القلق الأميركي من حقوق الإنسان في مصر لا يؤثر على الصفقات العسكرية

تقارب القاهرة وموسكو ضمانة لاستمرار صفقات السلاح مع واشنطن.
الجمعة 2022/01/28
واشنطن تفصل بين الملف الحقوقي والمصالح الاستراتيجية

يعكس إقرار الإدارة الأميركية لصفقتين عسكريتين لمصر أن واشنطن تفصل بين الملف الحقوقي وتعزيز التحالفات الاستراتيجية مع القاهرة، إلا أن مراقبين يشيرون إلى أن مخاوف إدارة جو بايدن من التقارب بين مصر وروسيا على مستوى التسليح عنصر مهم أيضا.

القاهرة - كشف استقرار العلاقات العسكرية بين مصر والولايات المتحدة في ظل الانتقادات الأميركية لأوضاع حقوق الإنسان عن فصل في تعامل إدارة الرئيس جو بايدن بين الجانبين، ما يثير تساؤلات حول مصداقية التوجهات الأميركية نحو دعم القيم الديمقراطية، وما إذا كانت تحمل أبعادا تستخدمها لتحقيق مصالح بعينها.

ووافقت الخارجية الأميركية الثلاثاء على صفقتين عسكريتين لمصر بقيمة 2.56 مليار دولار تشمل طائرات نقل وأنظمة رادار، تتضمن الأولى بيع 12 طائرة نقل “سي-130 جيه سوبر هيركيوليز” ومعدات تابعة لها، والثانية تتعلق بشراء أنظمة رادار للدفاع الجوي بقيمة 355 مليون دولار لمساعدة مصر في التصدي للتهديدات الجوية.

وتنتظر الصفقة موافقة الكونغرس الأميركي لتنفيذها بشكل رسمي، وسط توقعات بأن يتم إقرارها بشكل نهائي أسوة بصفقة مررتها الإدارة الحالية قبل عام تقريبا بحوالي 200 مليون دولار، وسبقتها بعام صفقة بقيمة 2.3 مليار دولار، وفي كل مرة تؤكد واشنطن أن موافقتها لن توقف ضغطها في ملف حقوق الإنسان.

وأثبتت وقائع التعامل الأميركي مع أوضاع حقوق الإنسان في مصر أنها قد تذهب باتخاذ قرارات يمكن وصفها بـ”الرمزية” احتجاجا على عدم حدوث تطور ملموس دون تأثير مباشر على إجمالي قيمة المساعدات العسكرية المقدرة بـ1.4 مليار دولار.

علا عزالدين: الضغوط الأميركية في الملف الحقوقي لم تعد تلقى تأثيرا

ولم تتوقف القاهرة أمام قرار الخارجية الأميركية الذي اتخذته سابقا بتعليق مساعدات عسكرية بقيمة 130 مليون دولار بسبب ما قالت إنه “يرجع لعدم تحقيق تحسن في وضع حقوق الإنسان في البلاد”، وبدا أن هناك ارتياحا مصريا لصيغة التعاطي الأميركي مع الملف الحقوقي، وهي صيغة مقبولة أيضا للولايات المتحدة التي تحافظ على عدم حدوث توتر بين البلدين على المستوى السياسي.

وقالت الخارجية الأميركية إن الصفقة لا علاقة لها بالتمويل العسكري الأجنبي بقيمة 130 مليون دولار الذي تم تجميده في سبتمبر الماضي، “نعتقد أن علاقتنا الثنائية مع مصر ستكون أقوى، وأن مصالح الولايات المتحدة ستُخدم بشكل أفضل من خلال المشاركة الأميركية المستمرة لتعزيز مصالح أمننا القومي، بما يتضمن معالجة مخاوفنا المتعلقة بحقوق الإنسان”. وحضّ وزير الخارجية أنتوني بلينكن مصر خلال محادثات ثنائية جرت في نوفمبر الماضي على إجراء “تحسينات ملموسة” في مجال حقوق الإنسان، لكن في السنة المالية الحالية، خصصت إدارة بايدن في موازنتها مساعدات للقاهرة بقيمة 1.4 مليار دولار معظمها عسكري كما في السنة السابقة.

وهناك إدراك مصري بأن حرص الولايات المتحدة على تعزيز التعاون العسكري يحقق أكثر من هدف يخدم مصالحها في المنطقة، لأن التهديدات المتصاعدة في منطقة باب المندب وزيادة التهديدات الحوثية بحاجة إلى قوة بحرية مستقرة ومتطورة يمكن التعامل معها، فضلا عن الدور المصري الذي تلعبه لتأمين خطوط الملاحة البحرية في البحر الأحمر لحماية قناة السويس التي تمثل شريانا حيويا عالميا.

ولدى دوائر مصرية رسمية قناعة بأن توجهات القاهرة تجاه التعامل مع أزمات المنطقة وعدم انخراطها عسكريا في الصراعات الدائرة ودخولها كطرف يهدد المصالح الأميركية يدفع نحو تقديم الدعم العسكري بلا مخاوف، بجانب الدور الفاعل في مواجهة الإرهاب الذي يجعل هناك حاجة إلى زيادة الدعم المقدم للجيش المصري. ولفت رئيس مجلس الدراسات الاستراتيجية بالجيش المصري سابقا اللواء علا عزالدين، إلى أن قدرة القاهرة على عدم الخضوع لإملاءات خارجية لا تتوافق مع المصالح الاستراتيجية للدولة جعلت هناك قناعة أميركية بعدم جدوى التصعيد الإعلامي في الملف الحقوقي، ولذلك بدت أكثر انفتاحا على التعاون في مجالات عسكرية مختلفة دون أن تتأثر بالخطاب الحقوقي.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الضغوط الأميركية في الملف الحقوقي لم تعد تلقى تأثيرا في الداخل المصري الذي أصبح أكثر إدراكا بأن هناك تسييسا دوليا في التعامل مع هذا الملف، وفي الوقت ذاته ثمة حاجة أميركية إلى وجود دولة لديها دعائم الاستقرار في منطقة مشتعلة بما يحافظ على مصالحها الحيوية في الشرق الأوسط.

ومن وجهة نظر الخبير العسكري المصري فإن قدرة القاهرة على بناء علاقات عسكرية متوازنة مع قوى إقليمية عديدة يجعلها لا تخضع لاشتراطات مسبقة لإتمام هذا النوع من الصفقات، وأن العلاقة العسكرية المتطورة بين القاهرة وموسكو لن تتأثر بتمرير هذه الصفقة أو التي سبقتها، في ظل وجود يقين مصري بأن الولايات المتحدة توافق ضمنيا على تنويع مصادر السلاح الذي يخل بالتوازنات التي تريدها.

ويعتقد سياسيون أن التقارب العسكري المصري الروسي يشكل ضمانة مصرية لعدم توقف صفقات السلاح مع الولايات المتحدة وأي رفض أميركي لطلبات القاهرة في هذا المجال قد يكون الرد عليه من خلال زيادة التعاون مع روسيا، والأمر ذاته حال كانت هناك قرارات أو عقوبات أميركية على مصر بشأن ملفها الحقوقي.

أيمن نصري: واشنطن ستكون الطرف الخاسر حال عطلت الصفقات

ورحب النائبان بالكونغرس دون باير وتوم مالينوفسكي بإفراج مصر مؤخرا “عن العديد من السجناء السياسيين البارزين في مصر”، لكنهما أضافا أن هذا ليس كافيا وحضّا بايدن على الاستمرار بتجميد المساعدات، واعتبرا أن القاهرة لم تفِ بعد بالشروط المطلوبة لرفع تعليق صرف الـ130 مليون دولار المجمدة.

وأشار رئيس المنتدى العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان أيمن نصري إلى أن استقرار العلاقات العسكرية بين مصر والولايات المتحدة يبرهن على أنها تكيل بمكيالين في تعاملها مع الملف الحقوقي، إذ أنها تتبنى خطابا إعلاميا مهاجما للدولة المصرية لإرضاء الداخل، في حين أنها توافق على صفقة سلاح ضخمة تؤكد على أن هناك جملة من المصالح السياسية والاستراتيجية التي يصعب تجاوزها.

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن الإدارة الأميركية أدركت أن القاهرة لم تتأثر سلبا بحملات المنظمات الحقوقية ضدها، وأن الاتحاد الأوروبي الذي طالما وجه انتقادات لاذعة للملف الحقوقي لم يوقف تعاونه العسكري مع النظام المصري الحالي، وبالتالي فإنها ستكون الطرف الخاسر على مستويات عديدة حال عطلت تلك الصفقات.

وشدد على أن الانفتاح العسكري الأميركي على مصر لا يمنع من اتجاه الولايات المتحدة للإمساك بورقة تنظيم الإخوان واستمرار الضغط للإفراج عن قيادات الجماعة حتى تبقى هناك وسائل ضغط على القاهرة، فالهدف هو الحفاظ على المصالح الأميركية في المنطقة.

وهو أمر ترجمه بيان الخارجية الأميركية الذي أكد أن الصفقة الجديدة من شأنها دعم السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة عبر المساعدة في تحسين أمن دولة حليفة رئيسية من خارج الناتو، لا تزال شريكا استراتيجيا مهما في الشرق الأوسط، ما يمنح القاهرة هامشا جيدا للحركة السياسية ويبعد عنها شبح الضغوط القاسية.

2