعادة تدوير للمواقف التقليدية في سياق متغيرات إقليمية ودولية فرضت عقد القمة.

جاء البيان ليؤكد على نقاط مفصلية، أبرزها رفض أي محاولة لتهجير الفلسطينيين، والدعوة إلى نشر قوات دولية لحفظ السلام، واعتماد خطة إعادة الإعمار بتمويل عربي ودولي. كما أكد البيان على دعم الأردن ومصر في مواجهة مخاطر تهجير الفلسطينيين، والتنسيق مع الإدارة الأميركية لاستئناف المفاوضات.

لكن التساؤل المشروع هنا: ما الجديد؟ هذه المخرجات تبدو استنساخًا لمواقف عربية سابقة لم تترجم يومًا إلى واقع. فما الذي يضمن أن تكون هذه القمة مختلفة؟ وأين كانت الدول العربية طيلة الخمسة عشر شهرا الماضية منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة؟

◄ القمة العربية الطارئة قدمت خطابا قويا، لكنها لم تضع آليات حقيقية لتنفيذه. فإسرائيل لن تنسحب من غزة ولن توقف تهجير الفلسطينيين لمجرد أن القادة العرب أصدروا بيانًا يدين هذه الأفعال

منذ عقود، تعاني المواقف العربية من فجوة بين الخطاب والتطبيق. فالبيانات الختامية للقمم العربية عادة ما تكون صيغًا إنشائية تفتقر إلى آليات التنفيذ، حتى وإن كانت القرارات تحمل في طياتها بنوداً قوية مثل رفض التهجير أو المطالبة بانسحاب الاحتلال، إلا أن غياب الأدوات الفعلية للضغط يجعلها أقرب إلى الأمنيات منها إلى السياسات القابلة للتحقيق.

فعلى سبيل المثال أشار البيان إلى ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي، لكنه لم يحدد كيف ستجبر الدول العربية إسرائيل على الالتزام. هل هناك ضغوط اقتصادية؟ هل سيتم تفعيل المقاطعة أو تقليص التعاون الأمني مع القوى الدولية الداعمة للاحتلال؟ أم أن الأمر سيظل مجرد مطالبات؟

من النقاط اللافتة في البيان الإشادة بالدور الذي لعبته إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين، والدعوة إلى التعاون مع واشنطن في تحريك عملية السلام، هذا الطرح يعيدنا إلى إشكالية تاريخية، هل يمكن للعرب تحقيق حل عادل للقضية الفلسطينية وهم يراهنون على وسيط منحاز لإسرائيل؟

الإدارة الأميركية، سواء في عهد ترامب أو غيره، لم تكن يوما طرفا نزيها في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، بل كانت شريكا في تمكين الاحتلال وتعزيز سياساته الاستيطانية. لذا، فإن الرهان على واشنطن كوسيط وحيد هو إعادة تدوير لفشل دام عقودا، دون البحث عن خيارات بديلة في الساحة الدولية. ومع ذلك، فإن النهج العربي لا ينبغي أن يقتصر على الرفض المطلق، بل يمكن العمل على إقناع الإدارة الأميركية، خاصة في حال عودة ترامب أو أي رئيس جمهوري آخر، بأن دعم إسرائيل دون قيد أو شرط لم يعد يخدم المصالح الأميركية، بل يضر باستقرار المنطقة ويعزز موجات العداء لواشنطن. ولكن لتحقيق ذلك لا بد من خطاب سياسي عربي موحد، يستند إلى المصالح الاقتصادية والأمنية المشتركة، بدلًا من الاكتفاء بالمطالبات الدبلوماسية.

وفي الوقت نفسه تحتاج الدول العربية إلى تعزيز التحالفات الدولية خارج المحور الأميركي التقليدي، الصين وروسيا وقوى دولية أخرى باتت أكثر حضورًا في الساحة العالمية، ويمكن للدول العربية الاستفادة من هذا التوازن الدولي لإيجاد مظلة سياسية بديلة عن الهيمنة الأميركية. والتوجه نحو هذه القوى، سواء عبر الشراكات الاقتصادية أو التعاون الإستراتيجي، سيمنح العرب هامشاً أوسع للمناورة، بدلاً من الارتهان الكامل لواشنطن التي أثبتت مرارًا انحيازها لإسرائيل.

◄ منذ عقود، تعاني المواقف العربية من فجوة بين الخطاب والتطبيق. فالبيانات الختامية للقمم العربية عادة ما تكون صيغًا إنشائية تفتقر إلى آليات التنفيذ

من الناحية العملية تبدو خطة إعادة إعمار غزة التي طرحتها مصر، والتي اعتمدتها القمة، خطوة ضرورية لإنقاذ القطاع من الدمار الشامل الذي لحق به. لكن الإشكالية هنا تكمن في البعد السياسي لهذه الخطة، وما إذا كانت ستتحول إلى أداة لإعادة ترتيب الأوضاع في غزة وفق ترتيبات إقليمية ودولية تستهدف إعادة السلطة الفلسطينية إلى القطاع تحت شروط إسرائيلية ودولية، فمن يملك زمام الأمور في غزة بعد إعادة الإعمار؟ هل سيتم استغلالها كمدخل لتصفية المقاومة بحجة ضبط الأمن والاستقرار؟ وهل سيُستخدم ملف الإعمار كورقة ضغط على الفلسطينيين للقبول بتسويات سياسية مجحفة؟ هذه الأسئلة تظل مفتوحة، خاصة في ظل وجود أطراف دولية تسعى لاستغلال الأزمة لتحقيق مكاسب إستراتيجية في المنطقة.

في المحصلة، القمة العربية الطارئة قدمت خطابا قويا، لكنها لم تضع آليات حقيقية لتنفيذه. فإسرائيل لن تنسحب من غزة ولن توقف تهجير الفلسطينيين لمجرد أن القادة العرب أصدروا بيانًا يدين هذه الأفعال. ما لم تمتلك الدول العربية أدوات ضغط حقيقية -اقتصادية ودبلوماسية وحتى أمنية- فإن هذه القمة ستلتحق بعشرات القمم السابقة التي لم تغيّر شيئًا من الواقع.

القضية الفلسطينية اليوم بحاجة إلى أكثر من بيانات شجب، وأكثر من رهان على وسطاء منحازين، ما تحتاجه هو إستراتيجيات واقعية تضع الاحتلال أمام ضغوط فعلية، وتجعل من العرب طرفًا فاعلًا في المعادلة، وليس مجرد مراقبين يكتفون بإصدار البيانات ثم انتظار التطورات القادمة.

8